صفحة جزء
ذكر طرف من أخباره وسيرته

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرني [ ص: 28 ] الحسن بن علي الصيمري ، أخبرنا محمد بن عمران بن موسى قال: أخبرني علي بن هارون قال: أخبرني عبيد الله بن أبي طاهر ، عن أبيه قال: ذكر ابن أبي دؤاد المعتصم يوما فأسهب في ذكره ، وأكثر من وصفه ، وأطنب في فضله ، وذكر من سعة أخلاقه وكرم أعراقه ، ولين جانبه ، وكرم جميل عشرته ، قال: وقال لي يوما وقد كنا بعمورية: ما تقول يا أبا عبد الله في البسر؟ فقلت: يا أمير المؤمنين ، نحن ببلاد الروم والبسر بالعراق ، قال: [وقد] وجهت إلى مدينة السلام فجاءوني بكباستين ، وقد علمت أنك تشتهيه ، ثم قال: يا إيتاخ ، هات إحدى الكباستين . فجاء بكباسة بسر ، فمد ذراعه وقبض عليها بيده ، وقال: كل بحياتي عليك من يدي . فقلت: جعلني الله فداك يا أمير المؤمنين ، بل بعضها ، فآكل كما أريد . قال: لا والله إلا من يدي . فو الله ما زال حاسرا ذراعه ، ومادا يده وأنا أجتني من العذق حتى رمى به خاليا ما فيه بسرة . قال:

وكنت كثيرا ما أزامله في سفره ذلك إلى أن قلت له يوما: يا أمير المؤمنين ، لو زاملك بعض مواليك وبطانتك واسترحت مني إليهم مرة ، ومنهم إلي أخرى ، فإن ذلك أنشط لقلبك ، وأطيب لنفسك وأرشد لراحتك؟ قال: فإن سيما الدمشقي يزاملني اليوم ، فمن يزاملك أنت؟ قلت: الحسن بن يونس . قال: فأنت وذاك . قال: فدعوت بالحسن فزاملني ، وتهيأ أن ركب بغلا ، فاختار أن يكون منفردا ، قال: وجعل يسير بسير بعيري ، فإذا أراد أن يكلمني رفع رأسه ، وإذا أردت أن أكلمه خفضت رأسي ، فانتهينا إلى واد [لم] نعرف غور مائه ، وقد خلفنا العسكر وراءنا ، فقال لرحالي: مكانك حتى [أتقدم] فأعرف غور الماء ، وأطلب قلته ، واتبع أنت مسيري . قال: وتقدم رجل فدخل الوادي ، وجعل يطلب [قلة] الماء وتبعه المعتصم ، فمرة ينحرف عن يمينه [ ص: 29 ] وأخرى عن شماله ، وتارة يمضي لسننه ونتبع أثره حتى قطعنا الوادي .

أخبرنا أبو منصور القزاز [قال: أخبرنا أبو بكر] الخطيب قال: أخبرني الصيمري قال: أخبرنا محمد بن عمران قال: حدثنا علي بن عبد الله قال: أخبرني الحسن بن علي العباسي ، عن علي بن الحسين الإسكافي قال: قال لنا ابن أبي دؤاد:

كان المعتصم يخرج ساعده إلي ، ويقول: يا أبا عبد الله ، عض ساعدي بأكثر قوتك . فأقول: [والله] يا أمير المؤمنين ما تطيب نفسي بذلك . فيقول افعل فإنه لا يضرني . فأروم ذلك ، فإذا هو لا تعمل فيه الأسنة [فضلا عن الأسنان] وانصرف يوما من دار المأمون إلى داره ، وكان شارع الميدان منتظما بالخيم فيها الجند ، فمر المعتصم بامرأة تبكي وتقول: ابني ابني . وإذا بعض الجند قد أخذ ابنها . فدعاه المعتصم وأمره أن يرد ابنها عليها ، فأبى ، فاستدناه فدنا منه ، فقبض عليه بيده ، فسمع صوت عظامه ، ثم أطلقه من يده فسقط وأمر بإخراج الصبي إلى أمه . . أوقد بلغنا أن امرأة مسلمة ببلاد الروم أسرت في حرب جرت بينهم [وبين المسلمين] ، فجعلت تنادي: وا معتصماه . فلما بلغه ذلك قال على فوره: لبيك لبيك . وتقدم فركب من ساعته وهو يقول: لبيك لبيك . فلحقه الناس حتى دخل أرض الروم ، وأنقذ المرأة ونكأ في الروم .

قال الفضل بن مروان: لم يكن في المعتصم أن يلتذ بتزيين البناء وكان غايته فيه إحكام ، ولم يكن بالنفقة في شيء أسمح منه بالنفقة في الحرب .

التالي السابق


الخدمات العلمية