صفحة جزء
[غضب المعتصم على وزيره الفضل بن مروان]

وفي هذه السنة: غضب المعتصم على وزيره الفضل بن مروان ، وأخذ منه ما قيمته عشرة آلاف ألف دينار ، وكان الفضل في أول أمره متصلا برجل من العمال يكتب له ، وكان حسن الخط ، ثم صار مع كاتب للمعتصم يقال له يحيى الجرمقاني ، فلما مات الجرمقاني صار الفضل في موضعه ، ثم ترقى إلى الوزارة ، وصارت الدواوين كلها تحت يده ، وحل من المعتصم محلا زائدا في الحد ، فحملته الدالة على أن كان المعتصم يأمره بإعطاء المغني والملهي فلا ينفذ ذلك ، فثقل على المعتصم ، إلى أن أمر لرجل بشيء فلم يعطه الفضل ، فلما كان بعد مدة ، قال الرجل بالمداعبة للمعتصم:

ما لك من الخلافة إلا الاسم ، وإنما الخليفة الفضل . قال: ولم ؟ قال: لأن أمرك لا ينفذ [تأمره بإعطاء المغني والملهي فلا ينفذ ذلك ، وأمرت لي بكذا منذ مدة فما أعطيت . فتغير المعتصم للفضل ، فصير أحمد بن عمار الخراساني زماما عليه في نفقات الخاصة ، ونصر بن منصور بن بسام زماما عليه في الخراج وجميع الأعمال ، وكان محمد بن عبد الملك الزيات يتولى عمل الفساطيط وآلة الجمازات وكان يلبس الدراعة السوداء ، فقال له الفضل: إنما أنت تاجر فما لك والسواد؟!

أخبرنا محمد بن أبي طاهر قال: أخبرنا علي بن المحسن ، عن أبيه قال: حدثني أبو الحسن أحمد بن يوسف ، عن الأزرق قال: حدثني غير واحد من مشايخ الكتاب: [ ص: 56 ]

أن المعتصم قال: أريد صرف عبيد الله بن سليمان عن الوزارة منذ دهر ، فإذا فكرت في أني أصرفه ضاع من ارتفاعي فيما بين صرفه وولاية وزير آخر خمسمائة ألف دينار فلم أصرفه ، قال المحسن: هذا وإنما كان في يد المعتصم قطعة من الدنيا بل قطعة يسيرة ، عما كان في يد غيره من الخلفاء .

ويحقق هذا الرأي ما بلغنا في أيام المعتصم أنه أنكر على الفضل بن مروان شيئا وهو يتقلد ديوان الخراج ، فأنفذ إليه محمد بن عبد الملك الزيات برسالة قبيحة ، وكانت بينهما عداوة ، فجاء محمد حتى وقف على باب الديوان [راكبا لم ينزل] وقال: قولوا له معي رسالة من أمير المؤمنين فليخرج [إلي] حتى أؤديها إليه ، فجاء الغلمان فعرفوه وهو جالس يعمل ، وفي حجره منديل ودواته مفتوحة ، والعمال بين يديه والكتاب ، فترك ذلك وخرج ، وقال لمحمد: قل . قال: وتبعه الناس [في خروجه] ، فقال له محمد بين أيديهم وهو راكب ولم ينزل: إن أمير المؤمنين يقول لك كيت وكيت ، وانصرف ودخل الفضل ولم يبن عليه تغير ولا اضطراب ، وعاد فعمل ، وركب في الليل إلى الخليفة فقال: يا أمير المؤمنين ، ديوان الخراج سلة خبزك ، ومعاملي فيه مع من يطمع فيك ، وفي مالك ، وباليسير تنخرق الهيبة ، وقد جرى اليوم ما أذهب منك [فيه] خمس مائة ألف دينار ، قال: وما هو؟ قال: جاء محمد بن عبد الملك إلى باب الديوان وبحضرتي العمال الذين عليهم الأموال ، وخلفاء العمال الذين في النواحي ، وأنا أطالبهم ، فلم ينزل إلي ، وأخرجني إليه ، وأدى إلي الرسالة ظاهرا وهم يسمعون ، فعدت وقد تقاعدني من كان يريد الأداء ، وكتب إلى العمال بذلك ، فتوقفوا عن حمل ما يريدون حمله ، ووقع الإرجاف بصرفي ، فوقف علي من الارتفاع خمس مائة ألف دينار ، وهي الآن كالتالف . فقال: ولم أدى الرسالة ظاهرا وما أمرته بذلك؟!

[ ص: 57 ]

فقال: لما بيننا من العداوة . فقال له المعتصم: امض لشأنك ، فقد زال ما [كان] في نفسي عليك وسأبلغك فيه ما تحب .

قال المصنف: ثم إن المعتصم خرج إلى القاطول ، فغضب على الفضل وأهل بيته وأمرهم برفع ما جرى على أيديهم ، وأخذ الفضل يعمل حسابه ثم حبسه وحبس أصحابه ، ثم نفاه إلى قرية في طريق الموصل يقال لها السن ، وصير مكانه محمد بن عبد الملك الزيات ، فصار محمد وزيرا ، وجرى على يديه عامة ما بنى المعتصم بسامراء ، ولم يزل في مرتبته ، إلى أن استخلف المتوكل .

وحج بالناس في هذه السنة: صالح بن العباس بن محمد .

التالي السابق


الخدمات العلمية