صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

1289 - الأفشين الأمير الكبير ، واسمه حيدر بن ساووس .

وقد سبقت أخباره ، وأنه اتهم بدين المجوسية ، واتهم بأنه أراد قتل المعتصم ، [ ص: 112 ] وأن ينقل الملك إلى الأعاجم ، وأن المعتصم غضب عليه ، وحبسه وقيده ، فبقي مدة ثم مات في هذه السنة .

وقيل: بل قتله وصلبه بإزاء بابك ، وذلك في شوال هذه السنة .

وقال أبو بكر الصولي: مات في الحبس ، وصلب بعد ذلك بباب العامة في شعبان ، وأحضرت أصنام كانت حملت إليه من أشروسنة ، فضربت بالنار ، وطرح الأفشين فيها ، فأحرق وذري [وذلك في شعبان] .

1290 - عبد الجبار بن سعيد بن سليمان بن نوفل بن ماحق .

ولي إمرة المدينة مرة بعد مرة ، وولي قضاءها للمأمون ، وكان أجمل قرشي وأحسنه وجها ، وأجوده لسانا ، وتوفي وهو شيخ قريش في هذه السنة . وكان قد بلغ ثلاثا وثمانين سنة ، وكان آخر ولد سعيد لأنهم انقرضوا .

1291 - علي بن الحكم [أبو الحسن] المروزي .

سمع أبا عوانة ، وابن المبارك ، والمبارك بن فضالة ، وغيرهم ، روى عنه أحمد بن حنبل ، والبخاري في الصحيح .

وتوفي في هذه السنة .

1292 - عنان .

مولدة من مولدات اليمامة ، وبها نشأت وتأدبت ، واشتراها النطاف ورباها ، وكانت صفراء جميلة الوجه شكلة ، سريعة البديهة في الشعر ، تجاوب فحول الشعراء ، جاءها رجل فقال: أجيزي :


وما زال يشكو الحب حتى حسبته تنفس من أحشائه أو تكلما

[ ص: 113 ] فقالت :


ويبكي فأبكي رحمة لبكائه     إذا ما بكى دمعا بكيت له دما

وكان الرشيد قد طلبها من مولاها ، فقال: لا أبيعها بأقل من مائة ألف ، فبعث الرشيد فأحضرها ، ثم ردها ، فتصدق الناطفي لما رجعت بثلاثين ألف درهم ، فلما مات مولاها أخرجت إلى السوق ، فبلغ بها مسرور مائتي ألف درهم ، فزاد رجل واشتراها ، وأخرجها إلى خراسان ، فماتت هناك .

1293 - غسان بن الربيع بن منصور ، أبو محمد الغساني الأزدي .

من أهل الموصل ، سمع حماد بن سلمة ، روى عنه أبو يعلى الموصلي . وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن إبراهيم الحربي ، وكان نبيلا فاضلا ورعا .

توفي بالموصل في هذه السنة .

1294 - يحيى بن يحيى بن بكير بن عبد الرحمن ، أبو زكريا التميمي المنقري .

من ولد قيس بن عاصم المنقري . وقال البخاري: ويقال: هو مولى بني منقر من بني سعد .

سمع من مالك ، والليث بن سعد ، وابن لهيعة وغيرهم ، وكان عالما خيرا ورعا ، وكان ابن راهويه يقول: ما رأيت مثل يحيى بن يحيى ، وما رأى مثل نفسه .

أنبأنا إسماعيل بن أحمد قال: أنبأنا أبو القاسم يوسف بن الحسن التفكري قال: سمعت أبا علي الحسن بن علي بن بندار الريحاني يقول: كان يحيى بن يحيى يحضر مجلس مالك ، فانكسر قلمه ، فناوله المأمون قلما من ذهب - أو مقلمة من ذهب -

[ ص: 114 ]

فلم يقبل ، فقال له المأمون: ما اسمك؟ قال: يحيى بن يحيى النيسابوري قال: تعرفني؟ قال: نعم ، أنت المأمون ابن أمير المؤمنين ، قال: فكتب المأمون على ظهر جزوة : ناولت يحيى بن يحيى النيسابوري قلما في مجلس مالك فلم يقبله ، فلما أفضت الخلافة إليه بعث إلى عامله بنيسابور يأمره أن يولي يحيى بن يحيى القضاء ، فبعث إليه يستدعيه ، فقال بعض الناس له : تمتنع من الحضور ، وليته أذن للرسول ، فأنفذ إليه كتاب المأمون ، فقرئ عليه ، فامتنع من القضاء ، فرد إليه ثانيا ، وقال: إن أمير المؤمنين يأمرك بشيء وأنت من رعيته ، وتأبى عليه ، فقال: قل لأمير المؤمنين: ناولتني قلما وأنا شاب فلم أقبله ، أفتجبرني [الآن] على القضاء وأنا شيخ .

فرفع الخبر إلى المأمون ، فقال: قد علمت امتناعه ، ولكن ول القضاء رجلا يختاره ، فبعث إليه العامل في ذلك ، فاختار رجلا فولي القضاء ، ودخل على يحيى وعليه سواد ، فضم يحيى فرشا كان جالسا عليه كراهية أن يجمعه وإياه ، فقال: أيها الشيخ ، ألم تخترني ؟ قال: إنما قلت اختاروه ، وما قلت لك تقلد القضاء .

أخبرنا زاهر بن طاهر قال: أخبرنا أحمد بن الحسين البيهقي ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم قال: سمعت أبا سعيد بن أبي بكر بن أبي عثمان يقول: سمعت فاطمة بنت إبراهيم بن عبد الله السعدية تقول: سمعت فاطمة امرأة يحيى بن يحيى تقول: قام يحيى مرة لورده ، فلما فرغ منه قعد يقرأ ، إذ سمعت جلبة فقال لي: تعرفوا ما هذه الجلبة؟ فنظرنا فإذا العسكر والمشاعل وهم يقولون: الأمير عبد الله بن طاهر يزور أبا زكريا . فعرفناه الخبر ، وكان ابن طاهر يشتهي أن يراه ، فما كان بأسرع من أن استأذنوا عليه ففتحنا ، فدخل الأمير عبد الله بن طاهر وحده ، فلما قرب من أبي زكريا وسلم ، قام إليه والمصحف في يده ، ثم رجع إلى قراءته حتى ختم السورة [ ص: 115 ] التي كان افتتحها ، ثم وضع المصحف ، واعتذر إلى الأمير وقال: لم أشتغل [عنه] تهاونا بحقه ، إنما كنت افتتحت سورة فختمتها ، فقعد عبد الله ساعة يحدثه ، ثم قال له: ارفع إلينا حوائجك ، فقال: قد [والله] وقعت لي حاجة في الوقت ، فقال: مقضية ما كانت؟ فقال: قد كنت أسمع محاسن وجه الأمير ولا أعاينها إلا ساعتي هذه ، وحاجتي إليك أن لا ترتكب ما يحرق هذه المحاسن بالنار . فأخذ الأمير عبد الله بن طاهر في البكاء حتى قام وهو يبكي .

توفي يحيى بن يحيى في [صفر] هذه السنة ، وهو ابن أربع وثمانين سنة .

أنبأنا زاهر بن طاهر ، قال: أنبأنا أبو بكر البيهقي ، أنبأنا الحاكم أبو عبد الله [النيسابوري] قال: سمعت أبا الحسن محمد بن الحسن السراج الزاهد - وكان شديد العبادة - قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنام كأنه قد أقبل ، إلى أن وقف على قبر يحيى بن يحيى وتقدم ، وصف خلفه جماعة من أصحابه ، فصلى عليه ، ثم التفت إلى أصحابه فقال: هذا القبر لأمان لأهل هذه المدينة . وقد روى عن يحيى بن يحيى خمس طبقات من كبار العلماء .

فالطبقة الأولى: إسحاق بن راهويه ، ومحمد بن رافع ، وعلي بن غنام ، ومحمد بن أسلم ، ومحمد بن يحيى الذهلي ، ونظراؤهم .

والطبقة الثانية: أحمد بن الأزهر العبدي ، وإبراهيم بن عبد الله السعدي ، ويحيى بن محمد الذهلي ونظراؤهم .

والطبقة الثالثة: مسلم بن الحجاج ، وسليمان بن داود ، وإسماعيل بن قتيبة السلمي ، ونظراؤهم . [ ص: 116 ]

والطبقة الرابعة: زكريا بن داود الخفاف ، وعصمة بن إبراهيم الزاهد ، وإبراهيم بن علي الذهلي ، ونظراؤهم .

والطبقة الخامسة: إسماعيل بن الحجاج الميداني ، ويحيى بن عبد الله بن سليمان ، والحسن بن معاذ ، ونظراؤهم .

وقد روى عنه أئمة البلدان ، منهم: إبراهيم بن إسماعيل العنبري إمام عصره بطرسوس ، ومحمد بن مشكان إمام عصره بسرخس ، وعبد المجيد بن إبراهيم القاضي إمام عصره ببوشنج ، وعثمان بن سعيد الدارمي إمام عصره بهراة ، ومحمد بن الفضل البلخي إمام عصره ببلخ ، ومحمد بن نصر المروروذي إمام عصره بسمرقند ، ومحمد بن إسماعيل البخاري إمام عصره ببخارى ، ومحمد بن عبد الله بن أبي عرابة إمام عصره بالشاش ، ومحمد بن إسحاق الشافعي إمام عصره بأبيورد ، وحميد بن زنجويه إمام عصره بنسا . [ ص: 117 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية