صفحة جزء
1513 - محمد المنتصر بن المتوكل على الله:

اختلفوا في سبب موته على خمسة أقوال:

أحدها: أنه أخذته الذبحة في حلقه [ ص: 16 ] يوم الخميس لخمس بقين من ربيع الأول . [فمات مع صلاة العصر يوم الأحد لخمس خلون من ربيع الآخر] . وقيل: يوم السبت لأربع خلون منه فمات مع صلاة العصر .

والثاني: أنه أصابه ورم في معدته فصعد إلى فؤاده ، فمات ، وكان مرضه ذلك ثلاثة أيام .

والثالث: أنه وجد حرارة فأمر بعض الأطباء أن يفصده ، ففصده بمبضع مسموم فكانت فيه منيته ، وأن الطبيب رجع إلى منزله فوجد حرارة فأمر تلميذا له بفصده فأعطاه مباضعه وفيها المبضع المسموم ونسي أن يخرجه منها ، ففصده به ، فهلك الطبيب .

والرابع: أنه احتجم فسمه الحجام في محاجمه ، وسبب ذلك أنه كان يكثر ذكر المتوكل ويقول: هؤلاء الأتراك قتلة الخلفاء . فخافوا منه فجعلوا لخادم له ثلاثين ألف دينار على أن يحتال في سمه ، وجعلوا للطبيب جملة ، وكان المنتصر يحب الكمثرى ، فعمد الطبيب إلى كمثراة كبيرة نضيجة فأدخل في رأسها خلالا ثقبها به إلى ذنبها ، ثم سقاها سما ، وجعلها الخادم في أعلى الكمثرى الذي قدمها له ، فلما رآها أمره أن يقشرها له ويطعمه إياها ، فأطعمه إياها ، فوجد فترة ، فقال للطبيب: أجد حرارة ، [ ص: 17 ] فقال: احتجم ، فهذا من غلبة الدم . وقدر أنه إذا احتجم قوي عليه السم ، فحجم فحم وقويت عليه ، فخافوا أن يطول مرضه ، فقال الطبيب: يحتاج إلى الفصد ، ففصده بمبضع مسموم ، ثم ألقاه الطبيب في مباضعه ، واحتاج الطبيب إلى الفصد ففصد به . فمات .

والخامس: أنه وجد في رأسه علة فقطر الطبيب في أذنه دهنا فورم رأسه ، فعولج فمات . وما زال الناس يقولون: كانت خلافته ستة أشهر ، مدة شيرويه بن كسرى قاتل أبيه ، وكان يقول عند موته: ذهبت الدنيا والآخرة .

وتوفي وهو ابن خمس وعشرين سنة وستة أشهر ، وقيل: ابن أربع وعشرين بسامراء ودفن بها .

[أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، أخبرنا عبد العزيز بن علي قال: حدثنا محمد بن أحمد المفيد ، حدثنا أبو بشر الدولابي قال: أخبرني علي بن الحسين بن علي ، عن عمر بن شبة قال: أخبرني أحمد بن الخصيب قال: أخبرني] جعفر بن عبد الواحد قال: دخلت على المنتصر [بالله] فقال لي: يا جعفر ، لقد عوجلت ، فما أسمع بأذني ، ولا أبصر بعيني ، وكان في مرضه الذي مات فيه .

1514 - مهنا بن يحيى ، أبو عبد الله .

شامي الأصل ، من كبار أصحاب أبي عبد الله أحمد بن حنبل ، صحبه ثلاثا وأربعين سنة ، رحل في صحبته إلى عبد الرزاق . وسمع من عبد الرزاق وجماعة ، وكان يجترئ على أحمد ما لا يجترئ عليه غيره ، ويضجره بالمسائل ، [ ص: 18 ] وهو يحتمله ، وكتب عنه عبد الله بن أحمد بضعة عشر جزءا من مسائله لأبيه لم تكن عند غيره .

قال الدارقطني: مهنا ثقة ضابطا ثبتا . وقد حكى أبو بكر الخطيب [أن أبا الفتح الأزدي] قال: مهنا منكر الحديث .

قال المصنف: وينبغي أن يتشاغل الأزدي بنفسه عن الجرح لغيره ، فإنه مجروح عند الكل ، فكيف يحتج بقوله فيمن اتفق على مدحه الثقات؟! والعجب أن الخطيب يذكر أن أبا الفتح وضع حديثا ، ثم يذكر طعنه فيمن قد وثقه الدارقطني ، ولكن دسائس الخطيب الباردة التي لا تخفى في أصحاب أحمد معروفة .

1515 - هارون بن موسى بن ميمون ، أبو موسى الكوفي:

كان فقيها على مذهب أبي حنيفة وكان يعرف: بالجبل ، وكانت له بمصر حلقة في جامعها . وكتب عنه .

توفي بمصر في هذه السنة .

1516 - عابد العباداني

أخبرنا إسماعيل بن أحمد السمرقندي ، أخبرنا محمد بن هبة الله الطبري ، أخبرنا [ ص: 19 ] علي بن محمد بن بشران [قال:] أخبرنا الحسين بن صفوان .

وحدثنا عبد الله بن محمد القرشي قال: حدثني أبو عبد الله التميمي [قال] حدثنا مسلم بن زرعة بن حماد أبو المرضي -شيخ بعبادان له عبادة وفضل- قال: ملح الماء [عندنا] منذ نيف وستين سنة ، وكان ها هنا رجل من أهل الساحل له فضل ، قال: ولم يكن في الصهاريج شيء ، فحضرت المغرب فهبطت لأتوضأ للصلاة من النهر ، وذلك في رمضان ، وحر شديد ، فإذا أنا به وهو يقول: سيدي رضيت عملي حتى أتمنى عليك ، أم رضيت طاعتي حتى أسألك ، سيدي غسالة الحمام لمن عصاك كثيرة ، سيدي لولا أني أخاف غضبك لم أذق الماء ، ولقد أجهدني العطش . قال: ثم أخذ بكفه فشرب شربا صالحا ، فعجبت من صبره على ملوحته ، فأخذت من الموضع الذي أخذ فإذا هو بمنزلة السكر ، فشربت حتى رويت .

قال أبو المرضي: فقال لي هذا الشيخ يوما: رأيت فيما يرى النائم كأن رجلا يقول لي: قد فرغنا من بناء دارك لو رأيتها لقرت عيناك ، وقد أمرنا بتخدها والفراغ منها إلى سبعة أيام ، واسمها السرور ، فأبشر بخير . فلما كان يوم السابع وهو يوم الجمعة بكر للوضوء ، فنزل في النهر وقد مد فزلق فغرق ، فأخرجناه بعد الصلاة ، فدفناه .

قال أبو المرضي: فرأيته بعد ثالثة في النوم وهو يجيء إلى القنطرة وهو يكبر وعليه حلل خضر ، فقال لي: يا أبا المرضي ، أنزلني الكريم في دار السرور ، فماذا أعد لي فيها؟ فقلت له: صف لي . فقال: هيهات يعجز الواصفون عن أن تنطق ألسنتهم بما فيها ، فاكتسب مثل الذي اكتسبت ، فليت عيالي يعلمون أن قد هيئ لهم منازل معي ، فيها كل ما اشتهت أنفسهم ، نعم [وإخواني] وأنت معهم إن شاء الله . ثم انتبهت .

[ ص: 20 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية