صفحة جزء
ثم دخلت سنة أربع وثلاثين ومائتين

فمن الحوادث فيها :

[مرض المتوكل ]


أن المتوكل مرض في هذه السنة ، فأرجف عليه ، فقيل لابن البعيث : إنه قد توفي ، فهرب إلى قلعة له حصينة .

وقيل : بل كان في الحبس ، فأفلت إلى تلك القلعة ، وأتاه من يريد الفتنة ، فاجتمع إليه جماعات كثيرة ، وبعث إليه المتوكل جيشا بعد جيش ، فلم يقدروا عليه ، حتى كتب بالأمان لأصحابه ، فنزل كثير منهم ، وخرج هو مستخفيا ، فأسر وجيء به فحبس .

[إظهار المتوكل السنة ونشر الحديث ]

[وفي هذه السنة : أظهر المتوكل السنة ونشر الحديث ] .

أخبرنا [أبو منصور ] القزاز ، أخبرنا [أبو بكر بن ثابت ] الخطيب قال :

أخبرني الأزهري ، أخبرنا أحمد بن إبراهيم ، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال : [ ص: 207 ]

سنة أربع وثلاثين ومائتين ، فيها : أشخص المتوكل الفقهاء والمحدثين ، وكان فيهم مصعب الزبيري ، وإسحاق بن أبي إسرائيل ، وإبراهيم بن عبد الله الهروي ، وعبد الله وعثمان ابنا محمد بن أبي شيبة وكانا من حفاظ الناس ، فقسمت بينهم الجوائز ، وأجريت عليهم الأرزاق ، وأمرهم المتوكل أن يجلسوا للناس ، وأن يحدثوا بالأحاديث التي فيها الرد على المعتزلة والجهمية وأن يحدثوا بالأحاديث في الرؤية ، فجلس عثمان بن أبي شيبة في مدينة المنصور ، ووضع له منبر ، فاجتمع عليه نحو من ثلاثين ألفا . وجلس أبو بكر بن أبي شيبة في مجلس الرصافة ، فاجتمع عليه نحو من ثلاثين ألفا .

أخبرنا [عبد الرحمن بن محمد ] القزاز أخبرنا [أحمد بن علي بن ثابت ] الخطيب قال : قرأت في كتاب عمر بن محمد بن الحسن البصري ، عن [محمد بن يحيى ] الصولي . قال : في سنة أربع وثلاثين ومائتين ، نهى المتوكل عن الكلام في القرآن ، وأشخص الفقهاء والمحدثين إلى سامراء ، منهم : محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، وابنا أبي شيبة ، ومصعب الزبيري ، وأمرهم أن يحدثوا ووصلهم .

أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد ] ، أخبرنا أحمد بن علي قال : حدثني الحسن بن محمد الخلال ، حدثنا عبد الواحد بن علي قال : قال أبو صالح عبد الرحمن بن سعيد الأصبهاني قال أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل : سمعت محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب يقول : استأذنت المتوكل أن أرجع إلى البصرة ، ولوددت أني لم أكن أستأذنه كنت أكون في جواره . [قلت : وكيف ؟ ] قال : اشهد على [ ص: 208 ] أني جعلت دعائي في المشاهد كلها للمتوكل ، وذلك أن صاحبنا عمر بن عبد العزيز جاء الله به فرد المظالم ، وجاء الله بالمتوكل فرد الدين .

[عزل عبيد الله بن أحمد عن القضاء ]

وفي هذه السنة : عزل عبيد الله بن أحمد عن القضاء وولي الوابصي .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال : أخبرنا علي بن المحسن ، أخبرنا طلحة بن محمد بن جعفر قال : عزل المتوكل عبيد الله بن أحمد بن غالب في سنة أربع وثلاثين واستقضى عبد السلام بن عبد الرحمن بن صخر ، ويعرف بالوابصي ، وذلك أنه من ولد وابصة بن معبد ، وكان قبل ذلك على قضاء الرقة ، وكان أهل بغداد قد ضجوا من أصحاب ابن أبي دؤاد وقالوا : لا يلي علينا إلا من نرضى به ، فكتب المتوكل العهد مطلقا ليس عليه اسم أحد ، وأنفذه من سامراء مع يعقوب قوصرة أحد الحجاب الكبار ، وقال : احضر عبد السلام والشيوخ ، واقرأ العهد ، فإذا رضوا به قاضيا وقع على العهد اسمه ، فقدم ففعل ذلك ، فقال الناس : ما نريد إلا الوابصي ، فوقع على الكتاب اسمه ، وحكم في وقته بالرصافة .

وفي هذه السنة : حج إيتاخ ، وكان هو والي مكة والمدينة والموسم ، ودعي له على المنبر .

وكان إيتاخ طباخا لرجل ، فاشتراه منه المعتصم ، فرفعه ومن بعده الواثق ، حتى ضم إليه أعمالا من أعمال السلطان .

وكان من أراد المعتصم أو الواثق قتله سلمه إلى إيتاخ ، فلما ولي المتوكل [ ص: 209 ] كان في تلك الرتبة ، وإليه الجيش والأتراك والموالي والحجابة ودار الخلافة .

ثم أرسل إليه المتوكل من يشير عليه بالاستئذان في الحج ، ففعل فأذن له ، وصيره أمير كل بلد يدخلها ، فحين خرج صيرت الحجابة إلى وصيف ، وذلك يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة فلما رجع من الحج استصفى ماله وحبس وضرب ومات في الحبس . [وقيل : هذه القصة كانت في سنة ثلاث وثلاثين ] .

[ابتدئ ببناء الجامع بسامراء ]

وفي هذه السنة : ابتدئ ببناء الجامع بسامراء .

[هبوب ريح شديدة وسموم لم يعهد بمثلها ]

وفيها : هبت ريح شديدة وسموم لم يعهد بمثلها ، فاتصل ذلك نيفا وخمسين يوما ، وشمل ذلك البصرة والكوفة وبغداد وواسط وعبادان والأهواز ، وقتلت المارة والقوافل ، ثم مضت إلى همذان ، وركدت عليها عشرين يوما ، فأحرقت الزرع ، ثم مضت إلى الموصل فخرجت عليهم من قرية سنجار ، فأهلكت ما مرت به ، ثم ركدت بالموصل فمنعت الناس من الانتشار وعطلت الأسواق ، وزلزلت هراة ومطرت مطرا شديدا ، حتى سقطت الدور ، وكان ذلك من أول الليل إلى الصباح .

[خلع المتوكل على إسحاق بن إبراهيم ]

وفيها : خلع المتوكل على إسحاق بن إبراهيم وعقد له اللواء ، فسار في موكب عظيم . قال إبراهيم بن عرفة : فزعموا أنه مر في موكبه ، فقال قائل : من هذا ؟ فقالت امرأة هناك : هذا رجل سقط من عين الله فبلغ به ما ترون ! فسئل عنها ، فقالوا : هي أخت بشر بن الحارث ، أو امرأة من أهله .

وحج بالناس في هذه السنة محمد بن داود بن عيسى [بن موسى ] . [ ص: 210 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية