صفحة جزء
[ ص: 196 ] ذكر من توفي في هذه السنة من الأعيان

1362 - إسحاق بن إبراهيم ، أبو موسى .

هروي الأصل ، سمع هشيما ، وابن عيينة .

روى عن : البغوي ، أثنى عليه أحمد ، وقال يحيى : هو ثقة .

وتوفي في هذه السنة .

1363 - بهلول بن صالح بن عمر بن عبيدة ، أبو الحسن التجيبي ، ثم العرزمي .

حدث عن مالك بن أنس وغيره .

وروى عنه أبو عبد الله بن فروخ عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن أبيه قال :

قلت لعبد الله بن عباس [يا ] معشر قريش أخبروني عن هذا الكتاب العربي ، هل كنتم تكتبونه قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟

قال : نعم . قلت : وممن أخذتموه ؟

قال : من حرب بن أمية ، قلت : وممن أخذه حرب [بن أمية ؟ ] قال : من عبد الله بن جدعان ، قلت : وممن أخذه عبد الله بن جدعان ؟ قال : من أهل الأنبار ؟

قلت : وممن أخذه أهل الأنبار ؟ قال : من طارئ طرأ عليهم من أهل اليمن ، من كندة ، قلت : وممن أخذه ذلك الطارئ ؟ قال : من الخلجان بن الوهم كاتب الوحي لهود النبي عليه السلام ، وهو الذي يقول :


أفي كل عام سنة تحدثونها ورأي على غير الطريق يغير [ ص: 197 ]     وللموت خير من حياة تسبنا
بها جرهم فيمن تسب وحمير

توفي بهلول في هذه السنة .

1364 - عبد الجبار بن عاصم ، أبو طالب النسائي .

سكن بغداد ، وحدث بها عن إسماعيل بن عياش ، وغيره . وروى عنه : حنبل والبغوي وغيره ، وكان ثقة صدوقا . توفي في ربيع الآخر من هذه السنة .

1365 - محمد بن سماعة بن عبيد الله بن هلال بن وكيع بن بشر ، أبو عبد الله التميمي . كان أحد أصحاب الرأي .

وولي القضاء بمدينة المنصور [إلى أن ] عزله المأمون .

وحدث عن الليث [بن سعد ] ، وأبي يوسف القاضي ، ومحمد بن الحسن ، وهو من الحفاظ الثقات .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا أحمد [بن علي ] بن ثابت ، أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي ، أخبرنا أبو الطيب محمد بن زيد التميمي ، أخبرنا أبو زيد المقرئ ، أخبرنا [أبو ] الحسين زيد بن محمد ، حدثنا جعفر بن دهقان ، حدثنا محمد بن عمران الضبي ، قال : سمعت محمد بن سماعة القاضي قال : مكثت أربعين سنة لم تفتني التكبيرة الأولى إلا يوما واحدا ماتت فيه أمي ، ففاتني [فيه ] صلاة [ ص: 198 ] واحدة في جماعة ، فقمت فصليت خمسا وعشرين صلاة أريد بذلك التضعيف فغلبتني عيني ، فأتاني آت فقال : يا محمد قد صليت خمسا وعشرين صلاة ولكن كيف [لك ] بتأمين الملائكة ؟ .

قال المصنف : كان ابن سماعة يصلي كل يوم مائتي ركعة .

توفي في شعبان هذه السنة عن مائة وثلاث سنين .

1366 - محمد بن عبد الملك بن أبان بن أبي حمزة ، أبو يعقوب ويعرف بابن الزيات

أصله من جبل ، وكان أبوه تاجرا من تجار الكرخ المياسير ، وكان يحثه على التجارة فيأبى إلا الكتابة وطلبها ، ثم شخص إلى الحسن بن سهل ، فمدحه بقصيدة ، فأعطاه عشرة آلاف درهم ، ثم اتصل بالمعتصم فرفع من قدره ووسمه بالوزارة ، ثم استوزره الواثق ، وكان أديبا فاضلا عالما بالنحو واللغة وله شعر مليح .

وقد وصف بلاغته البحتري ، فأخبرنا أبو منصور القزاز ، أخبرنا أحمد بن علي الحافظ ، أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد بن المظفر الدقاق ، أخبرنا محمد بن عمران المرزباني ، حدثني أبو الحسن علي بن هارون قال : أخبرني أبي قال : من بارع مديح البحتري قوله يصف بلاغة محمد بن عبد الملك الزيات :


في نظام من البلاغة ما شك     امرؤ أنه نظام فريد
ومعان لو فصلتها القوافي     لهجت شعر جرول ولبيد
حزن مستعمل الكلام اختيارا     وتجنبن ظلمة التعقيد
وركبن اللفظ القريب فأدركن     به غاية المراد البعيد
ونرى الخلق مجمعين على فضلك     من بين سيد ومسود
عرف العالمون فضلك بالعلم     وقال الجهال بالتقليد
صارم العزم حاضر الحزم ساري     الفكر ثبت المقام صلب العود
دق فهما وجل علما فأرضى الله     فينا والواثق بن الرشيد
[ ص: 199 ] لا يميل الهوى به حيث يمضي     الأمر بين المقل والممدود
سؤدد يصطفي ونيل يتوخى     وثناء يحيى ومال تؤدي
قد تلقيت كل يوم جديد     يا أبا جعفر بمجد جديد
وإذا استطرقت سيادة قوم     بنت بالسؤدد الطريف التليد

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا أحمد بن علي الحافظ قال : أخبرني أبو القاسم الأزهري ، أخبرنا عثمان بن عمرو المقرئ ، حدثنا جعفر بن محمد الخواص ، حدثني أحمد بن محمد الطوسي ، حدثني محمد بن علي الربيعي قال : سمعت صالح بن سليمان العبدي يقول : كان محمد بن عبد الملك الزيات يتعشق جارية من جواري القيان ، فبيعت من رجل من أهل خراسان ، فأخرجها ، قال : فذهل عقل محمد بن عبد الملك حتى خشي عليه ، فقال :


يا طول ساعات ليل العاشق الدنف     وطول رعيته للنجم في السدف
ماذا تواري ثيابي من أخي حرق     كأنما الجسم منه دفه الألف
ما قال يا أسفي يعقوب من كمد     إلا لطول الذي لاقى من الأسف
من سره أن يرى ميت الهوى دنفا     فليستدل على الزيات وليقف

قال المصنف : اتفقت أسباب لهلاك [ابن ] الزيات ، فمنها : أن الواثق كان قد استوزره وفوض الأمور إليه وكان الواثق قد غضب على أخيه جعفر المتوكل في بعض الأمور ، فوكل به عمر بن فرج الرخجي ، ومحمد بن العلاء الخادم يحفظانه ويكتبان بأخباره في كل وقت ، فصار جعفر إلى محمد بن عبد الملك يسأله أن يكلم أخاه الواثق [ ص: 200 ] ليرضى عنه ، فلما دخل عليه مكث واقفا بين يديه مليا لا يكلمه ، ثم أشار إليه أن اقعد فقعد ، فلما فرغ من نظره في الكتب ، التفت إليه كالمتهدد له ، فقال له : ما جاء بك ؟

قال : جئت أسأل أمير المؤمنين الرضا عني ، فقال لمن حوله : انظروا إلى هذا ، يغضب أخاه ، ويسألني أن أسترضيه ! اذهب فإنك إذا صلحت رضي عنك ، فقام جعفر كئيبا لما لقيه به ، فخرج ، فأتى عمر بن فرج يسأله أن يختم له صكه ليقبض أرزاقه ، فلقيه عمر بالخيبة ، وأخذ الصك ، فرمى به إلى صحن المسجد .

وكان أحمد بن أبي خالد حاضرا ، فقام لينصرف ، فانصرف معه جعفر ، فقال له :

رأيت ما صنع بي عمر ؟ فقال [له ] : جعلت فداك ! أنا زمام عليه ، وليس يختم صكي بأرزاقي إلا بعد الرفق والطلب ، فابعث إلي وكيلك ، فبعث إليه جعفر وكيله فدفع إليه عشرين ألف درهم ، وقال : أنفق هذه حتى يهيئ الله أمرك ، ثم صار جعفر من فوره إلى أحمد بن أبي دؤاد ، فدخل عليه ، فقام أحمد واستقبله على باب البيت [وقبله ] والتزمه ، وقال : ما حاجتك ، جعلت فداك ؟ ! قال : جئت لتسترضي أمير المؤمنين عني ، فقال : أفعل وكرامة ، فكلمه فوعده ، فلما كان يوم الحلبة أعاد الكلام عليه ، وقال فيه : بحق المعتصم يا أمير المؤمنين إلا رضيت عنه ! فرضي عنه وكساه .

وكان محمد بن عبد الملك قد كتب إلى الواثق : أتاني جعفر بن المعتصم يسألني أن أسأل أمير المؤمنين الرضا عنه في زي المخنثين له شعر [قفا ] . فكتب إليه الواثق :

ابعث إليه وأحضره ، ومر من يجز شعره ، واضرب به وجهه ، ففعل ذلك .

ثم لما ثقل الواثق أشار ابن عبد الملك بابن الواثق ، ثم كان بين ابن الزيات وأحمد بن أبي دؤاد عداوة شديدة ، فلما ولي المتوكل أغراه به ابن أبي دؤاد مع [ ص: 201 ] الأحقاد القديمة فتقدم إلى إيتاخ بالقبض عليه ، فأرسل إليه إيتاخ ، فلما دخل عليه أخذ سيفه وقلنسوته ودراعته ، فدفعها إلى غلمانه ، وقال : انصرفوا .

وبعث إلى داره ، فأخذ جميع ما فيها من متاع وجوار وغلمان ودواب ، وأمر أحمد بن أبي خالد بقبض ضياعه وضياع أهل بيته ، فكان الذي أخذ منه قيمته تسعون ألف دينار .

ثم قيد ، فامتنع عن الطعام وكثر بكاؤه ، ثم سوهر ، ومنع من النوم بمسلة ينخس بها ، ثم أمر بتنور من حديد فيه مسامير إلى داخله ، فأدخل فيه ، وهو الذي كان صنعه ليعذب به من يطالب بأمر .

فجعل يقول لنفسه : يا محمد بن عبد الملك ، لم تقنعك النعمة والدواب الفارهة والدار النظيفة ، وأنت في عافية حتى طلبت الوزارة ، ذق ما عملت بنفسك ! وكان لا يزيد على التشهد وذكر الله تعالى . وقد روينا أنه كان يقول : الرحمة خور في الطبيعة ما رحمت شيئا قط . فلما وضع في التنور قال : ارحموني ، قالوا له : وهل رحمت شيئا قط ؟

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا أحمد بن علي ، أخبرنا محمد بن عبد الواحد بن محمد ، أخبرنا محمد بن عبد الرحيم المازني ، حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي قال : سمعت القاسم بن ثابت الكاتب يقول : حدثني أبي قال : قال لي أحمد الأحول : لما قبض على محمد بن عبد الملك ، تلطفت في أن وصلت إليه ، فرأيته في حديد ثقيل ، فقلت : يعز علي ما أرى ، فقال :


سل ديار الحي ما غيرها     وعفاها ومحا منظرها
[ ص: 202 ] وهي الدنيا إذا ما انقلبت     صيرت معروفها منكرها
إنما الدنيا كظل زائل     نحمد الله كذا قدرها

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا أبو بكر [أحمد بن علي ] بن ثابت ، أخبرني الحسن بن أبي بكر ، أخبرني أبي ، أخبرنا أبو الطيب محمد بن الحسين اللخمي ، حدثني أبي قال : حدثني بعض أصحابه قال : لما حمل ابن الزيات في التنور الذي مات فيه ، كتب هذه الأبيات بفحمة :


من له عهد بنوم     يرشد الصب إليه
رحم الله رحيما     دل عيني عليه
سهرت عيني ونامت     عين من هنت عليه

قال المصنف : ومات في التنور ، وقيل : إنه أخرج فضرب فمات تحت الضرب ، والأول أثبت .

ولما مات طرح على باب ، فغسل عليه ، وحفر له ، ولم يعمق ، فذكر أن الكلاب نبشته ، فأكلت لحمه .

1367 - يحيى بن معين بن عون بن زياد بن بسطام ، وقيل : يحيى بن معين بن غياث بن زياد بن عون بن بسطام ، أبو زكريا المري من غطفان ، مولى لهم .

ولد سنة ثمان وخمسين ، وكان من أهل الأنبار . [ ص: 203 ]

سمع ابن المبارك ، وهشيما ، وعيسى بن يونس ، وسفيان بن عيينة ، وغيرهم .

روى عنه : أحمد بن حنبل ، وأبو خيثمة ، ومحمد بن سعد ، والبخاري وغيرهم .

