صفحة جزء
[ ص: 265 ] ثم دخلت سنة خمس عشرة ومائتين

فمن الحوادث:

أن المأمون شخص من بغداد لغزو الروم في يوم السبت لثلاث بقين من المحرم ، وكان ارتحاله من الشماسية إلى البردان يوم الخميس [بعد] صلاة الظهر لست بقين من المحرم ، واستخلف حين رحل عن بغداد عليها إسحاق بن إبراهيم بن مصعب ، وولاه مع ذلك السواد وحلوان وكور دجلة ، فلما صار المأمون بتكريت قدم عليه محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب [كرم الله وجهه] من المدينة في صفر ، فأجازه ، وأمره أن يدخل بابنته أم الفضل ، وكان زوجها منه ، فأدخلت عليه في دار أحمد بن يوسف التي على شاطئ دجلة ، فأقام بها .

فلما جاءت أيام الحج خرج بأهله وعياله حتى أتى مكة ، ثم أتى منزله بالمدينة ، فأقام بها ثم سلك المأمون طريق الموصل ، حتى صار إلى منبج ، ثم إلى دابق ، ثم إلى أنطاكية ، ثم إلى المصيصة ، ثم خرج منها إلى طرسوس ، ثم دخل إلى [ ص: 266 ] بلاد الروم ، للنصف من جمادى الأولى ، فافتتح حصنا فمن على أهله ، ثم أقام على حصن فتحه عنوة ، وأمر بهدمه ، وذلك يوم الأحد لأربع بقين من جمادى الأولى ووجه أشناس إلى حصن ، فأتاه برئيسه ، ووجه عجيفا إلى صاحب حصن سنان ، فسمع وأطاع ، وشخص المأمون إلى دمشق .

وولى علي بن هشام محاربة الخرمية ، وندب عيسى بن يزيد الجلودي في هذه السنة إلى محاربة الزط ، وهم أول من سكن البطائح ، والبطائح هي مغيض دجلة والفرات ، وهما نهرا العراق ، وكان الزط سبعة وعشرين ألفا ومائتين ، منهم المقاتلة اثنا عشر ألفا فلما استوطنوا البطائح قطعوا الطريق ومنعوا المجتازين ما بين البصرة وواسط ، فاستغاث الناس إلى المأمون ، فندب إليهم عيسى بن يزيد ، فجرت بينهم وبينه وقائع ، ولم يظفر منهم بطائل ، فاستظهروا عليه ، وعادوا إلى ما كانوا عليه من الفساد ، وقطع الطريق ، فندب المأمون غيره ، فلم يظفر منهم بشيء .

أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت: أخبرنا جعفر بن أحمد السراج قال: حدثنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري قال: حدثنا المعافى بن زكريا قال: حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن مالك النحوي قال: حدثنا يحيى بن أبي حماد ، عن أبيه قال: وصفت للمأمون جارية بكل ما توصف به امرأة من الكمال والجمال ، فبعث في شرائها ، فأتي بها ، فلما هم ليلبس درعه [ذكرها و] [ ص: 267 ] خطرت بباله ، فأمر فأخرجت إليه ، فلما نظر إليها أعجب بها وأعجبت به ، فقالت: ما هذا؟ قال: أريد الخروج إلى بلاد الروم . قالت: قتلتني والله يا سيدي ، وحدرت دموعها على خدها كنظام اللؤلؤ ، وأنشدت تقول:


سأدعو دعوة المضطر ربا يثيب على الدعاء ويستجيب     لعل الله أن يكفيك حربا
ويجمعنا كما تهوى القلوب

فضمها المأمون إلى صدره ، وأنشأ متمثلا يقول:


فيا حسنها إذ يغسل الدمع كحلها     وإذ هي تدري الدمع منها الأنامل
صبيحة قالت في العتاب قتلتني     وقتلي بما قالت هناك تحاول

ثم قال لخادمه: يا مسرور ، احتفظ بها ، وأكرم محلها ، وأصلح لها كل ما تحتاج إليه من المقاصير والخدم والجواري إلى وقت رجوعي ، فلولا قول الأخطل:


قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم     دون النساء ولو باتت بأطهار

وخرج فلم يزل يتعاهدها ، ويصلح لها ما أمر به ، فاعتلت الجارية علة شديدة أشفق عليها منها ، وورد نعي المأمون ، فلما بلغها ذلك تنفست الصعداء وماتت .

وحج بالناس في هذه السنة عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن محمد .

التالي السابق


الخدمات العلمية