صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

958 - شريك بن عبد الله ، أبو عبد الله النخعي الكوفي ، القاضي .

أدرك عمر بن عبد الرحمن ، وسمع أبا إسحاق السبيعي ، ومنصور بن المعتمر ، [ ص: 30 ] وعبد الملك بن عمير ، وسماك بن حرب ، وسلمة بن كهيل ، وحبيب بن أبي ثابت ، والأعمش وخلقا كثيرا . روى عنه : ابن المبارك ، ووكيع ، وابن مهدي ، وغيرهم . وهو من كبار العلماء الثقات ، إلا أن قوما قدحوا في حفظه .

أخبرنا [ أبو منصور ] القزاز ، قال : أخبرنا [ أبو بكر أحمد بن علي ] الخطيب قال : أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي قال : أخبرنا محمد بن جعفر التميمي قال : أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد قال : أخبرنا وكيع قال : أخبرني إبراهيم بن عثمان قال : حدثنا أبو خالد يزيد بن يحيى بن يزيد قال : حدثني أبي قال : مر شريك القاضي بالمستنير بن عمرو النخعي فجلس إليه فقال : أبا عبد الله ، من أدبك ؟ قال : أدبتني نفسي ، والله ولدت ببخارى فحملني ابن عم لنا حتى طرحني عند بني عم لي ، فكنت أجلس إلى معلم لهم فعلق بقلبي تعلم القرآن ، فجئت إلى شيخهم فقلت : يا عماه ، الذي كنت تجريه علي هنا أجره علي بالكوفة أعرف بها السنة وقومي ، ففعل ، فكنت بالكوفة أضرب اللبن وأبيعه وأشتري دفاتر وطروسا ، فأكتب فيها العلم والحديث ، ثم طلبت الفقه فبلغت ما ترى فقال المستنير لولده : سمعتم قول [ابن ] عمكم ، وقد أكثرت عليكم في الأدب ولا أراكم تفلحون فيه ، فليؤدب كل رجل منكم نفسه ، فمن أحسن فلها ، ومن أساء فعليها .

لما ولي القضاء اضطرب حفظه .

أخبرنا أبو منصور قال : أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال : أخبرنا أبو الفرج محمد بن عمر الجصاص قال : أخبرنا محمد بن أحمد بن الحسن الصواف قال : وجدت في كتابنا عن أبي العباس بن مسروق ما يدل حاله على السماع . قال : سمعت أبا كريب يقول : سمعت يحيى بن يمان يقول : لما ولي شريك القضاء أكره على ذلك ، وأقعد معه جماعة من الشرطة يحفظونه ، ثم طاب للشيخ [فقعد ] من نفسه ، فبلغ الثوري أنه قعد من [ ص: 31 ] نفسه ، فجاء فتراءى له ، فلما رأى الثوري قام إليه فعظمه وأكرمه ، ثم قال : يا أبا عبد الله ، هل من حاجة ؟ قال : نعم مسألة . قال : أوليس عندك من العلم ما يجزيك ؟ قال : أحببت أن أذاكرك بها . قال : قل . قال : ما تقول في امرأة جاءت فجلست على باب رجل ، ففتح الرجل الباب واحتملها ، ففجر بها [ ، لمن تحد منهما ؟ ] فقال له : دونها لأنها مغصوبة . قال : فإنه لما كان من الغد جاءت فتزينت [وتبخرت ] وجلست على ذلك الباب ، ففتح الرجل الباب فرآها فاحتملها ففجر بها ، لمن تحد منهما ؟ قال : أحدهما جميعا ، لأنها جاءت من نفسها ، وقد عرفت الخبر بالأمس . قال : أنت كان عذرك حيث كان الشرط يحفظونك ، اليوم أي عذر لك ؟ قال : يا أبا عبد الله ، أكلمك . قال : ما كان الله ليراني أكلمك أو تتوب . قال : فوثب فلم يكلمه حتى مات وكان إذا ذكره قال : أي رجل كان لو لم يفسدوه .

أخبرنا [ أبو منصور ] القزاز قال : أخبرنا [ أبو بكر بن ثابت ] الخطيب قال : أخبرنا حمزة بن محمد بن طاهر قال : أخبرنا أحمد بن إبراهيم قال : حدثنا البغوي قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا سليمان بن شيخ قال : حدثني عبد الله بن صالح بن مسلم قال : كان شريك على قضاء الكوفة فخرج يلقى الخيزران ، فبلغ شاهي وأبطأت الخيزران ، فأقام ينتظرها ثلاثا ويبس خبزه ، فجعل يبله بالماء ويأكله ، فقال العلاء بن المنهال :


فإن كان الذي قد قلت حقا بأن قد أكرهوك على القضاء     فما لك موضعا في كل يوم
تلقى من يحج من النساء



[ ص: 32 ]

مقيم في قرى شاهي ثلاثا     بلا زاد سوى كسر وماء



أخبرنا أبو منصور القزاز قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال : أخبرنا أبو الطيب الطبري قال : أخبرنا المعافى بن زكريا قال : حدثنا محمد بن مزيد الخزاعي قال : حدثنا الزبير قال : حدثني عمي ، عن عمر بن الهياج بن سعيد قال : أتته امرأة يوما - يعني شريكا - وهو في مجلس الحكم ، فقالت : إنا بالله ثم بالقاضي ، امرأة من ولد جرير بن عبد الله صاحب النبي صلى الله عليه وسلم . ورددت الكلام فقال : إيها عنك الآن من ظلمك ؟ فقالت : الأمير موسى بن عيسى ، كان لي بستان على شاطئ الفرات ، لي فيه نخل ورثته عن آبائي ، فقاسمت إخوتي وبنيت بيني وبينهم حائطا ، وجعلت فيه فارسيا في بيت يحفظ النخل ، ويقوم ببستاني ، فاشترى الأمير موسى بن عيسى من إخوتي جميعا ، وساومني وأرغبني فلم أبعه ، فلما كان في هذه الليلة بعث بخمسمائة فاعل فاقتلعوا الحائط ، فأصبحت لا أعرف من نخلي شيئا ، واختلط بنخل إخوتي ، فقال : يا غلام طينه بختم ، ثم قال لها : امضي إلى بابه حتى يحضر معك . فجاءت المرأة بالطينة فأخذها الحاجب ودخل بها إلى موسى فقال : أعدى شريك عليك ، فقال : ادع لي صاحب الشرط . فدعا به ، فقال : امض إلى شريك ، فقل يا سبحان الله ، ما رأيت أعجب من أمرك امرأة ادعت دعوى لم تصح أعديتها علي ! قال : يقول له صاحب الشرط ، إن رأى الأمير أن يعفيني فليفعل ، فقال : امض ويلك . فخرج فأمر غلمانه أن يتقدموا إلى الحبس بفراش وغيره من آلة الحبس ، فلما جاء وقف بين يدي شريك فأدى الرسالة ؟ قال : خذ بيده فضعه في الحبس . قال : قد عرفت والله إنك تفعل بي هذا ، فقدمت ما يصلحني إلى الحبس ، وبلغ موسى بن عيسى الخبر ، فوجه الحاجب إليه فقال : هذا رسول ، أي شيء عليه ؟ فلما وقف بين يديه وأدى الرسالة قال : ألحقه بصاحبه فحبس . [ ص: 33 ] فلما صلى الأمير العصر بعث إلى إسحاق بن الصباح الأشعثي وجماعة من وجوه الكوفة من أصدقاء شريك . فقال : امضوا إليه وأبلغوه سلامي ، وأعلموه أنه قد استخف بي وإني لست كالعامة ، فمضوا وهو جالس في مسجده بعد العصر ، فدخلوا عليه فأبلغوه الرسالة ، فلما انقضى كلامهم قال [لهم : ] ما لي لا أراكم جئتم في غيره من الناس فكلمتموني ؟ من ها هنا من فتيان الحي ؟ فليأخذ كل واحد منكم بيد رجل ، فيذهب به إلى الحبس لا ينم والله إلا فيه . قالوا : أجاد أنت ؟ قال : حقا حتى لا تعودوا برسالة ظالم . فحبسهم فركب موسى بن عيسى في الليل إلى باب الحبس ، فأطلقهم جميعا . فلما كان من الغد وجلس شريك للقضاء ، جاء السجان فأخبره فدعا بالقمطر فختمه ، ووجه به إلى منزله ، ثم قال لغلامه ألحقني بثقلي إلى بغداد ، فوالله ما طلبنا هذا الأمر منهم ، ولكن أكرهونا عليه ، ولقد ضمنوا لنا الإعزاز فيه إذ [قد ] تقلدناه لهم ، ومضى نحو قنطرة الكوفة إلى بغداد .

