صفحة جزء
وفيها : توجه طاهر بن الحسين إلى الأهواز ، فخرج عاملها محمد بن يزيد المهلبي يحميها فقتل ، وأقام طاهر بالأهواز ، وأنفذ عماله إلى كورها . وولي اليمامة والبحرين وعمان ، ثم أخذ على طريق البر متوجها إلى واسط ، فدخلها وهرب عاملها ، ووجه قائدا من قواده إلى الكوفة وعليها العباس بن موسى الهادي ، فلما بلغ العباس الخبر خلع محمدا ، وكتب بطاعته إلى طاهر وبيعته ، وكتب منصور بن المهدي وهو عامل البصرة إلى طاهر بطاعته ، فنزل حتى طرنايا ، وأمر بجسر فعقد ، وأنفذت كتبه بالتولية إلى العمال ، وبايع المطلب بن عبد الله بن مالك بالموصل للمأمون ، فكان خلعهم في رجب ، فلما كتبوا بخلعهم محمدا أقرهم المأمون على أعمالهم ، وولى داود بن عيسى بن موسى بن محمد على مكة والمدينة ، ويزيد بن جرير البجلي اليمن ، ووجه الحارث بن هشام إلى قصر ابن هبيرة .

وفيها : أخذ طاهر المدائن من أصحاب محمد ، ثم صار إلى صرصر ، فعقد جسرا ، ولما بلغ محمدا أن الحارث وهشاما خلفاه وجه محمد بن سليمان العابد ومحمد بن حماد البربري ، وأمرهما أن يبيتاهما ، فبلغ الخبر إليهما ، فوجه طاهر إليهما [ ص: 27 ] مددا ، فاقتتلوا ، فهرب محمد بن سليمان حتى صار إلى قرية شاهي ، وعبر الفرات ، وأخذ علي البرية إلى الأنبار ، ورجع محمد بن حماد إلى بغداد .

وفيها : خلع داود بن عيسى عامل مكة والمدينة محمدا ، وبايع للمأمون ، وأخذ البيعة على الناس ، وكتب بذلك إلى طاهر بن الحسين والمأمون ، وكان السبب في ذلك : أنه لما أخذ الكتابان من الكعبة جمع داود بن عيسى حجبة الكعبة والقرشيين والفقهاء ومن كان شهد ما في الكتابين ، فقال لهم : قد علمتم ما أخذ علينا الرشيد من العهد والميثاق عند بيت الله الحرام ، لنكونن مع المظلوم على الظالم ، وقد رأيتم أن محمدا بدأ بالظلم والغدر والنكث والخلع وخلع أخويه ، وبايع لطفل رضيع لم يفطم ، واستخرج الشرطين من الكعبة عاصيا ظالما فحرقهما بالنار ، وقد رأيت خلعه وأن أبايع للمأمون إذ كان مظلوما .

فقال له أهل مكة : رأينا تبع لرأيك . فوعدهم صلاة الظهر ، وأرسل في فجاج مكة صائحا يصيح : الصلاة جامعة ، وذلك يوم الخميس لسبع وعشرين ليلة خلت من رجب ، فخرج فصلى بالناس الظهر ، وقد وضع له المنبر بين الركن والمقام ، فجلس عليه ، وحمد الله تعالى وصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : يا أهل مكة ، أنتم الأصل ، وإلى قبلكم يأتم المسلمون ، وقد علمتم ما أخذ عليكم الرشيد ، وقد علمنا أن محمدا بدأ بالظلم والبغي ، وقد حل لنا ولكم خلعه وأشهدكم أني خلعت محمد بن هارون من الخلافة كما خلعت قلنسوتي هذه من رأسي . ثم خلعها فرمى بها إلى بعض الخدم تحته ، وأتي بقلنسوة فلبسها ، ثم قال : قد بايعت لعبد الله المأمون ، ألا فقوموا فبايعوه .

فبقوا أياما يبايعونه .

وكتب إلى ابنه سليمان بن داود بن عيسى وهو خليفته على المدينة يأمره [أن ] يفعل كذلك ، فلما رجع جواب البيعة من المدينة إلى داود رحل إلى المأمون فأعلمه بذلك ، فسر المأمون وتيمن ببركة مكة والمدينة ، وكتب لداود عهدا على مكة والمدينة [ ص: 28 ] وأعمالها ، وزيد ولاية عك ، وكتب له إلى الري بمعونة خمسمائة ألف درهم ، وخلع أهل اليمن محمدا وبايعوا للمأمون ، ثم عقد محمد في رجب وشعبان نحوا من أربعمائة لواء لقواد شتى ، وأمر على جميعهم علي بن محمد بن عيسى بن نهيك ، وأمرهم بالسير إلى هرثمة بن أعين ، فساروا فالتقوا في رمضان ، فهزمهم هرثمة ، وأسر علي بن محمد ، فبعث به إلى المأمون ، ونزل هرثمة النهروان .

وفيها : استأمن إلى محمد جماعة من جند طاهر ، ففرق فيهم مالا كثيرا ، وشغب الجند على طاهر ، وكان السبب في ذلك : أن طاهرا أقام بصرصر ، وشمر لمحاربة محمد وأهل بغداد ، فكان لا يأتيه جيش إلا هزمه ، فاشتد على أصحابه ما كان محمد يعطي من الأموال ، ودس محمد إلى رؤساء الجند الكتب بالأطماع ، فخرج من عسكر طاهر نحو من خمسة آلاف رجل من أهل خراسان ومن التف إليهم من الجند ، فسر بهم محمد ، ووعدهم ومناهم ، فمكثوا شهرا ، وقوي أصحابه بالمال ، فخرجوا إلى طاهر ، ثم ولوا منهزمين ، وبلغ الخبر محمدا ، فأخرج المال ، وفرق الصلات ، فراسلهم طاهر ، ووعدهم واستمالهم ، فشغبوا على محمد يوم الأربعاء لست خلون من ذي الحجة .

ثم قدم طاهر فنزل البستان الذي على باب الأنبار يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة من ذي الحجة ، وأكثر لأصحابه العطاء ، وأضعف للقواد ، ونقب أصحاب السجون وخرجوا ، وفتن الناس ، وغلب أهل الفساد ، وقاتل الأخ أخاه .

وحج بالناس في هذه السنة العباس بن موسى بن عيسى من قبل طاهر ، ودعا للمأمون بالخلافة ، فهو أول موسم دعي له بالخلافة بمكة والمدينة . [ ص: 29 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية