صفحة جزء
[كانت ظلمة شديدة بين الظهر والعصر وامتحان المعتصم أحمد بن حنبل]

وفي هذه السنة: كانت ظلمة شديدة [بين الظهر والعصر] . وفي رمضان [من] هذه السنة امتحن المعتصم أحمد [بن حنبل] فضربه بين يديه بعد أن حبسه مدة ، ووطن أحمد نفسه على القتل ، فقيل له: إن عرضت على القتل تجيب قال: لا . ولقيه خالد الحداد فشجعه ، وقال له: إني ضربت في غير الله فصبرت ، فاصبر أنت إن ضربت في الله عز وجل ، وكان خالد يضرب المثل بصبره ، فقال له المتوكل: ما بلغ من جلدك؟ فقال: أملئ لي جراب عقارب ، ثم أدخل يدي فيه ، وإنه ليؤلمني ما يؤلمك ، وأجد لآخر سوط من الألم ما أجد لأول سوط ، ولو وضعت في [ ص: 43 ] فمي خرقة وأنا أضرب لاحترقت من حرارة ما يخرج من جوفي ، ولكني وطنت نفسي على الصبر ، فقال له الفتح: ويحك! مع هذا اللسان والعقل ، ما يدعوك إلى ما أنت فيه من الباطل؟! قال: أحب الرئاسة ، فقال المتوكل: ونحن خليفة ، فقال له رجل: يا خالد ، ما أنتم لحوم ودماء فيؤلمكم الضرب؟ قال: بلى ، يؤلمنا ولكن معنا عزيمة صبر ليست معكم . وقال داود بن علي: لما قدم بخالد اشتهيت أن أراه ، فمضيت إليه فوجدته جالسا غير ممكن لذهاب [لحم] إليتيه من الضرب ، وإذا حوله فتيان ، فجعلوا يقولون ضرب فلان وفعل بفلان ، فقال: لم تتحدثون عن غيركم؟! افعلوا أنتم حتى يتحدث عنكم .

قصة ضرب الإمام أحمد رضي الله عنه

أخبرنا محمد بن أبي منصور قال: أخبرنا أبو الحسن بن أحمد الفقيه ، أنبأنا عبيد الله بن أحمد ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن عبيد الله الكاتب ، حدثنا أبو علي الحسن بن محمد بن عثمان القسري قال: حدثني داود بن عرفة قال: حدثنا ميمون بن الأصبع قال: كنت ببغداد فسمعت ضجة ، فقلت: ما هذا؟ قالوا: أحمد بن حنبل يمتحن ، فدخلت فلما ضرب سوطا ، قال: بسم الله ، فلما ضرب الثاني قال: لا حول ولا قوة إلا بالله ، فلما ضرب الثالث قال: القرآن كلام الله غير مخلوق ، فلما ضرب الرابع قال: لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ، فضرب تسعا وعشرين سوطا [وكانت تكة أحمد حاشية ثوب ، فانقطعت ، فنزل السراويل إلى عانته] فرمى أحمد بطرفه إلى السماء ، وحرك شفتيه ، فما كان بأسرع من أن بقي السراويل [كأن] لم ينزل ، فدخلت إليه بعد سبعة أيام ، فقلت: يا أبا عبد الله ، رأيتك تحرك شفتيك ، فأي شيء قلت؟ قال: [ ص: 44 ]

قلت: اللهم إني أسألك باسمك الذي ملأت به العرش ، إن كنت تعلم أني على الصواب فلا تهتك لي سترا .

وفي رواية أخرى: أنه ضرب ثمانية عشر سوطا . وفي رواية: ثمانين سوطا . ولما بالغوا في ضربه ولم يجب أظهروا أنه قد عفي عنه وترك .

أخبرنا ابن ناصر قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال: أخبرنا عبيد الله بن عمر بن شاهين قال: حدثنا أبي قال: سمعت عثمان بن عبد ربه يقول: سمعت إبراهيم الحربي يقول: أحل أحمد بن حنبل من حضر ضربه وكل من شايع فيه والمعتصم ، وقال: لولا أن ابن أبي دواد داعية لأحللته .

وحج بالناس في هذه السنة: صالح بن العباس بن محمد .

التالي السابق


الخدمات العلمية