وبلغ موسى بن عيسى الخبر ، فركب في موكبه فلحقه وجعل يناشده الله ويقول : يا أبا عبد الله تثبت ، انظر إخوانك تحبسهم دع أعواني . قال : نعم لأنهم مشوا لك في أمر لم يجب عليهم المشي فيه ، ولست ببارح أو يردوا جميعا إلى الحبس وإلا مضيت إلى أمير المؤمنين فاستعفيته مما قلدني . فأمر بردهم جميعا إلى الحبس ، وهو والله واقف مكانه حتى جاءه السجان فقال له : قد رجعوا إلى الحبس . فقال لأعوانه : خذوا بلجامه ، فردوه بين يدي إلى مجلس الحكم فمروا به بين يديه حتى أدخل المسجد وجلس مجلس القضاء ، ثم قال : علي بالجويرية المتظلمة [من هذا ] فجاءت فقال : هذا خصمك قد حضر ، وهو جالس معها بين يديه ، فقال : أولئك يخرجون من الحبس [ ص: 34 ] قبل كل شيء . قال : أما الآن فنعم ، أخرجوهم . ثم قال له : ما تقول فيما تدعيه هذه [المرأة ؟ ] قال : صدقت . قال : فرد جميع ما أخذ منها وتبني حائطها في وقت واحد سريعا كما هدم . قال : أفعل . قال : بقي لك شيء . قال : تقول المرأة بيت الفارسي ومتاعه . قال : يقول موسى بن عيسى : ونرد ذلك [جميعه ] ، بقي لك شيء تدعينه ؟ قالت : لا ، وجزاك الله خيرا . قال : قومي ، ثم وثب من مجلسه ، فأخذ بيد موسى بن عيسى ، فأجلسه في مجلسه ، ثم قال : السلام عليك أيها الأمير تأمر بشيء ؟ قال : أي شيء آمر ؟ ! وضحك .

أخبرنا القزاز قال أخبرنا [ أحمد بن علي ] الخطيب قال : أخبرنا العتيقي قال : أخبرنا محمد بن العباس قال : حدثنا محمد بن خلف قال : أخبرني أحمد بن عثمان بن حكيم قال : أخبرني أبي قال : كان شريك القاضي لا يجلس حتى يتغدى ثم يأتي المسجد فيصلي ركعتين ، ثم يخرج رقعة من قمطرة فينظر فيها ، ثم يدعو بالخصوم ، وإنما كان يقدمهم الأول فالأول ، فقيل لابن شريك : نحب أن نعلم ما في هذه الرقعة ؟ فنظر فيها ثم أخرجها إلينا ، فإذا فيها : يا شريك بن عبد الله [اذكر الصراط وحدته ، يا شريك بن عبد الله ] اذكر الموقف بين يدي الله تعالى .

توفي شريك بالكوفة يوم السبت غرة ذي القعدة من هذه السنة رحمه الله تعالى .

[ ص: 35 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية