صفحة جزء
ثم دخلت سنة اثنتين ومائتين

فمن الحوادث فيها :

أن أهل بغداد خلعوا المأمون ، وبايعوا لإبراهيم بن المهدي بالخلافة ، وسموه المبارك [وفي وقت فعلهم هذا قولان : أحدهما أنه أول يوم من المحرم والثاني لخمس خلون منه . وصعد إبراهيم المنبر ] فكان أول من بايعه عبيد الله بن محمد الهاشمي ، ثم منصور بن المهدي ، ثم سائر الناس ، ثم بنو هاشم ثم القواد ، وكان المتولي لأخذ البيعة المطلب بن عبد الله بن مالك ، وكان الذي سعى في ذلك وقام به : السندي ، وصالح صاحب المصلى ، ومنجاب ، ونصير الوصيف وسائر الموالي [إلا أن ] الذين سميناهم كانوا الرؤساء والقادة ، وإنما فعلوا ذلك غضبا على المأمون حين أراد إخراج الخلافة من ولد العباس إلى ولد علي ، ولترك لباس آبائه من السواد ولبس الخضرة .

ولما فرغ من البيعة وعد الجند أن يعطيهم أرزاقا لستة أشهر ، فدافعهم بها ، فلما رأوا ذلك شنعوا عليه ، فأعطى كل رجل منهم مائتي درهم ، وكتب لبعضهم إلى السواد بقيمة مالهم من الحنطة ، فخرجوا في قبضها ، فلم يمروا بشيء إلا نهبوه وأخذوا [ ص: 106 ] النصيبين جميعا : نصيب أهل البلاد ونصيب السلطان ، وغلب إبراهيم مع [أهل ] بغداد على [أهل ] الكوفة والسواد كله ، وعسكر بالمدائن ، وولى الجانب الشرقي من بغداد العباس ، والجانب الغربي إسحاق بن موسى الهادي .

وأمر أن يستتاب المريسي .

أخبرنا أبو منصور قال : أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال : أخبرنا علي بن أبي علي قال : أخبرنا طلحة بن محمد بن جعفر قال : هاجت العامة على بشر المريسي فسألوا إبراهيم بن المهدي أن يستتيبه ، وأمر إبراهيم قتيبة بن زياد القاضي أن يحضره مسجد الرصافة .

فحدثني محمد بن أحمد بن إسحاق ، عن محمد بن خلف قال : سمعت محمد بن عبد الرحمن الصيرفي يقول : شهدت المسجد الجامع بالرصافة وقد اجتمع الناس ، وجلس قتيبة بن زياد ، وأقيم بشر المريسي على صندوق من صناديق المصاحف عند باب الخدم ، وقام المستمليان أبو مسلم عبد الرحمن بن يونس مستملي ابن عيينة ، وهارون بن موسى مستملي يزيد بن هارون يذكران : أن أمير المؤمنين إبراهيم بن المهدي أمر قاضيه قتيبة بن زياد أن يستتيب بشر بن غياث المريسي عن أشياء عددها منها : ذكر القرآن وغيره ، وأنه تائب ، فرفع بشر صوته يقول :

معاذ الله ، إني لست بتائب ، فكثر الناس عليه حتى كادوا يقتلونه وأدخل إلى باب الخدم ، وتفرق الناس . [ ص: 107 ]

وفي هذه السنة : خرج مهدي بن علوان الحروري فوجه إليه إبراهيم بن المهدي أبا إسحاق بن الرشيد في جماعة من القواد فهزم مهديا .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال : أخبرنا عبد الله بن عمر بن أحمد الواعظ قال : أخبرنا أبي قال : قال إسماعيل بن علي : وبايع أهل بغداد لأبي إسحاق إبراهيم بن المهدي ببغداد في داره المنسوبة إليه في ناحية سوق العطش وسموه المبارك ، ويقال : سمي المرضي ، وذلك يوم الجمعة لخمس خلون من المحرم سنة اثنتين ومائتين وأمه أم ولد يقال لها : شكلة وبها يعرف ، فغلب على الكوفة والسواد ، وخطب له على المنابر وعسكر بالمدائن ، ثم رجع إلى بغداد ، فأقام بها ، والحسن بن سهل مقيم في حدود واسط خليفة للمأمون ، والمأمون ببلاد خراسان ، فلم يزل إبراهيم مقيما ببغداد على أمره يدعى بأمير المؤمنين ، ويخطب له على منبري بغداد ، وما غلب عليه من السواد والكوفة ، ثم رحل المأمون متوجها إلى العراق ، وقد توفي علي بن موسى الرضي ، فلما أشرف المأمون على العراق ، وقرب من بغداد ، ضعف أمر إبراهيم بن المهدي ، وقصرت يده ، وتفرق الناس عنه ، فلم يزل على ذلك إلى أن حضر الأضحى من سنة ثلاث ومائتين .

التالي السابق


الخدمات العلمية