صفحة جزء
ثم دخلت سنة تسع وثمانين ومائة

فمن الحوادث فيها :

شخوص الرشيد إلى الري . وسبب ذلك : أن الرشيد كان قد استشار يحيى بن خالد في تولية خراسان علي بن عيسى بن ماهان ، فأشار عليه أن لا يفعل ، فخالفه وولاه إياها ، فلما شخص علي بن عيسى ظلم الناس وعسفهم ، وجمع مالا جليلا ، ووجه إلى هارون بهدايا لم ير مثلها قط من الخيل ، والرقيق ، والثياب ، والنساء ، والأموال ، فقعد هارون بالشماسية على دكان مرتفع حين وصلت إليه تلك الهدايا وأحضرت فعرضت عليه ، فعظمت في عينه ، وكان إلى جانبه يحيى بن خالد ، فقال له : يا أبا علي ، هذا الذي أشرت علينا أن لا نوليه هذا الثغر فخالفناك فيه ، وكان في خلافك البركة . وهو كالمازح معه إذ ذاك فقال : يا أمير المؤمنين ، جعلني الله فداك ، أنا وإن كنت أحب أن أصيب في رأيي وأوافق في مشورتي ، فأنا أحب أن يكون رأي أمير المؤمنين أعلى ، وفراسته أثقب ، وما أحسن هذا وأكثره إن لم يكن وراءه ما تكره . قال : وما ذاك ؟ قال : إني أحسب أن أكثر هذا أخذ ظلما . فوقر ذلك في نفس الرشيد ، فلما عاث علي بن عيسى بخراسان ووتر أشرافها ، وأخذ أموالهم ، واستخف برجالهم شكى الناس سوء سيرته ، وسألوا أمير المؤمنين أن يبدلهم من أحب من كفاءته ، فدعا يحيى بن خالد فشاوره في أمر علي بن عيسى وفي صرفه ، وقال : أشر علي برجل ترضاه لذلك الثغر ، [ ص: 162 ] يصلح ما أفسد ذلك الفاسق ويرتق ما فتق . فأشار عليه بيزيد بن مزيد ، فلم يقبل .

وكان قد قيل للرشيد إن علي بن عيسى قد أجمع على خلافك ، فشخص إلى الري من أجل ذلك عند منصرفه من مكة ، فعسكر بالنهروان لثلاث عشرة بقيت من جمادى الأولى ومعه ابناه : المأمون والقاسم ، فلما صار بقرميسين أشخص إليه جماعة من القضاة وغيرهم ، وأشهدهم عليه أن جميع ماله في عسكره ذلك من الأموال والخزائن والسلاح والكراع ، وما سوى ذلك للمأمون ، وأنه ليس له فيه قليل ولا كثير ، وجدد البيعة له على من كان معه ، ووجه هرثمة بن أعين صاحب حرسه إلى بغداد ، فأخذ البيعة على الأمين ، ثم مضى الرشيد عند انصراف هرثمة إلى الري ، وأقام بها نحوا من أربعة أشهر حتى قدم عليه علي بن عيسى من خراسان بالأموال ، والهدايا ، والطرف ، والمتاع ، والمسك ، والجوهر ، وآنية الذهب والفضة ، والسلاح ، والدواب ، وأهدى بعد ذلك إلى جميع من كان معه من أهل بيته وخدمه على طبقاتهم ، فرأى منه خلاف ما كان ظن به ، وغير ما كان يقال عنه ، فرضي عنه ، ورده إلى خراسان ، فخرج وهو مشيع له . وقدم خزيمة بن خازم على الرشيد الري ، فأهدى له هدايا كثيرة .

وفي هذه السنة : قدم سعيد الجرشي بأربعمائة رجل من طبرستان ، فأسلموا على يد الرشيد .

وفيها : ولى الرشيد عبد الله بن مالك طبرستان ، والري ، والرويان ، ودنباوند ، وقومس ، وهمدان . وولى عيسى بن جعفر بن سليمان عمان ، فقطع البحر فافتتح [ ص: 163 ] حصنين ، وعاد الرشيد إلى بغداد ، فدخلها لليلتين بقيتا من ذي الحجة ، وقال : والله إني لأطوي مدينة ما وضعت مدينة بشرق ولا غرب ، وما رأيت مدينة أيمن منها ولا أيسر ، وإنها لوطني ووطن آبائي ، ودار مملكة بني العباس ما بقوا ، وما رأى أحد من آبائي سوءا ولا نكبة ولا شرا ، ولنعم الدار هي ، ولكني أريد المناخ على ناحيتها أهل الشقاق والنفاق والبغض لأئمة الهدى ، ولولا ذلك ما فارقت بغداد ما حييت ، ولا خرجت عنها أبدا .

وفي هذه السنة : كان الفداء بين المسلمين والروم ، فلم يبق بأرض الروم مسلم إلا فودي به . فقال مؤمل بن جميل بن يحيى بن أبي حفصة ابن عم مروان بن أبي حفصة ، من قصيدة :


وفكت بك الأسرى التي شيدت لها محابس ما فيها حميم يزورها     على حين أعيا المسلمين فكاكها
وقالوا : سجون المشركين قبورها



.

وفي هذه السنة : رابط القاسم بدابق .

وفيها : حج بالناس العباس بن موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس .

التالي السابق


الخدمات العلمية