صفحة جزء
قال مؤلف الكتاب: وبعد هذا فاتفق الكل على الطعن فيه ، ثم انقسموا على ثلاثة أقسام:

فقوم طعنوا فيه لما يرجع إلى العقائد والكلام في الأصول . وقوم طعنوا في روايته وقلة حفظه وضبطه . [ ص: 132 ]

وقوم طعنوا فيه لقوله بالرأي فيما يخالف الأحاديث الصحاح .

فأما القسم الأول: فأخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا علي بن محمد المعدل قال: أخبرنا محمد بن عمرو البختري الرزاز قال: حدثنا حسن بن إسحاق قال: حدثنا الحميدي قال: حدثنا حمزة بن الحارث بن عمير ، عن أبيه قال: سمعت رجلا يسأل أبا حنيفة في المسجد عن رجل قال: أشهد أن الكعبة حق ، ولكن لا أدري هي هذه التي بمكة أم لا؟ فقال: مؤمن حقا .

وسأله عن رجل قال: أشهد أن محمدا عبد الله نبي ، ولكن لا أدري هو هذا الذي قبره بالمدينة أم لا؟ قال: مؤمن حقا .

قال الحميدي: ومن قال هذا فقد كفر .

أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي الحافظ قال: أخبرنا محمد بن الحسين بن الفضل قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه قال: حدثنا يعقوب بن سفيان قال: حدثني علي بن عثمان بن نفيل قال: حدثنا أبو مسهر قال: حدثنا يحيى بن [ ص: 133 ] حمزة: أن أبا حنيفة قال: لو أن رجلا عبد هذا البغل يتقرب به إلى الله لم أر بذلك بأسا .

أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله السراج قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عبدوس قال: أخبرنا أحمد بن سعيد الدارمي قال: حدثنا محبوب بن موسى الأنطاكي قال: سمعت أبا إسحاق الفزاري يقول: سمعت أبا حنيفة يقول: إيمان أبي بكر الصديق وإيمان إبليس واحد ، قال إبليس: يا رب . وقال أبو بكر: يا رب .

قال أبو إسحاق : ومن كان من المرجئة ثم لم يقل هذا أنكر عليه قوله .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن سليمان المؤدب قال: أخبرنا أبو بكر بن المقرئ قال: حدثنا سلامة بن محمود قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عمر قال: سمعت أبا مسهر يقول: كان أبو حنيفة رأس المرجئة .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ قال: المشهور عن أبي حنيفة أنه كان يقول بخلق القرآن ثم استتيب منه .

وأخبرنا الخلال قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا عمر بن الحسن القاضي قال: حدثنا العباس بن عبد العظيم قال: حدثنا أحمد بن يونس قال: كان أبو [ ص: 134 ] حنيفة في مجلس عيسى بن موسى فقال: القرآن مخلوق . فقال: أخرجوه ، فإن تاب ، وإلا فاضربوا عنقه .

قال أبو بكر الحافظ: وأخبرني الحسن بن محمد أخو الخلال قال: أخبرنا جبريل بن محمد العدل قال: أخبرنا محمد بن حيويه قال: حدثنا محمد بن غيلان .

قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: سمعت شريكا يقول: استتيب أبو حنيفة مرتين .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أبو بكر الحافظ قال: أخبرنا ابن رزق قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن سلمة قال: حدثنا أحمد بن علي قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد قال: حدثنا محبوب بن موسى قال: سمعت يوسف بن أسباط يقول: قال أبو حنيفة: لو أدركني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدركته لأخذ بكثير من قولي .

القسم الثاني: أنهم ضعفوه لعلة حفظه وضبطه ، وكثرة خطأه فيما روى:

أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله الأنماطي قال: أخبرنا محمد بن المظفر قال: أخبرنا علي بن أحمد بن سليمان الصرفي قال: أخبرنا أحمد بن سعيد بن أبي مريم قال: سألت يحيى بن معين عن أبي حنيفة قال: لا تكتب حديثه .

أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرني علي بن محمد المالكي قال: أخبرنا عبد الله بن عثمان الصفار قال: أخبرنا محمد بن عثمان الصيرفي قال: حدثنا عبد الله بن علي بن عبد الله المديني قال: سألت عن أبي حنيفة فضعفه جدا .

وقال: روى خمسين حديثا أخطأ فيها .

أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا ابن الفضل قال: حدثنا محمد بن عثمان بن أحمد الدقاق قال: حدثنا سهل بن أحمد الواسطي قال: حدثنا أبو حفص عمرو بن علي قال: أبو حنيفة ليس بالحافظ ، مضطرب الحديث ، واهي الحديث . [ ص: 135 ]

وقال أبو بكر بن أبي داود: جميع ما روى أبو حنيفة من الحديث مائة وخمسون حديثا أخطأ أو قال: غلط في نصفها .

القسم الثالث: قوم طعنوا فيه لميله إلى الرأي المخالف للحديث الصحيح ، وقد كان بعض الناس يقيم عذره ويقول: ما بلغه الحديث ، وذلك ليس بشيء لوجهين:

أحدهما: أنه لا يجوز أن يفتي من يخفى عليه أكثر الأحاديث الصحيحة .

والثاني: أنه كان إذا أخبر بالأحاديث المخالفة لقوله لم يرجع عن قوله .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو سعيد الحسن بن محمد بن حيويه الأصفهاني قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن عيسى الخشاب قال: حدثنا أحمد بن مهدي قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا عبد السلام بن عبد الرحمن قال: حدثنا إسماعيل بن عيسى بن علي الهاشمي قال: حدثني أبو إسحاق الفزاري قال: سألت أبا حنيفة عن مسألة فأجاب فيها فقلت: إنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه كذا وكذا فقال: حك هذا بذنب الخنزير .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي الحافظ قال أخبرنا محمد بن أبي نصر النرسي قال: أخبرنا محمد بن عمر بن بهتة البزاز قال: أخبرنا أحمد بن سعيد الكوفي قال: حدثنا موسى بن هارون بن إسحاق قال: حدثنا العباس بن عبد العظيم قال: حدثني أبو بكر بن أبي الأسود ، عن بشر بن مفضل قال: قلت لأبي حنيفة: روى نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "البائعان بالخيار ما لم يتفرقا" قال: هذا زجر .

قلت: قتادة عن أنس: أن يهوديا رضخ رأس جارية بين حجرين فرضخ النبي صلى الله عليه وسلم رأسه بين حجرين . فقال: هذيان . [ ص: 136 ]

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي الحافظ قال: أخبرنا البرقاني قال: قرأت على محمد بن محمود المحمودي: حدثكم محمد بن علي الحافظ قال: حدثنا إسحاق بن منصور قال: أخبرنا عبد الصمد ، عن أبيه قال: ذكر لأبي حنيفة قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أفطر الحاجم والمحجوم" فقال: هذا سجع . وذكر له قول قاله عمر فقال: هذا قول شيطان .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا الخلال قال: حدثنا عبد الله بن عثمان الصفار قال: حدثنا محمد بن مخلد قال: حدثنا العباس بن محمد قال: حدثنا إبراهيم بن شماس قال: سمعت وكيعا يقول: سأل ابن المبارك أبا حنيفة عن رفع اليدين في الركوع فقال أبو حنيفة: يريد أن يطير فيرفع يديه؟

فقال له ابن المبارك: إن كان طار في الأولى فإنه يطير في الثانية . فسكت أبو حنيفة .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا محمد بن الحسين بن محمد المتوثي قال: أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق قال: أخبرنا أحمد بن بشر المرثدي قال: أخبرنا رجاء بن السندي قال: سمعت بشر بن السري يقول: سمعت أبا عوانة يقول: كنت جالسا عند أبي حنيفة فأتاه رسول من قبل السلطان فقال: يقول الأمير: رجل سرق وديا ، فما ترى؟ فقال - غير متتعتع - إن كانت قيمته عشرة دراهم فاقطعوه . فذهب الرجل ، فقلت لأبي حنيفة: ألا تتقي الله؟ حدثني يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حيان ، عن رافع بن خديج: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا [ ص: 137 ] قطع في ثمر ولا كثر" أدرك الرجل فإنه يقطع . فقال - غير متتعتع - ذاك حكم قد مضى فانتهى ، وقد قطع الرجل .

أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: حدثنا ابن دوما قال: أخبرنا ابن أسلم قال: حدثنا الأبار قال: حدثنا محمد بن عجلان ، عن مؤمل قال: سمعت حماد بن سلمة يقول: أبو حنيفة يستقبل السنة يردها برأيه .

أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال: أخبرنا البرقاني قال: قرأت على أبي حفص بن الزيات قال: حدثكم عمر بن محمد الكاغدي قال: حدثنا أبو السائب قال: سمعت وكيعا يقول: وجدنا أبا حنيفة خالف مائتي حديث .

أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا القاضي أبو القاسم عبد الواحد بن محمد بن عثمان البجلي قال: حدثنا عمر بن محمد بن عمر بن الفياض قال: أخبرنا أبو طلحة أحمد بن محمد بن عبد الكريم قال: حدثنا عبد الله بن حسن قال: حدثنا أبو صالح الفراء قال: سمعت يوسف بن أسباط يقول: رد أبو حنيفة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة حديث أو أكثر . فقلت له: يا أبا محمد ، تعرفها؟ قال: نعم .

قلت: أخبرني بشيء . فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "للفرس سهمان وللراجل سهم" قال أبو حنيفة: أنا لا أجعل سهم بهيمة أكثر من سهم المؤمن .

وأشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه البدن ، وقال أبو حنيفة: الإشعار مثلة .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا" وقال أبو حنيفة: إذا وجب البيع فلا خيار .

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرع بين نسائه إذا أراد أن يخرج في سفر وأقرع أصحابه .

وقال أبو حنيفة: القرعة قمار . [ ص: 138 ]

وقال أبو حنيفة: لو أدركني النبي صلى الله عليه وسلم وأدركته لأخذ بكثير من قولي ، وهل الدين إلا الرأي الحسن .

قال بعض العلماء: العجب من أبي حنيفة ، كيف يقول: وهل الدين إلا الرأي ، وهل يعلم أن كثيرا من التكاليف لا يهتدي إليها القياس ، ولهذا يأخذ هو بالحديث الضعيف ويترك القياس .

التالي السابق


الخدمات العلمية