وكان حافظا ثقة ثبتا متقنا . قال [علي ] بن المديني : انتهى علم الناس إلى يحيى بن معين .

أخبرنا أبو منصور القزاز قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال : أخبرنا أبو سعيد الماليني ، أخبرنا عبد الله بن عدي قال أخبرني شيخ كاتب ببغداد في حلقة أبي عمران الأشيب ذكر أنه ابن عم ليحيى بن معين قال : كان معين على خراج الري ، فمات ، فخلف لابنه يحيى ألف ألف درهم وخمسين ألف درهم ، فأنفقه كله على الحديث .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال : أخبرنا التنوخي قال : أخبرنا أبو نصر أحمد بن محمد بن إبراهيم البخاري ، حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حريث قال : سمعت أحمد بن سلمة يقول : سمعت أحمد بن رافع قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول : كل حديث لا يعرفه يحيى بن معين فليس هو بحديث .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، أخبرنا أبو سعيد الماليني ، أخبرنا عبد الله بن عدي ، حدثنا يحيى بن زكريا ، [حدثنا العباس ] بن إسحاق قال : سمعت هارون بن معروف يقول : قدم علينا بعض الشيوخ من الشام [ ص: 204 ] فكنت أول من بكر عليه ، فدخلت عليه فسألته أن يملي علي شيئا ، فأخذ الكتاب يملي علي فإذا أنا بإنسان يدق الباب ، فقال الشيخ : من هذا ؟ قال : أحمد بن حنبل .

فأذن له والشيخ على حاله والكتاب في يده ولم يتحرك ، فإذا بآخر يدق الباب ، فقال الشيخ : من هذا ؟ قال : أحمد الدورقي ، فأذن له والشيخ على حاله والكتاب في يده لا يتحرك ، وإذا بداق يدق الباب ، فقال الشيخ : من هذا ؟ قال عبد الله بن الرومي ، فأذن له والشيخ على حاله والكتاب في يده لا يتحرك ، فإذا بآخر يدق الباب ، فقال الشيخ من هذا ؟ قال : أبو خيثمة زهير بن حرب ، فأذن له والشيخ على حاله والكتاب في يده لا يتحرك ، فإذا بآخر يدق الباب ، فقال الشيخ : من هذا ؟ قال يحيى بن معين .

قال : فرأيت الشيخ ارتعدت يده وسقط الكتاب منها .

توفي يحيى بن معين بالمدينة في ذي القعدة من هذه السنة وهو ذاهب إلى الحج .

وروي أنه خرج من المدينة ، فرأى في المنام قائلا يقول : أترغب عن جواري ؟

فرجع ، فأقام ثلاثا ، ومات وحمل على سرير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ونودي بين يديه : هذا الذي ينفي الكذب عن حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ودفن بالبقيع ، وكان قد بلغ ستا وسبعين سنة إلا أياما . [ ص: 205 ]

ورثاه بعض المحدثين فقال :


ذهب العليم بعيب كل محدث     وبكل مختلف من الإسناد
وبكل وهم في الحديث ومشكل     يعيى به علماء كل بلاد

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا [أحمد بن علي ] الخطيب قال :

سمعت الأزهري قال : سمعت محمد بن الحسن الصيرفي قال حدثنا أبو أحمد بن المهتدي بالله قال : حدثني الحسين بن الخصيب قال : حدثني حبيش بن مبشر . قال :

رأيت يحيى بن معين في النوم فقلت : ما فعل الله بك ؟ قال : أدخلني عليه في داره ، وزوجني ثلاثمائة حورية ، ثم قال للملائكة : انظروا إلى عبدي كيف تطرى وحسن ؟ .

أخبرنا أبو منصور [عبد الرحمن بن محمد ] القزاز ، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، أخبرنا أبو منصور محمد بن عيسى بن عبد العزيز حدثنا صالح بن أحمد الحافظ قال : سمعت أبا عبد الله محمد بن عبد الله يقول : سمعت أبي يقول : خلف يحيى من الكتب مائة قمطر ، وأربعة عشر قمطرا ، وأربعة حباب شرابية مملوءة [كتبا ] .

1368 - [أم عيسى بنت موسى الهادي . زوجة المأمون . ماتت في هذه السنة . [ ص: 206 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية