صفحة جزء
وللرشيد أشعار حسان ، منها: ما أخبرنا به عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال: أخبرنا سليمان بن أحمد الطبراني قال: أخبرنا محمد بن موسى بن حسان قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن صالح قال:

حدثنا عمي علي بن صالح قال: قال الرشيد في ثلاث جوار:


ملك الثلاث الغانيات عناني وحللن من قلبي بكل مكان [ ص: 327 ]     ما لي تطاوعني البرية كلها
وأطيعهن وهن في عصياني؟     ما ذاك إلا أن سلطان الهوى
وبه قوين أعز من سلطاني

وكان الرشيد طيب النفس ، فكها يحب المزح .

أخبرنا المبارك بن علي الصيرفي قال: أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله الخبرية قالت:

أخبرنا علي بن الحسين بن الفضل قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن خالد الكاتب قال:

أخبرنا علي بن عبد الله بن المغيرة الجوهري قال: حدثنا أحمد بن سعيد الدمشقي قال:

حدثني الزبير بن بكار قال: حدثني علي بن صالح قال: كان مع الرشيد ابن أبي مريم المديني ، وكان مضاحكا محداثا فكها ، وكان الرشيد لا يصبر عن محادثته ، وكان قد جمع إلى ذلك [المعرفة] بأخبار العرب من أهل الحجاز ومكائد المجان ، فبلغ من خصوصيته به أنه أنزله منزلا في قصره وخلطه ببطانته وغلمانه ، فجاء ذات ليلة وهو نائم وقد طلع الفجر ، فكشف اللحاف عن ظهره ، ثم قال له: كيف أصبحت؟ فقال: يا هذا ، ما أصبحت بعد ، مر إلى عملك ، قال: ويلك ، قم إلى الصلاة قال: هذا وقت صلاة أبي الجارود ، وأنا من أصحاب أبي يوسف القاضي ، فقام ومضى وتركه نائما ، وقام الرشيد إلى الصلاة ، فجاء غلامه فقال: أمير المؤمنين ، قد قام إلى الصلاة ، فألقى عليه ثيابه ومضى نحوه ، فإذا هو يقرأ في صلاة الصبح وما لي لا أعبد الذي فطرني فقال له ابن أبي مريم: لا أدري والله ، فما تمالك أن ضحك في صلاته ، ثم التفت كالمغضب فقال: يا ابن أبي مريم ، في الصلاة أيضا؟! قال: يا هذا ، ما صنعت؟ قال:

قطعت علي الصلاة . قال: والله ما فعلت ، إنما سمعت منك كلاما غمني حين قلت وما لي لا أعبد الذي فطرني [فقلت: لا أدري] . فضحك ، وقال: إياك والقرآن والدين ، ولك ما شئت بعدها . [ ص: 328 ]

وكان الرشيد مع حبه اللهو كثير البكاء من خشية الله ، محبا للمواعظ ، وقد وعظه الفضيل [بن عياض] ، وابن السماك ، والعمري والبهلول ، وغيرهم ، وكان يتقبل الموعظة ويكثر البكاء .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا محمد بن أبي علي الأصبهاني قال: حدثنا محمد بن أحمد بن إسحاق الشاهد قال: حدثنا ابن منيع قال: حدثنا يحيى بن أيوب الواعظ - أو قال: العابد - قال: سمعت منصور بن عمار يقول: ما رأيت أغزر دمعا عند الذكر من ثلاثة: فضيل بن عياض ، وأبي عبد الرحمن الزاهد ، وهارون الرشيد ، وأتاه يوما رجل من الزهاد ، فقال: يا هارون ، اتق الله ، فأخذه فخلا به ، وقال: يا هذا أنصفني ، أنا شر أم فرعون؟ قال: بل فرعون ، قال:

فأنت خير أم موسى؟ قال: بل موسى ، قال: أفما تعلم أن الله تعالى لما بعثه وأخاه إليه قال: فقولا له قولا لينا وقد جبهتني بأغلظ الألفاظ ، فلا بأدب الله تأدبت ، ولا بأخلاق الصالحين أخذت . قال: أخطأت وأنا أستغفر الله ، فقال: غفر الله لك ، وأمر له بعشرين ألف درهم ، فأبى أن يأخذها . فهذه الأخلاق الطيبة .

وفي هذه السنة: ولد المأمون في ربيع الأول ، وولد الأمين في شوال .

وفيها: عزل الرشيد عمر بن عبد العزيز العمري عن مدينة الرسول [عليه السلام] ، وولاها إسحاق بن سليمان بن علي .

وفيها: أمر الرشيد بسهم ذوي القربى قسم في بني هاشم بالسوية .

وفيها: عزل الرشيد الثغور كلها عن الجزيرة وقنسرين ، وجعل لها حيزا واحدا ، وسميت العواصم . [ ص: 329 ]

وفيها: عمرت طرسوس على يدي أبي سليم ، فخرج الخادم التركي ونزلها الناس .

أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي قال: أنبأنا أبو الحسين بن عبد الله بن إبراهيم الزينبي قال:

حدثنا محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدثني أحمد بن زهير قال: حدثني علي بن البربري قال: حدثني أبي - وكان أول من سكن طرسوس حين بناها أبو سليم ، وكان شيخا قديما - قال: كان يغازينا من الشام ثلاثة إخوة فرسان شجعان ، وكانوا لا يخالطون العسكر ، وكانوا يسيرون وحدهم ، وينزلون كذلك ، فإذا رأوا العدو لم يقاتلوا ما كفوا ، فغزوا مرة ، فلقيهم الطاغية في جمع كثير ، فقاتلوا المسلمين فقتلوا وأسروا ، فقال بعضهم لبعض: قد ترون ما نزل بالمسلمين ، وقد وجب علينا أن نبذل أنفسنا ونقاتل فتقدموا ، وقالوا لمن بقي من المسلمين: كونوا وراء ظهورنا وخلوا بيننا وبين القتال نكفيكم إن شاء الله تعالى . فقاتلوا فقهروا الروم ، فقال ملك الروم لمن معه من البطارقة: من جاءني برجل من هؤلاء قدمته وبطرقته . فألقت الروم أنفسها عليهم فأخذوهم أسرى ، لم يصب رجلا منهم كلم ، فقال ملك الروم: لا غنيمة ولا فتح أعظم من أخذ هؤلاء . فرحل بهم حتى نزل بهم القسطنطينية ، فعرض عليهم النصرانية وقال:

إني أجعل فيكم الملك وأزواجكم بناتي . فأبوا عليه ونادوا: يا محمداه ، فقال الملك: ما يقولون؟ قالوا: يدعون نبيهم ، فقال لهم: إن أنتم أجبتموني وإلا أغليت قدورا ثلاثة فيها الزيت ، حتى إذا بلغت أناها ألقيت كل واحد منهم في قدر . فأبوا ، فأمر بثلاث قدور فنصبت ، ثم صب فيها الزيت ، ثم أمر أن يوقد تحتها ثلاثة أيام يعرضون في كل يوم على تلك القدور ، ويدعوهم إلى النصرانية ، وإلى أن يزوجهم بناته ، ويجعل الملك فيهم ، فيأبون أن يجيبوه ، وأقاموا على الإسلام ، فنادى الأكبر ، ودعاه إلى دينه فأبى ، فناشده وقال: إني ملقيك في هذه القدر . فأبى فألقاه في قدر منها ، فما هو إلا أن سقط فيها ، فارتفعت عظامه تلوح ، ثم فعل بالثاني مثل ذلك ، فلما [رأى] صبرهم على ما فعل [ ص: 330 ] بهم ، وحفظهم لدينهم ، ندم الملك وقال: فعلت هذا بقوم لم أر أشجع منهم ، فأمر بالصغير فأدني منه فجعل يفتنه عن دينه بكل أمر فيأبى ، فقام إليه علج من أعلاجه فقال:

أيها الملك ما تجعل لي إن أنا فتنته؟ قال: أبطرقك ، قال: قد رضيت ، قال: فبماذا تفتنه؟ قال: قد علم الملك أن العرب أسرع شيء إلى النساء ، وقد علمت الروم أنه ليس فيهم [امرأة] أجمل من ابنتي فلانة ، فادفعه إلي حتى أخليه معها ، فإنها ستفتنه ، قال:

فضرب الملك بينه وبين العلج أجلا أربعين يوما ، ودفعه إليه ، فجاء به فأدخله مع ابنته ، وأخبرها بالذي ضمن للملك ، وبالأجل الذي ضربه بينه وبينه ، فقالت: له: دعه ، فقد كفيتك أمره ، فأقام معها نهاره صائما ، وليله قائما ، لا يفتر من العمل ، حتى مضى أكبر الأجل ، فسأل الملك العلج: ما حال الرجل؟ فرجع إلى ابنته فقال لها: ما صنعت؟

قالت: ما صنعت شيئا هذا رجل فقد إخوته في هذه البلدة ، فأخاف أن يكون امتناعه من أجل أخويه ، كلما رأى آثارهما ، ولكن استزد الملك في الأجل ، وانقلني وإياه إلى بلد غير هذا البلد الذي قتل فيه أخواه ، فسأل العلج الملك فزاده في الأجل ، أياما ، وأذن له في خروجهما ، فأخرجهما إلى قرية أخرى ، فمكث على ذلك أياما صائم النهار ، قائم الليل ، حتى إذا بقي من الأجل أيام قالت له الجارية ليلة من الليالي: يا هذا ، إني أراك تقدس ربا عظيما ، وإني قد دخلت معك في دينك ، وتركت دين آبائي فلم يثق بذلك منها ، حتى أعادت عليه مرارا ، فقال لها: فكيف الحيلة في الهرب والنجاة مما نحن فيه؟

فقالت له: أنا أحتال لك وجاءته بدواب وقالت له: قم بنا نهرب إلى بلادك ، فركبا ، فكانا يسيران الليل ويكمنان النهار ، وطلبا فخفيا ، فبينما هما يسيران ذات ليلة سمع وقع حوافر خيل ، فقالت له الجارية: أيها الرجل ، ادع ربك الذي صدقته وآمنت به أن يخصلنا من عدونا ، فإذا هو بأخويه ومعهما ملائكة رسل إليه ، فسلم عليهما وسألهما عن حالهما ، فقالا له: ما كانت إلا الغطسة التي رأيت حتى خرجنا في الفردوس ، وإن الله أرسلنا إليك لنشهد تزويجك بهذه الفتاة . فزوجوه إياها ورجعوا ، وخرج إلى بلاد الشام ، فأقام معها ، وكانا مشهورين بذلك ، معروفين بالشام في الزمن الأول . وقد قيل فيهما من الشعر ما أنسيته غير هذا البيت: [ ص: 331 ]


سنعطي الصادقين بفضل صدق     نجاة في الحياة وفي الممات

وفي هذه السنة: حج بالناس الرشيد من مدينة السلام ، فأعطى أهل الحرمين عطاء كثيرا ، وقسم مالا جزيلا .

وغزا الصائفة سليمان بن عبد الله الركابي .

وكان العامل على مكة والطائف عبد الله بن قثم ، وعلى المدينة إسحاق بن سليمان الهاشمي ، وعلى الكوفة موسى بن عيسى وخليفته عليها ابنه العباس بن موسى ، وعلى البصرة والبحرين وعمان واليمامة وكور الأهواز وفارس محمد بن سليمان بن علي بن محمد بن عبد الله بن عباس .

التالي السابق


الخدمات العلمية