فصل 
واعلم أن 
مذهبهم ظاهره الرفض ، وباطنه الكفر ، ومفتتحه حصر مدارك العلوم في قول الإمام المعصوم ، وعزل العقول أن تكون مدركة للحق ، لما يعترضها من الشبهات ،  
[ ص: 295 ] والمعصوم يطلع من جهة الله تعالى على جميع أسرار الشرائع ، ولا بد في كل زمان من إمام معصوم يرجع إليه . هذا مبدأ دعوتهم . 
ثم يبين أن غاية مقصدهم نقض الشرائع ، لأن سبيل دعوتهم ليس متعينا في واحد ، بل يخاطبون كل فريق بما يوافق رأيه ، لأن غرضهم الاستتباع . وقد ثبت عنهم أنهم يقولون بإلهين قديمين لا أول لوجودهما من حيث الزمان ، إلا أن أحدهما علة لوجود الثاني ، واسم العلة السابق ، واسم المعلول التالي ، وأن السابق خلق العالم بواسطة التالي ، لا بنفسه ، وقد يسمون الأول عقلا ، والثاني نفسا ، والأول تاما ، والثاني ناقصا ، والأول لا يوصف بوجود ، ولا عدم ، ولا موصوف ، ولا غير موصوف . فهم يومئون إلى النفي ، لأنهم لو قالوا معدوم ما قبل منهم ، وقد سموا هذا النفي تنزيها . 
ومذهبهم في النبوات قريب من مذهب 
الفلاسفة  ، وهو أن النبي عبارة عن شخص فاضت عليه من العقل السابق بواسطة الثاني قوة قدسية صافية ، وأن 
جبريل  عبارة عن العقل الفائض عليه ، لا أنه شخص ، وأن القرآن هو تعبير 
محمد  عن المعارف التي فاضت عليه من العقل ، فسمي كلام الله مجازا ، لأنه مركب من جهته ، وهذه القوة الفائضة على النبي ، لا تفيض عليه في أول أمره ، وإنما تتربى كنطفة . 
واتفقوا على أنه لا بد في كل عصر من أمام معصوم قائم بالحق ، يرجع إليه في تأويل الظواهر ، وحل الإشكال في القرآن والأخبار ، وأنه يساوي النبي في العصمة ، ولا يتصور في زمان واحد إمامان ، بل يستظهر الإمام بالدعاة ، وهم الحجج ، ولا بد للإمام من اثني عشر حجة ، أربعة منهم لا يفارقونه . 
وكلهم أنكر القيامة ، وقالوا : هذا النظام وتعاقب الليل والنهار ، وتولد الحيوانات لا ينقضي أبدا ، وأولوا القيامة بأنها رمز إلى خروج الإمام ، ولم يثبتوا الحشر ولا النشر ،  
[ ص: 296 ] ولا الجنة ولا النار ، ومعنى المعاد عندهم عود كل شيء إلى أصله ، قالوا : فجسم الآدمي يبلى ، والروح إن صفت بمجانبة الهوى ، والمواظبة على العبادات ، وغذيت بالعلم سعدت بالعود إلى وطنها الأصلي ، وكمالها بموتها ، إذ به خلاصها من ضيق الجسد . 
وأما النفوس المنكوسة المغموسة في عالم الطبيعة المعرضة عن طلب رشدها من الأئمة المعصومين ، فإنها أبدا في النار على معنى أنها تتناسخ في الأبدان الجسمانية ، وكلما فارقت جسدا تلقاها آخر ، واستدلوا بقوله تعالى : 
كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها وأكثر مذاهبهم يوافق 
الثنوية  والفلاسفة  في الباطن ، والروافض في الظاهر ، وغرضهم بهذه التأويلات انتزاع المعتقدات الظاهرة ، من نفوس الناس ، حتى تبطل الرغبة والرهبة . 
ثم إنهم يعتقدون استباحة المحظورات ، ورفع الحجر ، ولو ذكر لهم هذا لأنكروه ، وقالوا : لا بد من الانقياد للشرع على ما يفعله الإمام ، فإذا أحاطوا بحقائق الأمور انحلت عنهم القيود والتكاليف العملية إذ المقصود عندهم من أعمال الجوارح تنبيه القلب ، وإنما تكليف الجوارح للخمر الذين لا يراضون إلا بالسياقة . وغرضهم هدم قوانين الشرع . 
قالوا : وكل ما ذكر من التكاليف فرموز إلى باطن ، فمعنى الجنابة مبادرة المستجيب بإنشاء سر إليه ، قبل أن ينال رتبة الاستحقاق لذلك ، ومعنى الغسل تجديد  
[ ص: 297 ] العهد على من فعل ذلك . والزنا : إلقاء نطفة العلم [ الباطن ] إلى نفس من لم يسبق معه عقد العهد ، والاحتلام أن يسبق الإنسان إلى إفشاء السر في غير محله ، والصيام : الإمساك عن كشف السر . 
والمحرمات عبارة عن ذوى السر ، والبعث عندهم الاهتداء إلى مذاهبهم . ويقولون 
للذكر مثل حظ الأنثيين الذكر الإمام ، والحجة الأنثى . وقالوا : 
يوم يأتي تأويله أي يظهر 
محمد بن إسماعيل   .