صفحة جزء
1891 - محمد بن القاسم بن خلاد [بن ياسر بن سليمان] أبو عبد الله الضرير [مولى أبي جعفر المنصور ، فله ولاؤه] ، ويعرف : بأبي العيناء . وسبب ذلك أنه قال لأبي زيد : كيف تصغر عينا؟ فقال : عيينا يا أبا العيناء .

[ ص: 353 ] ولد بالأهواز في أول سنة إحدى وتسعين ومائة ، ونشأ بالبصرة ، وقد سمع من أبي عاصم النبيل ، وأبي عبيدة ، والأصمعي ، وأبي زيد ، وعمي بعد أربعين سنة ، وكان من أفصح الناس وأحفظهم وأسرعهم جوابا ، ومسنداته قليلة ، والغالب على روايته الحكايات .

أخبرنا أبو منصور القزاز ، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، حدثنا أبو الفرج أحمد بن محمد بن عمر المعدل ، أخبرنا أحمد بن [كامل] القاضي ، حدثنا أبو العيناء محمد بن القاسم قال : أتيت عبد الله بن داود الخريبي فقال : ما جاء بك؟ قلت : الحديث . قال : اذهب فتحفظ القرآن قلت : قد حفظت القرآن . قال : اقرأ : واتل عليهم نبأ نوح فقرأت عليه العشر حتى أنفذته قال : فقال : اذهب الآن فتعلم الفرائض قال : قلت : قد تعلمت الجد والصلب والكبر قال : فأيما أقرب إليك ، ابن أخيك أو ابن عمك؟ قال : قلت : ابن أخي . قال : ولم؟ قلت : لأن أخي من أبي وابن عمي من جدي ، قال : اذهب الآن فتعلم العربية قال : قلت : [ قد ] علمتها قبل هذين قال : لم قال عمر بن الخطاب حين طعن (يال الله يال المسلمين ، لم فتح تلك وكسر هذه؟ قال : قلت : فتح تلك اللام على الدعاء ، وكسر هذه على [ الدعاء ] والاستغاثة والاستنصار فقال : لو حدثت أحدا حدثتك ! .

أخبرنا القزاز قال : أخبرنا أحمد بن علي قال : أخبرني علي بن أيوب القمي قال : [ ص: 354 ] أخبرنا محمد بن عمران المرزباني قال : أخبرني محمد بن يحيى قال : حدثنا أبو العيناء قال : قال لي المتوكل : قد اخترتك لمجالستي ! قلت : لا أطيق ذلك ، ولا أقول ذلك جهلا بما لي في هذا [ المجلس ] من الشرف ، ولكني رجل محجوب ، والمحجوب تختلف إشارته ، ويخفى عليه الإيماء ، ويجوز على أن تتكلم بكلام غضبان ، ووجهك راض ، وبكلام راض ووجهك غضبان ، ومتى لم أميز هذين هلكت ! فقال صدقت ، ولكن أتلزمنا . فقلت : لزوم الفرض [ الواجب ] فوصلني بعشرة آلاف (درهم قال : وقد روي أن المتوكل قال : أشتهي أن أنادم أبا العيناء لولا أنه ضرير . فقال أبو العيناء : إن أعفاني أمير المؤمنين من رؤية الأهلة ونقش الخواتيم فإني أصلح .

أخبرنا القزاز ، أخبرنا [أبو بكر] الخطيب قال : أخبرني أحمد بن محمد [بن أحمد] بن يعقوب قال : حدثني جدي محمد بن عبد الله بن قرنجل ، حدثنا محمد بن يحيى ، حدثنا محمد بن القاسم بن خلاد أبو العيناء قال : دعا المنصور جدي خلادا وكان مولاه فقال [ له ] أريدك لأمر قد أهمني ، و [ قد ] اخترتك له ، وأنت عندي . كما قال أبو ذؤيب الهذلي :


ألكني إليها وخير الرسول أعلمهم بنواحي الخبر

[ ص: 355 ] فقال له : أرجو أن أبلغ رضا أمير المؤمنين ، فقال : صر إلى المدينة على أنك من شيعة عبد الله بن حسن ، وابذل له الأموال ، واكتب إلي بأنفاسه وأخبار ولده فأرضاه . ثم علم عبد الله بن حسن أنه أتي من قبله قال : فدعا عليه ، وعلى نسله بالعمى ، قال : فنحن نتوارث ذلك إلى الساعة .

ورويت أن أبا العيناء تأخر رزقه فشكا إلى عبيد الله بن سليمان قال : ألم نكن كتبنا لك إلى ابن المدبر ، فما فعل في أمرك؟ قال : جرني على شوك المطل ، وحرمني ثمرة الوعد ! فقال : أنت اخترته ! فقال : ما علي؟ فقد اختار موسى [ من ] قومه سبعين رجلا ، فما كان فيهم رجل رشيد ، فأخذتهم الرجفة ، واختار النبي صلى الله عليه وسلم ابن أبي سرح كاتبا فلحق بالكفار [ مرتدا ، ] واختار علي أبا موسى فحكم عليه .

قال المصنف : خرج أبو العيناء من البصرة ، فقدم بغداد ، وكان السبب في خروجه من البصرة ما أخبرنا به أبو منصور القزاز ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت ، أخبرنا أبو القاسم الأزهري ، وأحمد بن عبد الواحد الوكيل قالا : أخبرنا محمد بن جعفر التميمي أخبرنا أبو بكر الصولي ، عن أبي العيناء قال : كان سبب خروجي من البصرة وانتقالي عنها : أني مررت بسوق النخاسين [ يوما ] فرأيت غلاما ينادى عليه ، وقد بلغ ثلاثين دينارا وهو يساوي ثلاثمائة دينار فاشتريته وكنت ، أبني دارا فدفعت إليه عشرين دينارا على أن ينفقها على الصناع ، فجاءني بعد أيام يسيرة فقال : قد نفدت النفقة ! فقلت : هات حسابك ! فرفع حسابا بعشرة دنانير ! قلت : أين الباقي؟ [ ص: 356 ] قال : [ قد ] اشتريت به ثوبا مصمتا وقطعته قلت : من أمرك بهذا؟ قال : لا تعجل يا مولاي ، فإن أهل المروءة والأقدار لا يعيبون على غلمانهم إذا فعلوا فعلا يعود بالزين على مواليهم ! فقلت في نفسي : أنا اشتريت الأصمعي ولم أعلم .

قال : وكانت في نفسي أمرأة أردت أن أتزوجها سرا من ابنة عمي ، فقلت له يوما : أفيك خير؟ قال : إي لعمري ! فأطلعته على الخبر ، فقال : إنا نعم العون لك ! فتزوجت المرأة ، ودفعت إليه دينارا وقلت [ له ] اشتر لنا كذا وكذا ، يكون فيما تشتريه سمك هازبي ، فمضى ورجع وقد اشترى ما أردت ، إلا أنه اشترى سمك مارماهي ، فغاظني ذلك ، قلت : أليس أمرتك أن تشتري هازبي؟ قال : بلى ولكن رأيت بقراط يقول : إن الهازبي يولد السوداء ، ويصف المارماهي ويقول : إنه أقل غائلة ، فقلت : يا ابن الفاعلة ! أنا لم أعلم أني اشتريت جالينوس .

وقمت إليه فضربته عشر مقارع ، فلما فرغت من ضربه أخذني وأخذ المقرعة ، وضربني سبع مقارع ، وقال : يا مولاي ، الأدب ثلاث ، والسبع [ فضل وذلك ] قصاص ، فضربتك هذه السبع مقارع خوفا من القصاص يوم القيامة . فغاظني جدا فرميته فشججته ، فمضى من وقته إلى ابنة عمي ، فقال لها : يا مولاتي ، إن الدين النصيحة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "من غشنا فليس منا" وأنا أعلمك أن مولاي قد تزوج فاستكتمني ، فلما قلت له لا بد من تعريف مولاتي [ الخبر ] ضربني بالمقارع وشجني ، فمنعتني بنت عمي من دخول الدار ، وحالت بيني وبين ما فيها ، ووقعنا في تخبيط ، فلم أر الأمر يصلح إلا بأن طلقت المرأة التي تزوجتها ! فصلح أمري مع ابنة عمي ، وسمعت الغلام الناصح ، ولم يتهيأ لي أن أكلمه ، [ ص: 357 ] فقلت : أعتقه وأستريح ، فلعله يمضي عني ، فلما عتقته لزمني وقال : الآن وجب حقك علي ثم إنه أراد الحج فجهزته وزودته ، وخرج فغاب عني عشرين يوما ورجع ، فقلت له : لم رجعت؟ فقال : قطع الطريق [ بي ] وفكرت ، فإذا الله تعالى يقول : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا وكنت غير مستطيع ، وفكرت فإذا حقك أوجب فرجعت . ثم إنه أراد الغزو فجهزته ، فلما غاب عني بعت كل ما أملك بالبصرة [ من عقار وغيره ] وخرجت عنها خوفا من أن يرجع .

[قال الدارقطني أبو العيناء ليس بقوي في الحديث ] .

أخبرنا يحيى بن علي المدبر ، أخبرنا أبو بكر علي بن محمد الخياط ، أخبرنا الحسين بن الحسن بن حمكان قال : حدثني أبو عبد الله محمد بن إبراهيم البصري قال : حدثنا محمد بن يحيى الصولي قال : دخلت على أبي العيناء في آخر عمره ، وقد كف بصره ، فسمع صرير قلمي على الدفتر قال : من هذا؟ قلت : عبدك وابن عبدك محمد بن يحيى الصولي ! قال : بل ولدي وابن أخي قال : ما تكتب؟ فقلت : جعلني الله فداءك أكتب شيئا من النحو والتصريف ، فقال : النحو في الكلام كالملح في الطعام ، فإذا أكثرت منه صارت القدر زعاقا ، يا بني إذا أردت أن تكون صدرا في المجالس فعليك بالفقه ومعاني القرآن ، وإذا أردت أن تكون منادما للخلفاء وذوي المروءة [ والأدباء ] فعليك بنتف الأشعار وملح الأخبار .

قال المصنف : أقام أبو العيناء ببغداد مدة طويلة ، ثم خرج يريد البصرة ، [ ص: 358 ] فركب في سفينة فيها ثمانون نفسا ، فغرقت فلم يسلم منهم غيره ، فلما وصل إلى البصرة مات .

1892 - مطلب بن شعيب بن حيان ، أبو محمد .

ولد بمصر ، وحدث عن أبي صالح كاتب الليث ، وغيره . وكان ثقة . وتوفي في محرم هذه السنة .

1893 - مطرف بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد بن قيس ، مولى عبد الرحمن بن معاوية بن هشام ، أبو سعيد الأندلسي القرطبي .

يروي عن يحيى بن يحيى بن كثير ، وسحنون بن سعيد ، وكان له زهد وفضل . توفي بالأندلس في هذه السنة .

1894 - يحيى بن عثمان بن صالح بن صفوان ، مولى آل قيس بن [أبي] العاص السهمي ، يكنى أبا زكريا .

كان عالما بأخبار مصر ، وبوفيات العلماء ، وكان حافظا للحديث ، وحدث بما لم يكن يوجد عند غيره . توفي [ في هذه السنة ] في ذي القعدة .

التالي السابق


الخدمات العلمية