صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

949 - إبراهيم بن صالح بن عبد الله بن عباس .

كان أمير مصر ، حكى عنه ابن وهب ، وتوفي في شعبان هذه السنة .

950 - إبراهيم [بن علي ] بن سلمة بن علي بن هرمة ، أبو إسحاق الفهري المديني .

شاعر مفلق ، فصيح مسهب مجيد ، أدرك دولة الأمويين والهاشميين ، وكان ممن اشتهر بالانقطاع للطالبيين .

أخبرنا أبو منصور القزاز ، [أخبرنا الخطيب ، أخبرنا الأزهري ، أخبرنا أحمد بن إبراهيم ، أخبرنا ] إبراهيم بن عرفة قال : تحول المنصور إلى مدينة السلام ، ثم كتب إلى أهل المدينة أن يوفدوا عليه خطباءهم وشعراءهم ، فكان ممن وفد عليه إبراهيم بن هرمة ، قال : فلم يكن في الدنيا خطبة أبغض إلي من خطبة تقربني منه ، واجتمع الخطباء والشعراء من كل مدينة ، وعلى المنصور ستر يرى الناس من ورائه ولا يرونه ، وأبو الخصيب حاجبه قائم يقول : يا أمير المؤمنين ، هذا فلان الشاعر فيقول : أنشد ، حتى كنت آخر من بقي . فقال : يا أمير المؤمنين ، هذا إبراهيم بن هرمة ، فسمعته يقول : لا مرحبا ولا أهلا ، ولا أنعم الله به عيشا ، فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ذهبت والله نفسي ثم رجعت إلى نفسي ، فقلت : يا نفس هذا موقف إن لم تشتدي فيه هلكت ، فقال أبو الخصيب : أنشد . فأنشدته :


سرى ثوبه عنك الصبى المتخايل وقرب للبين الخليط المزايل





[ ص: 22 ] حتى انتهيت إلى قولي :


فأما الذي أمنته يأمن الردى     وأما الذي حاولت بالثكل ثاكل



فقال : يا غلام ، ارفع عني الستر فرفع ، فإذا وجهه كأنه فلقة قمر ، ثم قال : تمم القصيدة . فلما فرغت قال : ادن . فدنوت ، ثم قال : اجلس ، فجلست ، وبين يديه مخصرة فقال : يا إبراهيم ، قد بلغني عنك أشياء لولاها لفضلتك على نظرائك ، فأقر لي بذنوبك أعفها عنك . فقلت : هذا رجل فقيه عالم ، وإنما يريد أن يقتلني بحجة تجب علي فقلت : يا أمير المؤمنين ، كل ذنب بلغك مما عفوته عني فأنا مقر به .

فتناول المخصرة فضربني بها ، فقلت :


أصبر من ذي ضاغط عركرك     ألقى بواني زوره للمبرك



ثم ثنى فضربني ، فقلت :


أصبر من عود بجنبيه جلب     قد أثر البطان فيه والحقب



فقال : قد أمرت لك بعشرة آلاف درهم ، وألحقتك بنظرائك من طريح بن إسماعيل ، ورؤبة بن العجاج ولئن بلغني عنك أمر أكرهه لأقتلنك . قلت : نعم ، وأنت في حل [وسعة ] من دمي إن بلغك أمر تكرهه . قال ابن هرمة : فأتيت المدينة . فأتاني رجل من الطالبيين ، فسلم علي فقلت : تنح عني لا تشيط بدمي .

أخبرنا القزاز قال : أخبرنا أحمد [بن علي ] الخطيب ، قال : أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن المخزومي ، حدثنا أبو بكر الصولي ، حدثنا محمد بن زكريا [ ص: 23 ] الغلابي ، عن أحمد بن عيسى وذكر ابن هرمة قال - وكان متصلا بنا - وهو القائل فينا :


ومهما ألام على حبهم     فإني أحب بني فاطمه
بني بنت من جاء بالمحكما     ت وبالدين والسنة القائمه
فلست أبالي بحبي لهم     سواهم من النعم السائمه



فقيل له في دولة بني العباس : ألست القائل كذا . وأنشده هذه الأبيات ، فقال :

أعض الله قائلها بهن أمه ، فقال له من يثق به : ألست قائلها ؟ قال : بلى ، ولكن أعض بهن أمي خير من أن أقتل .

أخبرنا القزاز قال : أخبرنا الخطيب قال : [حدثنا أبو جعفر محمد بن علان الوراق ، حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن حماد قال : حدثنا هاشم بن محمد بن هارون الخزاعي ، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن قريب ] ابن أخي الأصمعي ، عن عمه قال : قال لي رجل من أهل الشام : قدمت المدينة فقصدت منزل إبراهيم بن هرمة ، فإذا بنية له صغيرة تلعب بالطين ، فقلت لها : ما فعل أبوك ؟ قالت : وفد إلى بعض الأجواد ، فما لنا به علم منذ مدة . فقلت : انحري لنا ناقة ، فإنا أضيافك . قالت : والله ما عندنا ناقة . قلت : فشاة . قالت : والله ما عندنا . قلت : فدجاجة ، قالت : والله ما عندنا .

قلت : فأعطينا بيضة . قالت : والله ما عندنا . قلت : فباطل ما قال أبوك :


كم ناقة قد وجأت منحرها     بمستهل الشؤبوب أو جمل



[ ص: 24 ] قالت : فذلك الفعل من أبي هو الذي أصارنا إلى أن ليس عندنا شيء .

قال الأخفش : قال لنا ثعلب مرة : إن الأصمعي قال : ختم الشعر بإبراهيم بن هرمة ، وهو آخر الحجج .

951 - الجراح بن مليح بن عدي ، أبو وكيع .

ولد بالسند ، حدث عن أبي إسحاق السبيعي ، والأعمش . وولي بيت المال ببغداد في زمان الرشيد . وثقه يحيى بن معين ، ويعقوب بن سفيان ، وقال محمد بن سعد : كان ضعيفا في الحديث ، قال الدارقطني : ليس [بشيء ] .

توفي في هذه السنة .

952 - سعيد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن جميل ، أبو عبد الله المديني .

ولي القضاء ببغداد في عسكر المهدي ، وزمن هارون الرشيد ، وولي سبع عشرة سنة ، وحدث عن هشام بن عروة ، وسهل بن أبي صالح . قال يحيى : هو ثقة .

توفي ببغداد في هذه السنة .

953 - صالح بن بشير ، أبو بشر القارئ ، المعروف بالمري .

من أهل البصرة ، كان مملوكا لامرأة من بني مرة بن الحارث ، حدث عن الحسن ، [ ص: 25 ] وابن سيرين ، وبكر بن عبد الله ، وثابت ، روى عنه : عفان ، وغيره . وكان عبدا صالحا ، كثير الخوف ، شديد البكاء ، وكان يذكر ويعظ ، فحضر مجلسه سفيان الثوري فقال : هذا نذير قوم .

[قال المؤلف : ] وقد ضعفه بعض المحدثين ، والذي نراه أنه كان يخلط فيما يروي ، ولا يتعمد الخطأ .

[أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي قال أخبرنا السكري ] قال : أخبرنا محمد بن عبد الله الشافعي قال : حدثنا جعفر بن محمد [بن ] الأزهر قال : حدثنا [ابن ] الغلابي قال : حدثنا شيخ من الكتاب : أن صالحا المري [لما ] أرسل إليه المهدي ، قدم عليه ، فلما دخل عليه ودنا بحماره من بساط المهدي أمر ابنيه - وهما وليا عهده - موسى وهارون ، فقال : قوما فأنزلا عمكما . فلما أقبلا إليه أقبل صالح على نفسه ، فقال : يا صالح [لقد ] خبت وخسرت ، إن كنت إنما عملت لهذا اليوم .

أخبرنا عبد الرحمن قال : أخبرنا أحمد بن [علي ] الخطيب قال : أخبرني علي [ابن أيوب قال ] : حدثنا محمد بن عمران بن موسى قال : حدثنا محمد بن أحمد الكاتب قال : حدثنا الحسين بن فهم قال : حدثني أبو همام قال : حدثني أبو نعيم بن أعين قال : قال صالح المري : دخلت على المهدي فقلت : يا أمير المؤمنين ، احمل لله ما أكلمك به اليوم ، فإن أولى الناس بالله أحملهم لغلظة النصيحة فيه ، وجدير بمن له [قرابة ] برسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرث أخلاقه ، ويأتم بهداه وقد ورثك الله من فهم العلم [ ص: 26 ] ميراثا قطع به عذرك ، اعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خصم من خالفه في أمته ، ومن كان محمد خصمه كان الله خصمه ، فاعتد لمخاصمة الله ، ومخاصمة رسوله حججا تضمن لك النجاة ، أو استسلم للهلكة ، واعلم أن أبطأ الصرعى نهضة صريع هوى يدعيه إلى الله قربة ، وإن أثبت الناس قدما يوم القيامة آخذهم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فمثلك لا يكاثر بتجريد المعصية ، ولكن تتمثل لك الإساءة إحسانا ، ويشهد لك عليها خونة العلماء ، وبهذه الحبالة تصيدت الدنيا نظراءك ، فأحسن الحلم فقد أحسنت إليك الأداء قال : فبكى المهدي .

