صفحة جزء
1163 - كلثوم بن عمرو [بن أيوب] ، العتابي .

[ ص: 189 ] كان خطيبا شاعرا بليغا ، وكان منقطعا إلى البرامكة ، فوصفوه للرشيد ووصلوه به ، فبلغ عنده [كل] مبلغ ، ومدح الرشيد وغيره من الخلفاء ، ثم كان يتجنب غشيان السلاطين ، ويلبس الصوف زهدا . ومن أشعاره في الزهد :


ألا قد نكس الدهر فأضحى حلوه مرا     وقد جربت من فيه
فلم أحمدهم طرا     فألزم نفسك اليأس
من الناس تعش حرا

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا أحمد بن علي ، أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري [قال : ] حدثنا المعافى بن زكريا ، حدثنا عبد الله بن منصور الحارثي ، حدثنا أحمد بن أبي طاهر قال : حدثني أبو دعامة الشاعر قال : كتب طوق بن مالك إلى العتابي يستزيره ويدعوه إلى أن يصل القرابة بينه وبينه ، فرد عليه : إن قريبك من قرب منك خيره وإن عمك من عمك نفعه ، وإن عشيرتك من أحسن عشرتك ، وإن أحب الناس إليك أجداهم بالمنفعة عليك ، ولذلك أقول :


ولقد بلوت الناس ثم سبرتهم     وخبرت من وصلوا من الأسباب
فإذا القرابة لا تقرب قاطعا     وإذا المودة أكبر الأنساب

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا أحمد بن علي ، أخبرنا العتيقي ، أخبرنا محمد بن العباس ، أخبرنا علان بن أحمد ، حدثنا قاسم الأنباري ، قال : قال [ ص: 190 ] أحمد بن يحيى : قيل للعتابي : إنك تلقى العامة ببشر وتقريب ، فقال : رفع ضغينة بأيسر مئونة ، واكتساب إخوان بأهون مبذول .

أخبرنا عبد الرحمن قال : أخبرنا أحمد بن علي قال : أخبرنا الحسن بن الحسين النعالي قال : أخبرنا أبو الفرج الأصبهاني قال : أخبرني علي بن سليمان ، عن محمد بن يزيد قال : كتب المأمون في إشخاص كلثوم بن عمرو العتابي فلما دخل عليه قال : يا كلثوم ، بلغتني وفاتك فساءتني ، ثم بلغتني وفادتك فسرتني فقال : يا أمير المؤمنين ، لو قسمت هاتان الكلمتان على أهل الأرض لوسعتاهم فضلا وإنعاما ، وقد خصصتني منهما بما لا يتسع له أمنية ، ولا ينبسط لسواه أمل ، لأنه لا دين إلا بك ولا دنيا إلا معك .

قال : سلني [ما شئت] ، قال : يدك بالعطاء أطلق من لساني بالسؤال فوصله صلات سنية ، بلغ به من التقديم والإكرام أعلى محل .

أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك الحافظ ، أخبرنا المبارك بن عبد الجبار ، أخبرنا أبو محمد الجوهري ، أخبرنا محمد بن عبد الرحيم المازني ، أخبرنا أبو بكر الأنباري ، حدثنا الحسن بن علي العنزي ، حدثنا النضر العجلي قال : كتب إلي عبد الجبار بن كثير يقول : حدثنا حسن الصوفي قال : قال لي العتابي كلثوم بن عمرو : قدمت مرة [على أبي عمار بوقر كتبا ، فقال : ما عليه؟ قلت : كتب . قال : والله ما ظننته إلا مالا فعدلت] إلى يعقوب بن صالح ، فدخلت عليه فأنشدته :


حسن ظني إليك أصلحك الله     دعاني فلا عدمت الصلاحا
ودعاني إليك قول رسول الله     أن قال مفصحا إفصاحا

[ ص: 191 ]


إن أردتم حوائجا من أناس     فتنقوا لها الوجوه الصباحا
فلعمري لقد تنقيت وجها     ما به خاب من أراد النجاحا

فقال : ما حاجتك يا كلثوم ؟ قلت : بدرتان ، فقال : أعطوه بدرتين ، فانصرفت بهما إلى أبي وقلت : هذا بالكتب التي أنكرت .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، أخبرنا أحمد بن علي [بن حسين] المحتسب ، أخبرنا المعافى بن زكريا ، أخبرنا أبو بكر بن دريد قال : قال مالك بن طوق للعتابي : رأيتك كلمت فلانا فأقللت كلامك؟ قال : نعم ، كان معي حيرة الداخل ، وفكرة صاحب الحاجة ، وذل المسألة ، وخوف الرد مع شدة الطمع .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، أخبرنا الحسن بن الحسين النعالي ، أخبرنا أبو الفرج الأصفهاني قال : ذكر أحمد بن أبي طاهر بن عبد الله بن أبي سعيد : أن عبد الله بن سعيد بن زرارة حدثه عن محمد بن إبراهيم السيادي قال : لما قدم العتابي مدينة السلام على المأمون أذن له ، فدخل عليه وعنده إسحاق الموصلي ، وكان العتابي شيخا جليلا ، فسلم فرد عليه فأدناه فقبل يده ، ثم أمره بالجلوس ، فجلس وأقبل عليه فسأله عن حاله وهو يجاوبه بلسان طلق فاستظرف المأمون ذلك منه ، وأقبل عليه يداعبه ويمزح ، فظن الشيخ أنه استخف به ، فقال : يا أمير المؤمنين ، الإيناس قبل الإبشاش فاشتبه على المأمون قوله ، فنظر إلى إسحاق مستفهما ، فأومأ إليه بعينه ، وغمزه حتى فهم ، ثم قال : يا غلام ، ألف دينار . فأتي بذلك فوضعه بين يدي العتابي ، وأخذوا في الحديث .

ثم غمز المأمون إسحاق عليه ، فجعل العتابي لا يأخذ في شيء إلا عارضه فيه إسحاق ، فبقي العتابي متعجبا ، ثم قال : يا أمير المؤمنين ، أتأذن في مسألة هذا الشيخ عن اسمه ، قال : نعم سله . فقال [لإسحاق]: [ ص: 192 ] يا شيخ ، من أنت ، وما اسمك؟ فقال : أنا من الناس ، واسمي كل بصل فتبسم العتابي ، ثم قال : أما النسب فمعروف ، وأما الاسم فمنكر فقال له إسحاق : إنما قل إنصافك ، أتنكر أن يكون اسمي كل بصل ، واسمك كل ثوم ، وما كلثوم في الأسماء أو ليس البصل أطيب من الثوم؟ فقال له العتابي : لله درك ، ما أرجحك أيأذن لي أمير المؤمنين أن أصله بما وصلني به . فقال له المأمون : ذلك موفر عليك ، ونأمر له بمثله ، فقال له إسحاق أما إذ أقررت بهذه فتوهمني تجدني . فقال له : ما أظنك إلا إسحاق الموصلي الذي يتناهى إلينا خبره ؟ قال : أنا حيث ظننت ، وأقبل عليه بالتحية والسلام ، فقال له المأمون وقد طال الحديث بينهما - أما إذا اتفقتما على المودة فانصرفا . فانصرف العتابي إلى منزل إسحاق فأقام عنده .

وقد روينا أن العتابي دخل على عبد الله بن طاهر فأنشده :


حسن ظني وحسن ما عودني الله     سواء منك الغداة أتى بي
أي شيء يكون أحسن من     حسن يقين حدا إليك ركابي

فأمر له بصلة ، ثم دخل عليه من الغد فأنشده :


ودك يكفيني في حاجتي     ورويتي كافية عن سؤالي
وكيف أخشى الفقر ما عشت لي     وإنما كفاك رأس مالي

فأمر له بجائزة ، ثم دخل عليه في اليوم الثالث فأنشده :


بهجات الشباب يخلقها الدهر     وثوب الثناء غض جديد
[ ص: 193 ] فاكسني ما يبيد أيدك الله     فإني أكسوك ما لا يبيد

فأجازه وخلع عليه ، وكان قد سعي بالعتابي إلى الرشيد [وطلبه] فأخفاه جعفر بن يحيى وجعل يصلح قلب الرشيد عليه حتى آمنه فقال :


ما زلت في غمرات الموت منطرحا     قد ضاق عني فسيح الأرض من حيلي
فلم تزل دائبا تسعى بلطفك لي     حتى اختلست حياتي من يد الأجل

1164 - القاسم بن الرشيد .

سماه الرشيد المؤتمن ، وخطب له بالخلافة بعد الأمين والمأمون ، وعقد فيما عقد له أن الأمر إذا صار إلى المأمون كان أمر المؤمنين مفوضا إليه ، إن شاء أقره وإن شاء [عزله] واستبدل به من أراد من أخوته وولده ، فلما صار الأمر إلى المأمون خلعه المأمون في سنة ثمان وتسعين ، وكتب بخلعه إلى الآفاق وترك الدعاء له على المنابر . [ ص: 194 ]

وتوفي المؤتمن ببغداد في [صفر] هذه السنة ، وله خمس وثلاثون سنة ، وحضره المأمون وصلى عليه .

1165 - محمد بن إسماعيل [بن يوسف ، أبو إسماعيل السلمي ] الترمذي .

سمع محمد بن عبد الله الأنصاري ، وأبا نعيم وقبيصة ، وغيرهم ، وكان ثقة فهما متقنا مشهورا بمذاهب السنة ، سكن بغداد وحدث بها ، فروى عنه : أبو بكر بن أبي الدنيا ، وابن صاعد ، والمحاملي ، وروى عنه : أبو عيسى الترمذي ، وأبو عبد الرحمن النسائي في كتابيهما . وقال أبو بكر الخلال : هو رجل ثقة كثير العلم .

قال [ابن] المنادي : توفي بمدينتنا لأيام مضت من رمضان سنة ثمان ومائتين .

1166 - مسلم بن الوليد ، أبو الوليد الأنصاري ، مولى أسعد بن زرارة الخزرجي .

[شاعر] قدم على الرشيد ومدحه ، فسماه صريع الغواني ، لقوله :


هل العيش إلا أن تروح مع الصبا     وتغدو صريع الكأس والأعين النجل

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا أبو بكر [أحمد] بن علي ، أخبرنا أبو بكر التنوخي ، أخبرنا محمد بن عبد الرحيم المازني ، حدثنا أبو بكر بن الأنباري ، حدثنا أبو الحسن البراء عن شيخ له قال : قال مسلم بن الوليد ثلاثة أبيات تناهى فيها وزاد على كل الشعراء : أمدح بيت ، وأرثى بيت ، وأهجى بيت . وأما المدح : فقوله : [ ص: 195 ]


تجود بالنفس إذ ضن البخيل بها     والجود بالنفس أقصى غاية الجود

وأما الهجاء : فقوله :


قبحت مناظره فحين خبرته     حسنت مناظره بقبح المخبر

وأما الرثاء ، فقوله :


أرادوا ليخفوا قبره عن عدوه     فطيب تراب القبر دل على القبر

وبلغنا أن أعرابيا دخل على ثعلب فقال له : أنت الذي يزعم [الناس] أنك أعلم الناس بالأدب؟ قال : كذا يزعمون قال : أنشدني أرق بيت قالته العرب وأسلمه . فقال : قول جرير


إن العيون التي في طرفها مرض     قتلتنا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به     وهن أضعف خلق الله إنسانا

فقال : هذا شعر رث ، قد لاكه السفهاء بألسنتها ، هات غيره . فقال ثعلب :

أفدنا من عندك قال : قول مسلم بن الوليد صريع الغواني :


نبارز أبطال الوغى فنصدهم     وتقتلنا في السلم لحظ الكواعب
وليست سهام الحرب تفني نفوسنا     ولكن سهام فوقت في الحواجب

فقال ثعلب اكتبوها على المحاجر ولو بالخناجر .

1167 - معاذ بن المثنى [بن معاذ] ، أبو المثنى العنبري .

سكن بغداد ، وحدث بها عن مسدد ، والقعنبي ، روى عنه : صاعد بن مخلد ، وكان ثقة . [ ص: 196 ]

توفي في ربيع الأول من هذه السنة ، ودفن في مقابر باب الكوفة إلى جنب الكديمي .

1168 - أبو معاوية الأسود ، واسمه : اليمان .

أخبرنا أبو بكر العامري قال : أخبرنا ابن أبي صادق قال أخبرنا ابن باكويه قال : حدثنا عبد العزيز بن الفضل ، حدثنا محمد بن أحمد المروروذي ، حدثنا عبد الله بن سليمان ، حدثنا نصير بن الفرج قال : كان معاوية قد ذهب بصره ، وكان إذا أراد أن يقرأ فتش المصحف وفتحه فيرد الله عليه بصره ، فإذا أطبق المصحف ذهب بصره .

أخبرنا ابن ناصر قال : أخبرنا علي بن محمد العلاف ، أخبرنا أبو الحسن الحمامي ، أخبرنا إسماعيل بن علي الخطابي ، حدثنا أبو علي الحسين بن الفهم قال : سمعت يحيى بن معين يقول : رأيت أبا معاوية الأسود وهو يلتقط الخرق من المزابل فيلفقها ويغسلها ، فقيل له : يا أبا معاوية ، إنك تكسى . فقال : ما ضرهم ما أصابهم في الدنيا جبر الله لهم بالجنة كل مصيبة .

1169 - يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، أبو يوسف الزهري .

[سكن بغداد ، و] حدث عن أبيه عن شعبة ، روى عنه : أحمد ، ويحيى ، وعلي ، وأبو خيثمة . [ ص: 197 ]

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي ، أخبرنا الأزهري ، حدثنا محمد بن العباس ، حدثنا أحمد بن معروف ، حدثنا الحسين بن فهم ، حدثنا محمد بن سعد . قال : يعقوب بن إبراهيم بن سعد كان ثقة مأمونا ، تقدم على أخيه في الفضل والورع والحديث ، ثم لم يزل ببغداد ثم خرج إلى الحسن بن سهل - وهو بفم الصلح - فلم يزل معه حتى توفي هناك في شوال سنة ثمان ومائتين ، وكان أصغر من أخيه سعد بأربع سنين .

1170 - يونس بن محمد بن مسلم ، أبو مسلم المؤدب .

سمع الحمادين والليث . روى عنه : أحمد ، وعلي ، وأبو خيثمة ، وكان ثقة صدوقا .

توفي في صفر هذه السنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية