صفحة جزء
باب ذكر خلافة المعتمد على الله عز وجل

واسمه: أحمد بن جعفر المتوكل [على الله] بن المعتصم بن الرشيد ، ويكنى أبا العباس . ولد بسامراء سنة تسع وعشرين ومائتين [في أولها] ، وأمه أم ولد رومية ، يقال لها: فتيان ، وكان أسمر رقيق اللون أعين خفيفا ، لطيف اللحية ، جميلا ، بويع يوم الثلاثاء لأربع عشرة ليلة بقيت من رجب هذه السنة ، فولى الوزارة عبد الله بن يحيى بن خاقان .

وللمعتمد أشعار حسان منها قوله:


طال والله عذابي واهتمامي واكتئابي بغزال من بني الأصفر لا يغنيه ما بي     أنا مغرى بهواه وهو مغرى بعذابي
فإذا ما قلت صلني كان لا منه جوابي

وله:


عجل الحب بفرقه فبقلبي منه حرقه     ما لك بالحب رقي وأنا أملك رقه
إنما يستروح الصب إذا أظهر عشقه



[ ص: 104 ] ذكر طرف من سيرته

أخبرنا [محمد] بن ناصر [قال:] أخبرنا علي بن أحمد البسيري ، عن أبي عبد الله بن بطة ، حدثنا أبو حفص عمر بن أحمد بن شهاب ، حدثنا إبراهيم بن عبد السلام [قال:] حدثنا إسماعيل بن عبيد الله العسكري قال: كنا عند المعتمد أمير المؤمنين بسامراء في رمضان ، فلما أمسينا دعا بتمر فأفطر على تمرة ، ثم ناول من حضر تمرة تمرة ، ثم قال: حدثني أبي [قال:] حدثنا أحمد بن حنبل ، عن عبد الرزاق ، عن جعفر بن سليمان ، عن ثابت ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يفطر قبل أن يصلي على رطبات ، فإن لم يجد فتمرات ، فإن لم يجد تمرات حسا حسوات من ماء .

ثم قال: سمعت أبي يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن وهب بن منبه قال: إن الصائم يزيغ بصره ، فإذا أفطر على الحلاوة رجع إليه بصره .

وروى أبو بكر الصولي قال: حدثني أحمد بن يزيد المهلبي قال: حدثني أبي قال: كنا مرة بين يدي المعتمد ، فجعل يخفق نعاسا ، وقال: لا يبرحن أحد . ثم نام مقدار نصف ساعة ، وانتبه فقال: أحضروني من الحبس رجلا يعرف بمنصور الجمال ، فأحضر ، فقال: منذ كم أنت محبوس؟ فقال: منذ ثلاث سنين . قال: فأصدقني عن خبرك؟ قال: أنا رجل من أهل الموصل ، كان لي جمل أحمل عليه وأعود بكراه على عائلتي ، فضاق بالموصل المكسب ، فقلت: أخرج إلى سامراء ، فإن العمل فيها كثير ، فخرجت ، فلما قربت منها إذا جماعة من الجند قد ظفروا بقوم [ ص: 105 ] يقطعون الطريق قد كتب صاحب البريد بعددهم ، وكانوا عشرة ، فأعطاهم واحد من العشرة مالا على أن يطلقوه ، فأطلقوه وأخذوني مكانه ، وأخذوا جملي ، فسألتهم بالله وعرفتهم خبري ، فأبوا وحبسوني ، فمات بعض القوم ، وأطلق بعضهم ، وبقيت وحدي .

فقال المعتمد: أحضروني خمس مائة دينار . فجاءوا بها . فقال: ادفعوها إليه [قال:] فأخذها ، وأجرى عليه ثلاثين دينارا في كل شهر ، وقال: اجعلوا أمر جمالنا إليه ، ثم أقبل علينا ، وقال: رأيت الساعة النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: يا أحمد ، وجه الساعة إلى الحبس فأخرج منصورا الجمال وأحسن إليه فإنه مظلوم . ففعلت ما رأيتم ، ثم نام من وقته فانصرفنا .

أخبرنا أبو بكر بن عبد الباقي [قال:] أخبرنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي ، عن أبيه قال ، حدثني أبو محمد الصلحي قال: حدثنا أبو علي الكاتب الأترحي قال: حدثني أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمدان قال:

