صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

965 - إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير ، أبو إبراهيم الأنصاري .

مولى بني زريق ،
قارئ مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سمع عبد الله بن دينار ، وشريك بن عبد الله ، ومالك بن أنس ، وغيرهم . وكان ثقة مأمونا . فأقام ببغداد يؤدب علي بن المهدي إلى أن توفي في هذه السنة .

[ ص: 49 ] 966 - علي بن المهدي ، أبو محمد الهاشمي ، وأمه ريطة بنت أبي العباس .

تولى أمور الحج وإمارة الموسم غير مرة .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي ، أنبأنا إبراهيم بن مخلد قال : أخبرنا إسماعيل بن علي الخطبي قال : توفي أبو محمد علي ابن أمير المؤمنين المهدي في المحرم من سنة ثمانين ومائة في بستانه بعيساباذ ، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ، لأن مولده بالري سنة سبع وأربعين ومائة وهو أسن من أخيه الرشيد بشهور .

967 - حسان بن سنان بن أوفى بن عوف ، أبو العلاء التنوخي الأنباري .

ولد سنة ستين من الهجرة على النصرانية ، وكانت دينه ودين آبائه ثم أسلم ، وحسن إسلامه ، وكان يكتب بالعربية والفارسية والسريانية ، ولحق الدولتين ، فلما قلد السفاح ربيعة الرأي القضاء بالأنبار أتى مكتوب بالفارسية ، فلم يحسن أن يقرأه ، فطلب رجلا ثقة دينا يحسن قراءته ، فدل على حسان فجاء به ، فكان يقرأ له الكتب بالفارسية ، فلما اختبره ورضي مذاهبه استكتبه ، وكان جد إسحاق البهلول ، وسمع أنس بن مالك ، ودعا له ، فخرج من أولاده جماعة : فقهاء ، وقضاة ، ورؤساء ، وصلحاء ، وكتاب ، وزهاد . وروى عنه : ابن أبي إسحاق .

وتوفي في هذه السنة ، وهو ابن مائة وعشرين سنة .

968 - سلمة بن صالح ، أبو إسحاق الجعفي الأحمر الكوفي .

حدث عن أبي إسحاق ، وحماد بن أبي سليمان . روى عنه : أحمد بن منيع ، وكان قد ولي القضاء بواسط في زمن الرشيد ثم عزل وقدم بغداد فأقام بها إلى أن مات .

[ ص: 50 ] وكان سبب عزله عن واسط : أن هشيم بن بشير تقدم مع خصم له إليه ، فكلم الخصم هشيما بكلمة ، فرفع هشيم يده ، فلطم الخصم ، فأمر سلمة بهشيم فضرب عشر درر وقال : تتعدى على خصمك بحضرتي ؟ فأغضب ذلك مشيخة واسط ، فخرجوا إلى الرشيد ، فلقوه بمكة يطوف ، فكلموه في سلمة وقالوا : لسنا نطعن عليه ، ولكن رجل موضع رجل . فأمر بعزله وتقليد سواه .

أخبرنا أبو منصور القزاز ، أخبرنا أبو بكر بن ثابت ، أخبرنا محمد بن عمر بن روح ، أخبرنا المعافى بن زكريا ، حدثنا طاهر بن مسلم العبدي قال : حدثني محمد بن عمران الضبي ، حدثنا محمد بن خلاس قال : لما عزل شريك عن القضاء تعلق به رجل ببغداد فقال : يا أبا عبد الله ، لي عليك ثلاثمائة درهم فأعطنيها . قال : ومن أنا ؟ قال : أنت شريك بن عبد الله ، القاضي . قال : ومن أين هي لك ؟ قال : ثمن هذا البغل الذي تحتك . قال : نعم ، تعال . فجاء يمشي معه ، حتى إذا بلغ الجسر قال : من ها هنا ؟ فقام إليه أولئك الشرط ، فقال : خذوا هذا فاحبسوه ، لئن أطلقتموه لأخبرن أبا العباس عبد الله بن مالك . فقالوا : إن هذا الرجل يتعلق بالقاضي [إذا عزل ] فيدعي عليه فيفتدي منه ، قد تعلق بسلمة الأحمر حين عزل عن واسط ، فأخذ منه أربعمائة درهم ، فقال : هكذا ؟ فكلم فيه ، فأبى أن يطلقه ، فقال له عبد الله بن مالك : إلى كم يحبس ؟ قال : إلى أن يرد على سلمة الأحمر أربعمائة درهم . قال : فرد على سلمة الأحمر أربعمائة درهم ، فجاء سلمة إلى شريك فشكر له ، فقال له : يا ضعيف كل من سألك مالك أعطيته إياه .

اضطرب على سلمة حفظه فضعفه أصحاب الحديث ، وتوفي ببغداد في هذه السنة . وقيل : في سنة ست وثمانين . وقيل : سنة ثمان وثمانين .

969 - الضحاك بن عثمان بن عبد الله بن خالد بن حزام .

كان علامة قريش بالمدينة بأخبارها ، وأشعارها ، وأيامها ، وأيام العرب وأشعارها ، [ ص: 51 ] وأيامها . وكان من أكبر أصحاب مالك بن أنس هو وأبوه ، ولما استعمل عبد الله بن مصعب بن ثابت على اليمن وجه الضحاك خليفة له عليها ، وفرض له كل سنة ألف دينار ، وكلم له الخليفة فأعطاه أربعين ألف درهم ، وكان محمود السيرة .

وتوفي بمكة عند منصرفه من اليمن يوم التروية من هذه السنة .

970 - عباد بن عباد بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة ، أبو معاوية البصري .

سمع هشام بن عروة . وروى عنه : أحمد بن حنبل ، وأبو عبيد ، وكان ثقة صدوقا ، غزير العقل ، ذا هيئة حسنة .

وتوفي في هذه السنة . وقيل : سنة إحدى وثمانين .

971 - عبد الوارث بن سعيد ، أبو عبيدة التميمي ، مولى بني العنبر .

شهد له شعبة بالإتقان . وتوفي في هذه السنة .

972 - عافية بن يزيد بن قيس القاضي .

ولاه المهدي القضاء ببغداد في الجانب الشرقي ، وحدث عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، والأعمش ، وغيرهما . وكان من أصحاب أبي حنيفة الذين يجالسونه ، فكان أصحابه يخوضون في مسألة فإن لم يحضر عافية قال أبو حنيفة : لا ترفعوا المسألة حتى يحضر عافية ، فإذا حضر ، فإن وافقهم قال أبو حنيفة : أثبتوها ، وإن لم يوافقهم قال أبو حنيفة : لا تثبتوها .

وكان عافية هو وابن علاثة فكانا يقضيان في عسكر المهدي في جامع الرصافة ، هذا في أدناه وهذا في أعلاه .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال : أخبرنا [ ص: 52 ] علي بن المحسن القاضي قال : أخبرنا أبي قال : حدثنا أبو الحسين علي بن هشام الكاتب قال : حدثنا أبو عبد الله أحمد بن سعد مولى بني هاشم قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ، عن أشياخه قال : كان عافية القاضي يتقلد للمهدي القضاء ، وكان عافية عالما زاهدا ، فصار إلى المهدي في وقت الظهر في يوم من الأيام وهو خال ، فاستأذن عليه فأدخله ، فإذا معه قمطرة فاستعفاه من القضاء واستأذنه في تسليم القمطر إلى من يأمر بذلك ، فظن أن بعض الولاة قد غض منه ، أو أضعف يده في الحكم ، فقال له في ذلك ، فقال له : ما جرى من هذا شيء ، قال : فما كان سبب استعفائك ؟ قال : كان يتقدم إلي خصمان موسران وجيهان منذ شهرين في قضية معضلة مشكلة ، وكل يدعي بينة وشهودا ، ويدلي بحجج تحتاج إلى تأمل وتثبت ، فرددت الخصوم رجاء أن يصطلحوا أو يتبين لي وجه فصل ما بينهما . قال : فوقف أحدهما من خبري على أني أحب الرطب السكر ، فعمد في وقتنا - وهو أول أوقات الرطب - إلى أن جمع لي رطبا سكرا لا يتهيأ في وقتنا جمع مثله إلا لأمير المؤمنين ، وما رأيت أحسن منه ورشا بوابي جملة دراهم على أن يدخل الطبق إلي ولا يبالي أن يرد ، فلما دخل إلي أنكرت ذلك وطردت بوابي وأمرت برد الطبق ، فلما كان اليوم تقدم إلي مع خصمه فما تساويا في قلبي ولا في عيني ، وهذا يا أمير المؤمنين ولم أقبل فكيف يكون حالي لو قبلت ، ولا آمن أن تقع علي حيلة في ديني فأهلك ، وقد فسد [الناس ] . فأقلني أقالك الله وأعفني ، فأعفاه .

أخبرنا عبد الرحمن قال : أخبرنا [ أحمد بن علي ] الخطيب . قال : أخبرنا محمد بن الحسين القطان ، أخبرنا محمد بن الحسن بن زياد المقرئ أن داود بن [ ص: 53 ] وسيم البوشنجي أخبرهم قال : أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله ، عن عمه عبد الملك بن قريب الأصمعي : أنه قال : كنت عند الرشيد يوما ، فرفع إليه في قاض يقال له : عافية ، فكبر عليه ، فأمر بإحضاره ، فأحضر ، وكان في المجلس جمع كبير ، فجعل أمير المؤمنين يخاطبه ويوقفه على ما رفع إليه ، وطال المجلس ، ثم إن أمير المؤمنين عطس فشمته من كان بالحضرة ممن قرب منه سواه ، فإنه لم يشمته ، فقال له الرشيد : ما بالك لم تشمتني كما فعل القوم ؟ فقال له عافية [لأنك ] يا أمير المؤمنين لم تحمد الله ، فلذلك لم أشمتك ، هذا النبي صلى الله عليه وسلم عطس عنده رجلان فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر ، فقال يا رسول الله ، ما بك شمت ذلك ولم تشمتني ؟ قال : "لأن هذا حمد الله فشمتناه وأنت لم تحمده فلم أشمتك " . فقال له الرشيد : ارجع إلى عملك ، فأنت لم تسامح في عطسة تسامح في غيرها ؟ وصرفه منصرفا جميلا وزبر القوم الذين كانوا رفعوا عليه .

أخبرنا عبد الرحمن قال : أخبرنا [ أحمد بن علي ] الخطيب قال : أخبرنا القاضي أبو العلاء محمد بن علي بن يعقوب قال : أخبرنا علي بن محمد بن إبراهيم الرياحي قال : حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال : أخبرنا أبو العباس المنصور ، عن ابن الأعرابي قال : خاصم أبو دلامة رجلا إلى عافية فقال :


لقد خاصمتني غواة الرجا ل وخاصمتهم سنة وافيه     فما دحض الله لي حجة
وما خيب الله لي قافيه     فمن كنت من جوره خائفا
فلست أخافك يا عافيه



فقال له عافية : لأشكونك إلى أمير المؤمنين . قال : لم تشكوني ؟ قال : لأنك هجوتني قال : والله لئن شكوتني ليعزلنك . قال : ولم ؟ قال : لأنك لم تعرف الهجاء من المديح .

التالي السابق


الخدمات العلمية