صفحة جزء
باب ذكر خلافة الواثق

اسمه هارون بن المعتصم ، ويكنى أبا جعفر ، ولد بطريق مكة سنة تسعين ومائة ، وأمه أم ولد [رومية] تسمى قراطيس ، وكان أبيض يعلوه صفرة ، وقيل: كان مشربا بحمرة ، جميلا ربعة ، حسن الجسم ، قاتم العين ، فيها نكتة بياض .

بويع الواثق بسامراء يوم توفي المعتصم ، وذلك يوم الأربعاء لثمان ليال خلون من ربيع الأول سنة سبع وعشرين .

أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بن أحمد بن علي ، حدثنا أحمد بن علي المقرئ ، أخبرنا علي بن أبي قيس قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي الدنيا قال: بويع هارون بن محمد في اليوم الذي توفي فيه أبوه المعتصم بسامراء ، وهو يومئذ ابن تسع وعشرين سنة ، وورد رسوله بغداد يوم الجمعة على إسحاق بن إبراهيم ، فلم يظهر ذلك ، ودعا للمعتصم على منبري بغداد وهو ميت ، فلما كان من الغد يوم السبت ، أمر إسحاق بن إبراهيم الهاشمي والقواد والناس بحضور دار أمير [ ص: 120 ] المؤمنين فحضروا ، فقرأ كتابه على الناس بنعي أبيه ، وأخذ البيعة ، فبايع الناس .

ذكر طرف من أخباره وسيرته

أنبأنا [أبو منصور] عبد الرحمن بن محمد قال أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال: حدثني الحسن بن أبي طالب ، حدثني أحمد بن محمد بن عروة حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثني علي بن محمد قال: سمعت خالي أحمد بن حمدون يقول: دخل هارون بن زياد - مؤدب الواثق - على الواثق ، فأكرمه وأظهر من بره ما شهر به ، فقيل له: من هذا يا أمير المؤمنين الذي فعلت به ما فعلت؟ قال: هذا أول من فتق لساني بذكر الله ، وأدناني من رحمة الله عز وجل .

أخبرنا [أبو منصور] عبد الرحمن بن محمد [القزاز] قال أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال أخبرنا أبو منصور بن أبي جعفر الجيلي أخبرنا أحمد بن محمد بن عمران قال: أخبرنا محمد بن يحيى قال: سمعت الحسين بن فهم يقول: سمعت يحيى بن أكثم يقول: ما أحسن أحد إلى آل أبي طالب من خلفاء بني العباس ، ما أحسن إليهم الواثق ، ما مات وفيهم فقير .

قال محمد بن يحيى: وحدثني عنه عبد الله بن المعتز ، حدثنا عبد الله بن هارون النحوي ، عن محمد بن عطية قال: قال محمد بن المهتدي: كنت أمشي مع [ ص: 121 ] الواثق في صحن داره فقال لي: يا محمد ، ادع [لي] بدواة وقرطاس ، فدعوت له ، فقال: اكتب . فكتبت:


تنح عن القبيح ولا ترده ومن أوليته حسنا فزده     ستكفى من عدوك كل كيد
إذا كاد العدو ولم تكده

ثم قال: اكتب:


هي المقادير تجري في أعنتها     فاصبر فليس لها صبر على حال

ثم فكر طويلا ، فلم يأته شيء [آخر] فقال: حسبك .

أخبرنا [أبو منصور] عبد الرحمن بن محمد قال: [أخبرنا أبو بكر] أحمد بن علي قال: أخبرني علي بن أيوب القمي [أخبرنا أبو عبد الله المرزباني ، أخبرني محمد بن يحيى حدثنا علي بن محمد بن نصر بن بسام ، حدثني خالي أحمد بن حمدون قال:] كان بين الواثق وبين بعض جواريه شيء ، فخرج كسلان ، فلم أزل أنا والفتح [بن خاقان] نحتال لنشاطه ، فرآني أضاحك الفتح بن خاقان ، فقال: قاتل الله العباس بن الأحنف؛ حيث يقول:


عدل من الله أبكاني وأضحككم     فالحمد لله عدل كل ما صنعا
اليوم أبكي على قلبي وأندبه     قلب ألح عليه الحب فانصدعا
[ ص: 122 ] للحب في كل عضو لي على حدة     نوع تفرق عنه الصبر واجتمعا

فقال الفتح: أنت والله يا أمير المؤمنين في وضع التمثل موضعه أشعر منه [وأعلم] وأظرف .

قال المصنف: كان الواثق قد أعاد الامتحان في القرآن ، وحمله ابن أبي دواد على التشدد في ذلك ، وقد قيل إن الواثق تاب من القول بخلق القرآن قبل موته ، والله أعلم .

[أخبرنا أبو منصور ، أخبرنا أبو بكر ، أخبرني عبيد الله بن أبي الفتح ، أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن الحسن ، حدثنا إبراهيم بن الحسن بن محمد بن عرفة ، حدثني حامد بن العباس ، عن رجل ، عن المهتدي ، أن الواثق مات وقد تاب من القول بخلق القرآن] .

وحج بالناس في هذه السنة جعفر بن المعتصم .

التالي السابق


الخدمات العلمية