انصرف جلساء المعتمد على الله ليلة عنه ، وانصرفت إلى حجرة مرسومة لي في الدار أختص بها ، فلما انتصف الليل وأنا نائم إذا أنا بالخدم يدقون باب حجرتي ويوقظونني بشدة ، فانزعجت فقالوا: أجب أمير المؤمنين . فأجبت وأنا مذعور ، وقلت: إنا لله بلاء تجدد ، فلما صرت بحضرته قائما لم يستجلسني وقال: يا غلام صاحب الشرطة ، الساعة قمت فزعا . فحضر ، فقال له: في حبسك رجل يقال له فلان بن فلان الجمال؟ فقال له: نعم . قال: أحضره . فحضر . فقال له المعتمد: [ ص: 106 ] بأي شيء تعرف؟ قال: أنا فلان بن فلان الجمال . قال: منذ كم حبست؟ قال: منذ كذا وكذا . قال: في أي شيء؟ قال: مظلوم . قال: فاشرح لي قصتك . قال: أنا رجل من أهل الجبل ، وكان يتقلدنا فلان بن فلان إلى الأمير ، فاستدعي إلى الحضرة يسخر جمالي ، فتظلمت إليه فلم ينفع ، فخرجت أمشي وراء الجمال إلى أن قربنا من حلوان ، فسل الأكراد منها جملا محملا ، فضربني مقارع كثيرة وقيدني ، فقلت: ما ذنبي؟ قال: أنت سرقت جملك وأخذت ما كان عليه . فقلت: غلمانك يعلمون أن الأكراد سلوه ، فقال: الأكراد ما جاءوا إلا بمواطأتك ثم أمر [بي] فحملت على بعض الجمال مقيدا ، فلما وردت هذا البلد طرحني في الحبس ، وملك الجمال ، فقال: يا فلان ، فحضر بعض الخدم ، فقال: امض الساعة إلى الأمير فلان واقعد على دماغه ، ولا تبرح أو يرد جمال هذا عليه ، أو قيمتها على ما يقوله الجمال ، وادفع ذلك إليه ، وقال للخادم: ادفع إلى هذا الجمال كذا وكذا دينارا أو كسوة ، وأدخله الحمام ، وأطعمه واسقه ، ثم قال لصاحب الشرطة: لا تعرض له .

ثم قال له: في حبسك فلان بن فلان الحداد؟ قال: نعم . قال: هاته . فأحضره ، فقال: ما قصتك؟ قال: أنا رجل حبست ظلما منذ كذا وكذا سنة . قال: وما كان سبب حبسك؟ فقص قصة طويلة . فقال لصاحب الشرطة: خل عنه ، وقال للخادم: خذه فغير من حاله ، وأطعمه واسقه ، وأدخله الحمام واكسه ، وادفع إليه كذا وكذا دينارا .

وقال للشرطي: انصرف ، ثم رفع [ ص: 107 ] رأسه وقال: الحمد لله الذي وفقني لهذا الفعل يا ابن حمدان . فقلت: كيف تكلف أمير المؤمنين النظر في هذا الأمر بنفسه في مثل هذا الوقت ، وانزعج من نومه؟ فقال: ويحك! جاءني رجل الساعة في النوم صفته كيت وكيت ، فقال: في حبسك رجلان مظلومان يقال لأحدهما فلان بن فلان الجمال ، والآخر فلان بن فلان الحداد ، فأطلقهما وأنصفهما من خصومهما ، وأحسن إليهما . فانتبهت مذعورا ، ولعنت إبليس ، وصليت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتحولت إلى الجانب الآخر وقمت فرأيت الشخص بعينه ، فقال لي: ويلك! آمرك أن تطلق رجلين محبوسين مظلومين من حبسك قد طال حبسهما ، وأن تنصفهما من خصومهما ولا تفعل ، وترجع إلى نومك؟ [لقد] هممت أن أفعل بك . قال: وكاد يمد يده إلي .

فقلت: يا هذا ، ارفق بي وقل لي من أنت؟ قال: [أنا] محمد رسول الله [قال:] فكأني [قد] قبلت يده ، وقلت: يا رسول الله ، ما عرفتك . ولو كنت عرفتك ما تجاسرت على مخالفتك . قال: فقم فعجل في أمرهما الساعة كما أمرتك . فانتبهت فاستدعيتك لتشاهد ما يجري ، [ ص: 108 ] وطلبت صاحب الشرطة ، فجرى ما رأيت . فدعوت له وعظمت في نفسه ما جرى ، وقلت: هذه عناية من رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أمير المؤمنين ، ومنة من الله عليه ، فليشكر الله . فقال: امض فقد أزعجتك . فمضيت إلى حجرتي .

ولخمس بقين من رجب: دخل الزنج إلى الأبلة ، فقتلوا فيها خلقا كثيرا ، منهم: عبد الله بن حميد الطوسي ، وأحرقوها .

وفي هذا الشهر: قدم سعيد بن صالح المعروف [بالحاجب] من قبل السلطان لحرب الزنج ، واستسلم أهل عبادان لصاحب الزنج ، فسلموا إليه حصنهم ، وذلك أنهم رأوا ما فعل بأهل الأبلة ، فضعفت قلوبهم ، وخافوا على أنفسهم ، فأعطوا بأيديهم ، فدخلها أصحابه فأخذوا من كان فيها من العبيد والسلاح ، ودخلوا الأهواز ، فهرب أهلها ، فدخلوا فأحرقوا وقتلوا ، ونهبوا وأخربوا ، وذلك يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من رمضان ، فانزعج أهل البصرة لذلك ، ورعبوا رعبا شديدا ، وانتقل أكثر أهلها عنها .

وفي هذه السنة: ظهر بالكوفة علي بن زيد الطالبي ، فبعث إليه [الشاه بن ميكال في] عسكر كثيف ، فهزمهم ، ووثب محمد بن واصل بن إبراهيم التيمي من أهل فارس ورجل من أكرادها يقال له: أحمد بن الليث بعامل فارس فقتلاه .

وفيها: شخص موسى بن بغا لإحدى عشرة ليلة خلت من شوال من سامراء إلى الري ، وشيعه المعتمد .

[وحج بالناس في هذه السنة أحمد بن عيسى بن المنصور] .

[ ص: 109 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية