صفحة جزء
988 - يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن سعد بن حبتة الأنصاري .

وسعد من الصحابة ، عرض على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فاستصغره . وحبتة أمه ، وأبوه : بحير بن معاوية .

[ ص: 72 ] ويكنى يعقوب : أبا يوسف القاضي ، وهو صاحب أبي حنيفة .

سمع أبا إسحاق الشيباني ، وسليمان التيمي ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، والأعمش ، وهشام بن عروة ، وابن إسحاق ، والليث في آخرين .

روى عنه : محمد بن الحسن ، وعلي بن الجعد ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى ابن معين .

وسكن بغداد وولاه الهادي القضاء ، ثم الرشيد ، وهو أول من دعي بقاضي القضاة في الإسلام .

وكان استخلف ابنه يوسف على الجانب الغربي ، وأقره الرشيد على عمله وولاه قضاء القضاة بعد أبي يوسف .

وقد روينا أنه تردد إلى أبي حنيفة وهو فقير ، فنهاه أبوه عن ذلك فانقطع فلما رآه أبو حنيفة [انقطع ] سأله عن سبب انقطاعه ، فأخبره فأعطاه مائة درهم وقال : استمتع بهذه ، فإذا فرغت فأخبرني . ثم كان يتعاهده .

وروينا أن أباه مات وخلفه طفلا ، وأن أمه هي التي أنكرت عليه ملازمة أبي حنيفة .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال : أخبرنا الحسن بن أبي بكر قال : ذكر محمد بن الحسن بن زياد النقاش : أن محمد بن عبد الرحمن الشامي أخبرهم قال : أخبرنا علي بن الجعد قال : أخبرني يعقوب بن إبراهيم أبو يوسف قال : توفي أبي وخلفني صغيرا في حجر أمي ، فأسلمتني إلى قصار أخدمه ، فكنت أدع القصار وأمر إلى حلقة أبي حنيفة ، فأجلس فأستمع ، وكانت أمي [ ص: 73 ] تجيء خلفي إلى الحلقة فتأخذ بيدي ، وتذهب بي إلى القصار ، وكان أبو حنيفة يعنى بي ، لما يرى من حرصي على التعلم ، فلما كثر ذلك على أمي قالت لأبي حنيفة : ما لهذا الصبي فساد غيرك ، هذا صبي يتيم لا كسب له ، وأنا أطعمه من مغزلي ، وآمل أنه يكسب دانقا يعود به على نفسه . فقال لها أبو حنيفة : مري يا رعناء ، ها هو ذا يتعلم أكل الفالوذج بدهن الفستق . فانصرفت وقالت له : أنت شيخ قد خرفت وذهب عقلك . ثم لزمته ، فنفعني الله بالعلم ، ورفعني حتى تقلدت القضاء ، وكنت أجالس الرشيد ، وآكل معه على مائدته ، فلما كان في بعض الأيام قدم إلي هارون فالوذجة بدهن [فقال لي هارون : يا يعقوب ، كل منه ، فليس كل يوم يعمل لنا مثله . فقلت : وما هذه يا أمير المؤمنين ؟ فقال : هذه فالوذجة بدهن ] الفستق ، فضحكت . فقال لي : مم تضحك ؟ فقلت : خيرا ، أبقى الله أمير المؤمنين . فقال : لتخبرني . وألح علي ، فأخبرته بالقصة من أولها إلى آخرها ، فتعجب من ذلك ، وقال : لعمري إن العلم يرفع وينفع دنيا وآخرة . وترحم على أبي حنيفة ، وقال : كان ينظر بعين عقله ما لا يرى بعين رأسه .

أخبرنا محمد بن أبي طاهر البزاز قال : أخبرنا علي بن المحسن التنوخي ، عن أبيه قال : حدثني أبي قال : كان سبب اتصال يوسف بالرشيد أنه قدم بغداد بعد موت أبي حنيفة ، فحنث بعض القواد في يمين ، وطلب فقيها يستفتيه فيها ، فجيء بأبي يوسف فأفتاه أنه لم يحنث ، فوهب له دنانير ، وأخذ له دارا بالقرب منه ، واتصل به ، فدخل القائد يوما إلى الرشيد فوجده مغموما ، فسأله عن سبب غمه ، فقال : شيء من أمر الدين قد أحزنني فاطلب لي فقيها أستفتيه فجاءه بأبي يوسف . قال أبو يوسف : فلما دخلت إلى ممر بين الدور رأيت فتى حسنا عليه أثر الملك ، وهو في حجرة محبوس ، فأومأ إلي بإصبعه مستغيثا ، فلم أفهم عنه إرادته ، فأدخلت إلى الرشيد ، فلما مثلت بين يديه سلمت ووقفت ، فقال لي : ما اسمك ؟ قلت : يعقوب ، أصلح الله أمير المؤمنين . قال : ما تقول [ ص: 74 ] في إمام شاهد رجلا يزني ، هل يحده ؟ قلت : لا يجب ذلك . فحين قلتها سجد الرشيد فوقع لي أنه قد رأى بعض أهله على ذلك ، وأن الذي أشار إلي بالاستغاثة هو الزاني . ثم قال الرشيد : ومن أين قلت هذا ؟ قلت : من قول النبي صلى الله عليه وسلم : "ادرءوا الحدود بالشبهات " وهذه شبهة يسقط الحد معها . فقال : وأي شبهة مع المعاينة ؟ ! قلت : ليس توجب المعاينة لذلك أكثر من العلم بما جرى ، والحدود لا تكون بالعلم ، وليس لأحد أخذ حقه بعلمه . فسجد مرة أخرى وأمر لي بمال جزيل ، وأن ألزم الدار ، فما خرجت حتى جاءتني هدية الفتى ، وهدية أمه ، وأسبابه ، فصار ذلك أصلا للنعمة ، ولزمت الدار ، فكان هذا الخادم يستفتيني وهذا يشاورني وصلاتهم تصل إلي ، ثم استدعاني الرشيد واستفتاني في خواص أمره ، فلم تزل حالي تقوى حتى قلدني قضاء القضاة .

قال لي أبي : بلغني أن أبا يوسف لما مات خلف مائتي سراويل [من أصناف السراويلات وكل ] بتكة أرمني تساوي دينارا .

وبلغ من محله عند الرشيد أنه طلبه يوما فجاء وعليه بردة فقال [ الرشيد ] :


جاءت به معتجرا ببرده سفواء ترضى بنسيج وحده



أخبرنا أبو منصور القزاز قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال : أخبرنا محمد بن القاسم الأزرق قال : حدثنا محمد بن الحسن المقرئ أن محمد بن عبد الرحمن الشامي أخبرهم قال : أخبرنا ابن الجعد قال : سمعت أبا يوسف يقول : العلم شيء لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك ، فأنت إذا أعطيته كلك كان من إعطائه البعض على عشر .

[ ص: 75 ] قال مؤلف الكتاب : كان أبو حنيفة يشهد لأبي يوسف أنه أعلم الناس .

وقال المزني : أبو يوسف أتبعهم للحديث .

أخبرنا أبو منصور القزاز قال : أخبرنا [ أبو بكر بن ثابت ] الخطيب ، أخبرنا الحسين بن محمد المعدل قال : أخبرنا عبد الله بن الأسدي قال : حدثنا أبو بكر الدامغاني الفقيه قال : حدثنا أبو جعفر الطحاوي قال : حدثنا ابن أبي عمران قال : حدثنا بشر بن الوليد قال : سمعت أبا يوسف يقول : سألني الأعمش عن مسألة فأجبته فيها ، فقال [لي ] : من أين قلت هذا ؟ قلت : لحديثك الذي حدثتناه أنت . ثم ذكرت الحديث ، فقال [لي ] : يا يعقوب ، إني لأحفظ هذا الحديث قبل أن يخرج أبواك ، فما عرفت تأويله حتى الآن .

وقال أبو زرعة الرازي : كان محمد بن الحسن جهميا ، وكان أبو يوسف سليما من التجهم .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال : أخبرنا الحسن بن أبي طالب قال : حدثنا علي بن عمر بن محمد التمار قال : حدثنا مكرم بن أحمد القاضي قال : حدثنا أحمد بن عطية قال : سمعت بشارا الخفاف قال : سمعت أبا يوسف يقول : من قال القرآن مخلوق فحرام كلامه وفرض مباينته .

قال ابن المديني : كان أبو يوسف صدوقا . وقال يحيى : هو ثقة .

أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد قال : ] أخبرنا [ أحمد بن علي بن ثابت ] [ ص: 76 ] الخطيب قال : أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي قال : حدثنا محمد بن جعفر التميمي قال : أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد قال : أخبرنا وكيع قال : أخبرني إبراهيم بن أبي عثمان ، عن يحيى بن عبد الصمد قال : خوصم موسى أمير المؤمنين إلى أبي يوسف في بستانه فكان الحكم في الظاهر لأمير المؤمنين ، وكان الأمر على خلاف ذلك . فقال أمير المؤمنين لأبي يوسف : ما صنعت في الأمر الذي نتنازع إليك فيه ؟ قال : خصم أمير المؤمنين يسألني أن أحلف أمير المؤمنين أن شهوده شهدوا على حق . فقال له موسى : وترى ذلك ؟ قال : [قد ] كان ابن أبي ليلى يراه . قال : فأردد البستان عليه ، إنما احتال أبو يوسف .

وروى الحسن بن أبي مالك قال : سمعت أبا يوسف يقول : وليت هذا الحكم ، وانغمست فيه ، وليس في قلبي منه شيء ، وأسأل الله أن لا يسألني عن جور ولا ميل مني إلى أحد إلا يوما واحدا ، فإنه يقع في قلبي منه شيء . قالوا : وما هو ؟ قال : جاءني رجل فقال : لي بستان قد اغتصبني إياه أمير المؤمنين . فقلت : في يد من هو الآن ؟ فقال : في يد أمير المؤمنين . قلت : ومن يقوم بعمارته ومصلحته ؟ قال : أمير المؤمنين . فأخذت قصته ودخلت ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، إن لك خصما بالباب [قد ] ادعى كيت وكيت . فقال : هذا البستان لي ، اشتراه [لي ] المهدي . فقلت : يا أمير المؤمنين ، إن رأيت أن تدعو خصمك فأسمع منكما . قال : فدعي به ، فأدخل فادعى ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، ما تقول فيما ادعى ؟ قال : البستان لي وفي يدي ، اشتراه لي المهدي . قلت : يا رجل [قد سمعت ] فما تشاء . قال : خذ لي يمينه . قلت : أيحلف أمير المؤمنين ؟ قال : لا . قلت : يا أمير المؤمنين ، أعرض عليك اليمين ثلاثا ، فإن حلفت وإلا حكمت عليك . فعرضت عليه اليمين ثلاثا ، فأبى أن يحلف ، [ ص: 77 ] فقلت : يا أمير المؤمنين ، قد حكمت عليك بهذا البستان ، فإن رأيت أن تأمر بتسليمه إليه . قال : لا أسلم . قلت : يا رجل ، تعود في مجلس غير هذا فقال : افعل لي ما يجب أن تفعل . قلت : يا أمير المؤمنين ، بالحبس يعرض . فأمر به فأخرج . فقال الفضل بن الربيع : والله ما رأيت مجلسا قط إلا وهذا أحسن منه . فقلت : يا أمير المؤمنين ، إن رأيت أن يتم حسن هذا المجلس برد هذا البستان . قيل له : فأي شيء في قلبك ؟ قال : جعلت أحتال في صرف الخصومة والقضية عن أمير المؤمنين ، ولم أسأله أن يقعد مع خصمه أو يأذن لخصمه أن يقعد معه على السرير .

أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي ] الخطيب قال : أخبرنا أحمد بن عمر بن روح النهرواني قال : أخبرنا المعافى بن زكريا قال : حدثنا محمد بن أبي الأزهر قال : حدثنا حماد بن إسحاق الموصلي قال : حدثني أبي قال : حدثني بشر بن الوليد وسألته : من أين جاء ؟ قال : كنت عند أبي يوسف القاضي وكنا في حديث ظريف ، فقلت له : حدثني به ، قال : قال لي يعقوب القاضي : بينا أنا البارحة قد آويت إلى فراشي ، فإذا داق يدق الباب دقا شديدا ، فأخذت علي إزاري وخرجت وإذا هو هرثمة بن أعين ، فسلمت عليه فقال : أجب أمير المؤمنين . فقلت : يا أبا حاتم ، لي بك حرمة ، وهذا وقت كما ترى ، فإن أمكنك أن تدفع ذلك إلى الغد . قال : ما لي إلى ذلك سبيل . قلت : وكيف كان السبب ؟ قال : خرج إلي مسرور الخادم فأمر أن آتي بك أمير المؤمنين . فقلت : قد أذن لي أن أصب علي ماء وأتحنط ، فإن كان أمر من الأمور كنت قد أحكمت شأني ، وإن رزق الله العافية فلن يضر . فأذن لي فدخلت ، فلبست ثيابا جددا ، وتطيبت بما أمكن من الطيب ، ثم خرجنا ، فمضينا [حتى أتينا ] إلى دار الرشيد ، فإذا مسرور ، فقال له هرثمة : قد جئت به . فقلت [ ص: 78 ] لمسرور : يا أبا هاشم ، خدمتي وحرمتي ، وهذا وقت ضيق فتدري لم طلبني أمير المؤمنين ؟ قال : لا . قلت : فمن عنده ؟ قال : عيسى بن جعفر . قلت : ومن ؟ قال : ما عنده ثالث . فقال : مر . فإذا صرت في الصحن ، فإنه في الرواق ، فحرك رجلك [في الأرض ] ، فإنه سيسألك ، فقل : أنا . فجئت ففعلت ، فقال : من هذا ؟ قلت : يعقوب قال : ادخل . فدخلت ، فإذا هو جالس وعن يمينه عيسى بن جعفر ، فسلمت فرد علي السلام ، وقال : أظننا روعناك . قلت : أي والله ، وكذلك من خلفي . قال : اجلس . فجلست حتى سكن روعي ، ثم التفت إلي فقال : يا يعقوب ، تدري لم دعوتك ؟ قلت : لا . قال : دعوتك لأشهدك على هذا أن عنده جارية سألته أن يهبها لي فامتنع ، وسألته أن يبيعنيها فأبى ، ووالله لئن لم يفعل لأقتلنه . قال : فالتفت إلى عيسى فقلت له : وما بلغ الله بجارية تمنعها أمير المؤمنين وتنزل نفسك هذه المنزلة ؟ فقال لي : عجلت في القول قبل أن تعرف ما عندي . قلت : وما في هذا من الجواب ؟ قال : إن علي يمينا بالطلاق والعتاق وصدقة ما أملك أن لا أبيع هذه الجارية ولا أهبها . فالتفت إلي الرشيد فقال : هل له في ذلك من مخرج ؟ قلت : نعم . قال : وما هو ؟ قلت : يهب لك النصف ويبيعك النصف . فيكون لم يبع ولم يهب . قال : ويجوز ذلك ؟ قلت : نعم . قال : فأشهدك أني قد وهبت له نصفها وبعت له نصفها الباقي بمائة ألف دينار ، فقال : [علي ] بالجارية . فأتى بالجارية وبالمال ، فقال : خذها يا أمير المؤمنين ، بارك الله لك فيها . قال : يا يعقوب ، بقيت واحدة . قلت : وما هي ؟ قال : هي مملوكة ، ولا بد أن تستبرأ ، ووالله لئن لم أبت معها ليلتي إني لأظن أن نفسي ستخرج . قلت : يا أمير المؤمنين ، تعتقها وتتزوجها ، فإن الحرة لا تستبرأ . قال : فإني قد أعتقتها فمن يزوجنيها ؟ قلت : [ ص: 79 ] أنا فدعا بمسرور وحسين فخطبت وحمدت الله ، ثم زوجته على عشرين ألف دينار ، ودعا بالمال فدفعه إليها ، ثم قال لي يا يعقوب ، انصرف . ورفع رأسه إلى مسرور وقال : يا مسرور [قال : لبيك أمير المؤمنين . قال : ] احمل إلى يعقوب مائتي ألف درهم ، وعشرين تختا ثيابا . فحمل ذلك معي .

فقال بشر بن الوليد : فالتفت إلي يعقوب فقال : هل رأيت بأسا فيما فعلت ؟ قلت : لا . قال : فخذ منها حقك . قلت : وما حقي ؟ قال : العشر . قال : فشكرته ودعوت له وذهبت لأقوم ، فإذا بعجوز قد دخلت فقالت : يا أبا يوسف ، ابنتك تقرئك السلام وتقول لك : والله ما وصل إلي في ليلتي هذه من أمير المؤمنين إلا المهر الذي عرفته ، وقد حملت إليك النصف منه ، وخلفت الباقي لما أحتاج إليه . فقال : رديه ، فوالله لا قبلته ، أخرجتها من الرق وزوجتها من أمير المؤمنين وترضى لي بهذا ؟ ! ! فلم نزل نشفع إليه أنا وعمومتي حتى قبل ، وأمر لي منه بألف دينار .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي قال : أخبرني محمد بن الحسين القطان قال : أخبرنا محمد بن الحسن بن زياد النقاش : أن محمد بن علي الصايغ أخبرهم قال : أخبرني يحيى بن معين قال : كنت عند أبي يوسف القاضي وعنده جماعة من أصحاب الحديث وغيرهم ، فوافته هدية من أم جعفر احتوت على تخوت دبيقي ، ومصمت ، وطيب ، وتماثيل ند ، وغير ذلك ، فذاكرني رجل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم : "من أتته هدية وعنده قوم جلوس فهم شركاؤه فيها " فسمعه أبو يوسف فقال : أبي تعرض ؟ ذلك إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم والهدايا يومئذ الأقط والتمر والزبيب ، ولم تكن الهدايا ما ترون يا غلام ، شل إلى الخزائن .

[ ص: 80 ] أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي قال : أخبرني الخلال قال : أخبرنا علي بن عمرو الحريري : أن علي بن محمد النخعي حدثهم قال : أخبرنا إبراهيم بن إسحاق ، عن بشر بن غياث قال : سمعت أبا يوسف يقول : صحبت أبا حنيفة سبع عشرة سنة ، ثم انصبت علي الدنيا سبع عشرة سنة ، فما أظن أجلي إلا قد اقترب [قال : ] فما مضت شهور حتى مات .

قال النخعي : وحدثني أبو عمرو القزويني قال : حدثنا القاسم بن الحكم العربي قال : سمعت أبا يوسف يقول عند موته : يا ليتني مت على ما كنت عليه من الفقر ، وإني لم أدخل في القضاء ، يا ليتني على أني ما تعمدت بحمد الله ونعمته جورا ولا حابيت خصما على خصم من سلطان أو سوقة .

توفي أبو يوسف رحمه الله في ربيع الأول من هذه السنة . وهو ابن تسع وستين سنة ، وأقام في القضاء ست عشرة سنة .

989 - يعقوب بن داود بن طهمان ، أبو عبد الله .

مولى عبد الله بن حازم السلمي ، استوزره المهدي ، وقرب من قلبه ، وغلب على أمره ، ثم إنه أمره بقتل [بعض ] العلويين فقال : قد فعلت . ولم يفعل على ما حكيناه في سنة ست وستين ، فسجنه إلى أن أخرجه الرشيد .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال : أخبرنا علي بن محمد المعدل قال : أخبرنا أبو علي الحسين بن صفوان قال : حدثنا أبو [ ص: 81 ] بكر بن أبي الدنيا قال : حدثني خالد بن يزيد الأزدي قال : حدثني عبد الله بن يعقوب بن داود قال : قال أبي : حبسني المهدي في بئر وبنيت علي قبة ، فمكثت فيها خمس عشرة سنة حتى مضى صدر من خلافة الرشيد ، وكان يدلى إلي كل يوم رغيف وكوز من ماء ، وأوذن بأوقات الصلوات ، فلما كان في رأس ثلاث عشرة حجة أتاني آت في منامي فقال :


حنى على يوسف رب فأخرجه     من قعر جب وبيت حوله غمم



قال : فحمدت الله ، وقلت : أتى الفرج . قال : فمكثت حولا لا أرى شيئا ، فلما كان رأس الحول أتاني ذلك الآتي فقال [لي ] :


عسى الكرب الذي أمسيت فيه     يكون وراءه فرج قريب
فيأمن خائف ويفك عان     ويأتي أهله النائي الغريب



فلما أصبحت نوديت ، فظننت أني أوذن بالصلاة ، فدلي لي حبل أسود ، وقيل لي : اشدد به وسطك ففعلت [فأخرجوني ] فلما قابلت الضوء عشي بصري ، فانطلقوا بي فأدخلوني على الرشيد ، فقيل لي : سلم على أمير المؤمنين . فقلت : السلام عليك ورحمة الله وبركاته يا أمير المؤمنين المهدي . فقال : لست به . قلت : السلام عليك أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته الهادي . قال : ولست به . قلت : السلام عليك أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته . قال : الرشيد . فقلت : الرشيد . فقال : يا يعقوب ، إنه والله ما شفع فيك إلي أحد غير أني حملت الليلة صبية لي على عنقي ، [ ص: 82 ] فذكرت حملك إياي على عنقك ، فرثيت لك من المحل الذي كنت فيه ، فأفرجت عنك . قال : فأكرمني وقرب مجلسي .

ثم قال : إن يحيى بن خالد تنكر لي كأنه خاف أن أغلبه على أمير المؤمنين دونه ، فخفته فاستأذنت للحج ، فأذن لي .

فلم يزل مقيما بمكة حتى مات بها في هذه السنة رحمه الله .

990 - يزيد بن زريع بن معاوية العيشي .

من بني عايش ، وهم من ولد بكر بن [وائل ] . كان عالما صدوقا ثبتا . وكان أبوه والي البصرة ، فلم يأخذ من ميراثه شيئا ، وكان يعمل الخوص .

أخبرنا ابن ناصر قال : أخبرنا عبد القادر بن محمد قال : أخبرنا أبو بكر الخياط قال : حدثنا ابن أبي الفوارس قال : حدثنا أحمد بن جعفر بن سلم قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق قال : حدثنا أبو بكر المروزي قال : سمعت عبد الوهاب يقول : سمعت أبا سليمان الأشقر يقول : تنزه يزيد بن زريع عن خمسمائة ألف من ميراث أبيه فلم يأخذه .

توفي يزيد بالبصرة في هذه السنة . وقيل : في سنة سبع وسبعين ، وكان ثقة صدوقا ثبتا في الحديث .

[ ص: 83 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية