صفحة جزء
805 - النعمان بن ثابت ، أبو حنيفة التيمي ، إمام أصحاب الرأي [] . [ ص: 129 ]

ولد سنة ثمانين ، رأى أنس بن مالك ، وسمع من عطاء بن أبي رباح ، وأبي إسحاق السبيعي ، ومحارب بن دثار ، وحماد بن أبي سليمان ، ومحمد بن المنكدر ، ونافع مولى ابن عمر ، وهشام بن عروة وغيرهم .

وروى عنه: هشيم ، وابن المبارك ، ووكيع ، ويزيد بن هارون وغيرهم .

وكان ربعة من الرجال تعلوه سمرة ، حسن الثياب ، كثير التعطر كريما . وكان في أول أمره يبيع الخز ، ثم تشاغل بالعلم .

أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا الخلال قال: أخبرنا علي بن عمر الجريري: أن علي بن محمد النخعي حدثهم قال: حدثنا الحسن بن أبي مالك ، عن أبي يوسف قال: قال أبو حنيفة: لما أردت أطلب العلم جعلت أتخير العلوم ، وأسأل عن عواقبها ، فقيل لي: تعلم القرآن . فقلت: إذا تعلمت القرآن وحفظته فما يكون آخر أمري؟ قالوا: تجلس في المسجد ويقرأ عليك الناس: الصبيان والأحداث ، ثم لا تلبث أن تخرج منهم من هو أحفظ منك أو يساويك في الحفظ ، فتذهب رئاستك . قلت: فإن سمعت الحديث وكتبته حتى لم يبق في الدنيا أحفظ مني؟ قالوا: إذا كبرت وضعفت حدثت واجتمع عليك الصبيان والأحداث ، ثم لا تأمن أن تغلط فيرمونك بالكذب ، فيصير عارا عليك في عقبك . فقلت: لا حاجة لي في هذا . ثم قلت: أتعلم النحو ، فإذا حفظت النحو والعربية ، ما يكون آخر أمري؟

قالوا: تقعد معلما ، فأكثر رزقك ديناران إلى ثلاثة قلت: وهذا لا عاقبة له . قلت: فإن نظرت في الشعر فلم يكن أحد أشعر مني ، ما يكون من أمري؟ قالوا: تمدح فيهب لك ويحملك على دابة ، ويخلع عليك خلعة ، وإن حرمك هجوته ، فصرت تقذف المحصنات . فقلت: لا حاجة لي في هذا . قلت: فإن نظرت في الكلام؟ ما يكون آخره؟ قالوا: لا يسلم من نظره في الكلام من مشنعات الكلام ، فيرمى بالزندقة ، فإما أنك تؤخذ فتقتل ، وإما تسلم فتكون مذموما ملوما . قلت: فإن تعلمت الفقه؟ قالوا: تسأل [ ص: 130 ] فتفتي الناس ، وتطلب للقضاء ، وإن كنت شابا . قلت: فليس في العلوم شيء أنفع من هذا . فلزمت الفقه .

حدثنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال: أخبرنا الصيمري قال: حدثنا عمرو بن إبراهيم المقرئ قال: حدثنا مكرم بن أحمد قال: حدثنا أحمد بن محمد الحماني قال: حدثنا الفضيل بن غانم قال: كان أبو يوسف مريضا شديد المرض ، فعاده أبو حنيفة مرارا ، فصار إليه آخر مرة فرآه ثقيلا فاسترجع وقال: كنت أؤملك للمسلمين بعدي ، ولئن أصيب الناس بك ليموتن معك علم كثير ، ثم رزق الله أبا يوسف العافية ، وأخبر بقول أبي حنيفة فيه ، فارتفعت نفسه ، وانصرفت وجوه الناس إليه ، فعقد لنفسه مجلسا في الفقه ، وقصر [عن] لزوم مجلس أبي حنيفة ، فسأل عنه فأخبر أنه قد عقد لنفسه مجلسا ، وأنه بلغه كلامك فيه ، فدعا رجلا كان له عنده قدر فقال: صر إلى مجلس يعقوب فقل له: ما تقول في رجل دفع إلى قصار ثوبا ليقصره بدرهم فصار إليه بعد أيام في طلب الثوب ، فقال له القصار: ما لك عندي شيء ، وأنكره ، ثم إن رب الثوب رجع إليه ، فدفع له الثوب مقصورا ، أله أجرة؟ فإن قال له أجرة ، فقل أخطأت ، وإن قال لا أجرة له فقل أخطأت فصار إليه فسأله فقال أبو يوسف: له الأجرة . فقال: أخطأت . فنظر ساعة ثم قال: لا أجرة له . فقال: أخطأت . فقام أبو يوسف من ساعته ، فأتى أبا حنيفة فقال له: ما جاء بك إلا مسألة القصار . قال: أجل قال: سبحان الله ، من قعد يفتي الناس وعقد مجلسا يتكلم في دين الله وهذا قدره لا يحسن [أن] يجيب في مسألة من الإجارات . فقال: يا أبا حنيفة ، علمني . فقال: إن قصره بعد غصبه فلا أجرة له ، لأنه قصره لنفسه ، وإن كان قصره قبل أن يغصبه فله الأجرة ، لأنه قصره لصاحبه ، ثم قال: من ظن أنه يستغني عن التعلم فليبك على نفسه .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا [ ص: 131 ] القاضي أبو جعفر محمد بن أحمد السمناني قال: حدثنا أبو محمد الحسن بن أبي عبد الله السمناني قال: حدثنا الحسين بن رحمة قال: حدثنا محمد بن شجاع الثلجي قال: حدثنا محمد بن سماعة ، عن أبي يوسف قال: سمعت أبا حنيفة يقول: إذا كلمت القدري فإنما هو حرفان ، إما أن يسكت ، وإما أن يكفر ، يقال له: هل علم الله في سابق علمه أن تكون هذه الأشياء كما هي؟ فإن قال: لا ، فقد كفر ، وإن قال: نعم ، يقال له: أفأراد أن يكون كما علم؟ أو أراد أن يكون بخلاف ما علم؟ فإن قال: أراد أن يكون كما علم فقد أقر أنه أراد من المؤمن الإيمان ، ومن الكافر الكفر . وإن قال: أراد أن يكون بخلاف ما علم فقد جعل ربه متمنيا متحسرا ، لأن من أراد أن يكون ما علم أنه لا يكون ، أو يكون ما علم أنه يكون فإنه متمن متحسر ، ومن جعل ربه متمنيا متحسرا فهو كافر .

قال مؤلف الكتاب رحمه الله: لا يختلف الناس في فهم أبي حنيفة وفقهه .

كان سفيان الثوري ، وابن المبارك يقولان: أبو حنيفة أفقه الناس .

وقيل لمالك: هل رأيت أبا حنيفة؟ فقال: رأيت رجلا لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته .

قال الشافعي رحمة الله عليه: الناس عيال على أبي حنيفة في الفقه .

التالي السابق


الخدمات العلمية