قال أبو همام : فأخبرني بعض الكتاب أنه رأى هذا الكلام مكتوبا في دواوين المهدي .

954 - عبد الملك [بن محمد ] بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري .

مديني قدم واليا على قضائها من قبل الهادي ، وكان عالما بمذاهب أهل المدينة ، روى عنه : المفضل بن فضالة [وغيره ] ، وتوفي [ بالعراق ] في هذه السنة .

955 - الفرج بن فضالة بن النعمان بن نعيم ، أبو فضالة الحمصي التنوخي [من أنفسهم ] .

سكن بغداد ، وكان على بيت المال بها في [أول ] خلافة الرشيد . حدث عن [ ص: 27 ] يحيى بن سعيد الأنصاري ، وهشام بن عروة ، وغيرهما . روى عنه : علي بن الجعد وسريج بن يونس .

وذكر رجل من ولده أنه ولد في خلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان في غزوة مسلمة الطوانة جاء الخبر بولادته [يوم فتحت الطوانة ، فأعلم أبوه مسلمة ] فقال مسلمة : ما سميته ؟ قال : سميته الفرج لما فرج الله عنا في هذا اليوم بالفتح . فقال مسلمة [لفضالة : ] أصبت وكان أصاب المسلمين على الطوانة شدة شديدة . وذلك في سنة ثمان وثمانين .

أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد ] قال : أخبرنا أحمد [بن علي بن ثابت ] الخطيب قال : أخبرنا أبو منصور محمد بن عيسى بن عبد العزيز قال : حدثنا علي بن محمد بن الحسن القزويني قال : سمعت بعض أصحابنا يقول : أقبل المنصور يوما راكبا والفرج بن فضالة جالس عند باب الذهب ، فقام الناس ، فدخل من الباب ولم يقم له الفرج فاستشاط غضبا ، ودعا به فقال : ما منعك من القيام حين رأيتني ؟ قال : خفت أن يسألني الله عنه لم فعلت ، ويسألك لم رضيت ، وقد كرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فبكى المنصور وقربه وقضى حوائجه .

توفي الفرج في هذه السنة وقيل : في سنة سبع وسبعين ، وقد وثقه بعض المحدثين وضعفه بعضهم .

[ ص: 28 ] 956 - المسيب بن زهير بن عمرو ، أبو مسلم الضبي .

ولد في خلافة عمر بن عبد العزيز ، وكان من رجالات الدولة العباسية ، وولي شرطة بغداد في أيام المنصور ، والمهدي ، والرشيد ، وقد كان تولى خراسان أيام المهدي ، وتوفي في هذه السنة وهو ابن ست وسبعين سنة .

957 - الوضاح أبو عوانة ، مولى يزيد بن عطاء الواسطي .

وقال البخاري : يزيد بن عطاء ، ويزيد مولى [بني ] يشكر ، وكان من سبي جرجان ، رأى الحسن ، وابن سيرين ، وسمع من محمد بن المنكدر ، وقتادة ، ومنصور بن المعتمر والأعمش ، روى عنه : شعبة ، وابن علية ، وابن مهدي ، وكان أمينا ثبتا [ثقة ] صدوقا .

أخبرنا أبو منصور القزاز قال : أخبرنا [ أبو بكر ] أحمد [بن علي بن ثابت ] ، الخطيب ، قال : أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال : حدثنا محمد بن جعفر بن أحمد بن الليث الواسطي قال : حدثنا أسلم بن سهل قال : حدثنا أحمد بن محمد بن أبان قال : سمعت أبي يقول :

اشترى عطاء بن يزيد أبا عوانة ليكون مع أبيه يزيد ، وكان لأبي عوانة صديق قاص ، وكان أبو عوانة يحسن إليه ، فقال القاص : ما أدري بأي شيء أكافئه ، فكان بعد ذلك لا يجلس مجلسا إلا قال لمن حضره : أدعو الله لعطاء البزار ، فإنه أعتق أبا عوانة . فكان قل مجلس إلا ذهب إلى عطاء من يشكره ، فلما كثر عليه ذلك أعتقه .

توفي أبو عوانة في هذه السنة . وقيل : في سنة خمس ، وله اثنتان وثلاثون سنة .

[ ص: 29 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية