صفحة جزء
ثم دخلت سنة إحدى وستين ومائة

فمن الحوادث فيها:

خروج حكيم المقنع بخراسان من قرية من قرى مرو ، وكان فيما ذكر يقول بتناسخ الأرواح ، فاستغوى بشرا كثيرا ، وسار إلى ما وراء النهر ، فوجه المهدي لقتاله عدة من قواده ، فيهم معاذ بن سالم وهو يومئذ على خراسان ، ومعه عقبة بن سالم ، وجبرئيل بن يحيى ، وليث مولى المهدي ، ثم أفرد المهدي لمحاربته سعيدا الحرشي ، وضم إليه هؤلاء القواد ، فابتدأ المقنع يجمع الطعام في قلعة بكش عدة للحصار .

وفيها: ظفر بشر بن محمد بن الأشعث الخزاعي بعبد الله بن مروان بالشام ، فقدم به على المهدي ولم يعرض له .

وفيها: غزا الصائفة ثمامة بن الوليد ، وخرج إلى الروم ، وأصيب من المسلمين عدة .

وفيها: أمر المهدي ببناء القصور بطريق مكة أوسع من القصور التي كان أبو العباس بناها من القادسية إلى زبالة ، وأمر بالزيادة في قصور أبي العباس ، وترك منازل أبي جعفر التي كان بناها على حالها ، وأمر باتخاذ المصانع في كل منهل ، وبتجديد الأميال والبرد ، وحفر الركايا مع المصانع ، وولى ذلك يقطين بن موسى ، فلم يزل ذلك إليه إلى سنة إحدى وسبعين ومائة ، وكان خليفة يقطين في ذلك أخوه أبو موسى . [ ص: 248 ]

وفيها: أمر المهدي بالزيادة في المسجد الحرام ومسجد المدينة ومسجد الجامع بالبصرة ، فزيد في مقدمته مما يلي القبلة ، وعن يمينه مما يلي رحبة بني سليم ، وولى ذلك محمد بن سليمان ، وهو يومئذ والي البصرة .

وفيها: أمر المهدي بنزع المقاصير ، وتقصير المنابر وتصييرها إلى المقدار الذي عليه منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم [اليوم] ، وكتب بذلك إلى الآفاق فعمل به .

وفيها: أمر المهدي يعقوب بن داود بتوجيه الأمناء في جميع الآفاق ففعل ، وكان لا ينفذ للمهدي كتاب إلى عامل فيجوز حتى يكتب يعقوب إلى ثقته وأمينه بإنفاذ ذلك .

وفيها: اتضعت منزلة أبي عبيد الله وزير المهدي ، وسبب ذلك أن الموالي كانوا يشنعون عليه عند المهدي ويحرضونه عليه ، ولما رأى أبو عبيد الله غلبة الموالي على المهدي ، وخلوتهم به ، ضم إلى المهدي رجالا من قبائل شتى من أهل الأدب والعلم وكانوا في صحابته ، ولم يكونوا ليدعوا الموالي يخلون به ، ولما تولى الربيع أمر البيعة للمهدي وقدم على أبي عبيدة ، فلم يتحرك له ولم يكرمه ولم يسأله كيف كان أمر البيعة ، فابتدأ الربيع يحدثه ، فقال: قد بلغنا نبأكم ، فخرج الربيع مجتهدا في أذى أبي عبيد الله ، فاتهم ابنه محمدا ببعض حرم المهدي ، حتى استحكمت الظنة عند المهدي بمحمد بن أبي عبيد الله ، فأمر فأحضر ، فقال: يا محمد ، اقرأ ، فاستعجمت عليه القراءة ، فقال: يا معاوية ، ألم تعلمني أن ابنك جامع للقرآن ، فقال: بلى ، ولكن فارقني منذ سنين فنسي ، فقال: قم فتقرب إلى الله تعالى بدمه . فذهب يقوم فوقع ، فقال العباس بن محمد: إن رأيت يا أمير المؤمنين أن تعفي الشيخ ، ففعل ، وأمر به فضربت عنقه ، ثم اتهم المهدي أبا عبيد الله في نفسه فقال له الربيع ، قتلت ابنه وليس ينبغي أن [ ص: 249 ] يوثق به ، فأوحش المهدي منه واشتفى الربيع .

وروى القاسم بن الربيع قال: دخل الربيع على المهدي وأبو عبيد الله يعرض عليه كتبا ، فقال له أبو عبيد الله: مر هذا أن يتنحى - يعني الربيع - فقال له: تنح ، قال: لا أفعل قال: كأنك تراني بالعين الأولى ، قال: لا بل أراك بالعين التي أنت بها ، قال: فلم لا تتنحى إذ أمرتك ، قال: أنت ركن الإسلام ، وقد قتلت ابن هذا ، فلا آمن أن يكون معه حديدة يغتالك بها ، فقام المهدي مذعورا وأمر بتفتيشه فوجد بين جوربه وخفه سكينا ، فردت الأمور كلها إلى الربيع ، وعزل أبو عبيد الله ، وولي يعقوب بن داود مكانه ، وكان بلغ المهدي من قبل الربيع أن ابن أبي عبيد الله زنديق ، فأتي به ، فأقر بذلك ، فاستتيب فلم يتب ، فقتله وصلبه على باب أبي عبيد الله .

أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي ، عن أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي ، عن أبيه قال: حدثني أبو الحسين علي بن هشام قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد الكاتب المعروف بابن أبي عمر قال: حدثنا محمد بن محمد العتابي قال: حدثنا خالي أبو محمد قال: سمعت إبراهيم بن العباسي الصوفي يقول: حدثت عن المأمون ، عن الرشيد أنه سمع المهدي يقول: بعد زوال أبي عبيد الله عن الوزارة ، وتفويض الأمر إلى يعقوب بن داود ، ما رأيت أحزم ولا أفهم ولا أعف ولا أكفأ من أبي عبيد الله ، ولقد كنت أحبه وأجريه مجرى الوالد ، ومذ خدمني اجتهدت أن يدعوني إلى داره فيمتنع ويزعم أنه لا تتسع همته ولا نعمته لذلك فاعتل ، فكتب إلي باستعلاله ، وأنه على الركوب إلي عازم بعد يوم أو يومين ، فسابقته فركبت إليه وقلت: قد كنت أجتهد بك أن تدعوني فتأبى ، وقد جئتك جامعا للعيادة والتهنئة بالعافية والدعوة ، فقال: والله يا أمير المؤمنين:

ما لي طعام ولا غلمان ولا زي يصلح لدعوتك ، فقلت: قد فرغت لك من ذلك وتقدمت إلى غلماني بحمل الآلات والطعام ، وإنما أردت تشريفك والأنس بك ، وجاء الغلمان بالآلات وجلسنا فأكلنا وجعل يتحفني بالفاخر من الفرش والآنية والآلات التي في بيته هدية لي ، فأخذت أحسنها فازداد ابتهاجا ، فلما أردت الانصراف قال لي: أريد أن أبكي [ ص: 250 ] وأنا أتطير أن أبكي بعد انصراف أمير المؤمنين ، وأنا أستأذن في البكاء بحضرته ، وانحدرت دموعه بعد عقيب الكلام ، وبكى بكاء شديدا ، فقلت: يا هذا ، أنا أعلم فيك سخاء نسميه حسن تدبير ، فإن كان بك ما أهديته فهو مردود عليك . فحلف بأيمان عظيمة أنه ما بكى لذلك ، وقال: كيف أبكي على ما أسر به ، حيث جعلتني أهلا لقبوله ، قلت: فلم؟ قال: لم يبق مرتبة تنال إلا وقد نلتها وبلغتها بفضل أمير المؤمنين حتى انتهت بي الحال إلى أن يعودني أمير المؤمنين أو يهنئني بحال تورده أو يصير إلى دعوتي ، فلما كان اليوم جمع لي أمير المؤمنين ذلك ، فعلمت أني قد بلغت النهاية وأنه ليس بعدها إلا الانحطاط ، فبكيت لذلك فرققت له ، وعلمت فضله ، وقلت له: أما في أيامي فأنت آمن من ذاك ، واعتقدت أن لا أنكبه ، فلما رأى الربيع منزلته حسده ، فجد في السعاية إلي به ، والفساد بيننا ، والحيلة عليه ، إلى أن جرى في أمر ابنه وإقراره بالزندقة ما لم يسع معه إلا أن يقتل فقتله ، وخفت أن يكون قد استوحش لذلك ، فلم آمنه على نفسي ، فاحتجت إلى صرفه فصرفته ، وكان الأمر على ظنه من النقصان بعد التناهي .

وفيها : غزا الغمر بن العباس الخثعمي في البحر .

وفيها: ولي نصر بن محمد بن الأشعث السند مكان روح بن حاتم ، وشخص إليها ، ثم عزل وولي مكانه محمد بن سليمان ، فوجه إليها عبد الملك بن شهاب المسمعي ، وأبا نصر بن محمد على السند ، فرجع إلى عمله ، وإنما أقام بها عبد الملك ثمانية عشر يوما ورجع إلى البصرة .

وفيها استقضى المهدي عافية بن يزيد الأزدي ، فكان هو وابن علاثة يقضيان في عسكر المهدي بالرصافة ، وكان القاضي بالمدينة الشرقية عمر بن حبيب العدوي .

وفيها: عزل الفضل بن صالح عن الجزيرة واستعمل عليها عبد الصمد بن علي ، [ ص: 251 ] وولي يزيد بن منصور سواد الكوفة ، وحسان الشروي الموصل ، وبسطام بن عمر أذربيجان .

وفيها: صرف أبان بن صدقة عن هارون بن المهدي إلى موسى بن المهدي ، وجعل كاتبا له ووزيرا ، وجعل مكانه مع هارون يحيى بن خالد بن برمك .

وفيها: عزل محمد بن سليمان عن مصر في ذي الحجة ، ووليها سلمة بن رجاء .

وفيها: حج بالناس موسى بن المهدي وهو في عهد أبيه ، وكان عامل مكة والطائف والمدينة جعفر بن سليمان ، وعامل اليمن علي بن سليمان ، وكان على صلاة الكوفة وأحداثها إسحاق بن الصباح الكندي . وعلى سوادها يزيد بن منصور .

التالي السابق


الخدمات العلمية