صفحة جزء
وفي هذه السنة : زاد المعتضد في جامع المنصور ، ودار المنصور ، وفتح بينهما سبعة عشر طاقا ، وحول المنبر والمحراب والمقصورة إلى المسجد الجديد ، وتولى ذلك يوسف بن يعقوب القاضي ، فبلغت النفقة عشرين ألف دينار .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال : أنبأنا إبراهيم بن مخلد قال : أخبرنا إسماعيل بن علي قال : أخبرنا المعتضد بالله بضيق المسجد الجامع بالجانب الغربي في مدينة المنصور وأن الناس يضطرهم الضيق إلى أن يصلوا في المواضع التي لا تجوز في مثلها الصلاة ، فأمر بالزيادة فيه من قصر المنصور ، فبنى مسجدا على مثال المسجد الأول في مقداره أو نحوه ، ثم فتح صدر المسجد العتيق ، ووصل به ، فاتسع به الناس ، وكان الفراغ منه في هذه السنة .

قال الخطيب : [ وزاد ] بدر مولى المعتضد من قصر المنصور المسقطات المعروفة بالبدرية في ذلك الوقت . [ ص: 335 ]

وفي هذه السنة : أمر المعتضد ببناء القصر الحسني ، وهو دار الخلافة اليوم ، وهو أول من سكنها من الخلفاء .

أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز ، أخبرنا أبو بكر [أحمد بن علي بن ثابت] الخطيب قال : حدثني هلال بن المحسن قال : كانت دار الخلافة التي على شاطئ دجلة تحت نهر معلى قديما للحسن بن سهل ، ويسمى القصر الحسني ، فلما توفي صار لبوران ابنته ، فاستنزلها المعتضد بالله عنها فاستنظرته أياما في تفريغها وتسليمها ، ثم رمتها وعمرتها ، وجصصتها وبيضتها ، وفرشتها بأجل الفرش وأحسنه ، وعلقت أصناف الستور على أبوابها ، وملأت خزائنها بكل ما يخدم الخلفاء به ، ورتبت فيها من الخدم والجواري ما تدعو الحاجة إليه ، فلما فرغت من ذلك انتقلت وراسلته بالانتقال ، فانتقل المعتضد إلى الدار ، فوجد ما استكثره واستحسنه ، ثم استضاف المعتضد إلى الدار مما جاورها كل ما وسعها به وكبرها ، وعمل عليها سورا جمعها به وحصنها ، وقام المكتفي بالله [ بعده ] ببناء التاج على دجلة ، وعمل وراءه من القباب والمجالس ما تباهى في توسعته وتعليته ، ووافى المقتدر بالله ، وزاد في ذلك وأوفى مما أنشأه واستحدثه ، وكان الميدان والثريا ، وحير الوحش متصلا بالدار .

قال الخطيب : كذا ذكر لي هلال بن المحسن : أن بوران أسلمت الدار إلى المعتضد ، وذلك غير صحيح ، لأن بوران لم تعش إلى وقت المعتضد ، ويشبه أن يكون سلمت الدار إلى المعتمد ، والله أعلم .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال : حدثني هلال بن المحسن قال : حدثني أبو نصر أخواشاذه خازن عضد الدولة [ ص: 336 ] قال : طفت دار الخلافة عامرها وخرابها ، وحريمها ، وما يجاورها ويتاخمها ، فكان ذلك مثل مدينة شيراز .

قال هلال بن المحسن : وسمعت هذا من جماعة عمار مستبصرين ثم أن المعتضد استوبأ بغداد وكان يرى دخان الأسواق [ يرتفع ] فيقول : كيف يفلح بلد يخالط هواه هذا . فأمر أن لا يزرع الأرز حول بغداد ، ولا يغرس النخل ، ثم خط الثريا وبناها ، ووصلها بقصر الحسني ، وانتقل إليها وأمر أن تنقل إليه سوق ، فضج الناس من هذا ، فأعفاهم وقال : من أراد ربحا فسيجيء طائعا ، وكان يمدح الثريا ويقول : أنا على سريري أخاطب وزيري ، وصيد البر والبحر يصاد بين يدي .

وبنى أبنية جليلة ببرازالروز ، فلما اعتل في آخر أيامه طلب صحة الهواء ، فأمر أن يبنى له قصر فوق الشماسية ، فابتيع ما للناس هناك من الدور ، ومات قبل أن يستتم البناء ، فقال الناس : ما أحدث المعتضد شيئا قط يخالف الحق إلا أخذ دور الشماسية وإجبار أهلها على البيع .

وفي سنة ثمانين : أمر المعتضد ببناء مطامير في قصر الحسني رسمها هو للصناع فبنيت محكمة ، وجعلها محابس الأعداء ، وكان الناس يصلون الجمعة في الدار ، وليس هناك رسم مسجد ، إنما يؤذن للناس في الدخول وقت الصلاة ، ويخرجون عند انقضائها .

وورد في ذي الحجة كتاب أحمد بن عبد العزيز على المعتضد [ بالله ] أنه هزم رافع بن هرثمة وأخذ منه ثمانين ألف دابة وبغل .

وحج بالناس في هذه السنة أبو بكر محمد بن هارون المعروف بابن ترنجة .

التالي السابق


الخدمات العلمية