صفحة جزء
ثم دخلت سنة ست وتسعين ومائتين

فمن الحوادث فيها:

اجتماع جماعة القواد والكتاب والقضاة على خلع المقتدر [بالله]
، وتناظرهم فيمن يجعل مكانه ، فاجتمع رأيهم على عبد الله بن المعتز ، فأجابهم [إلى ذلك] على أن لا يكون في ذلك سفك دم ، فأخبروه أن الأمر يسلم إليه عفوا ، وأن جميع من وراءهم من القواد والجند قد رضوا به ، فبايعهم على ذلك ، فأصبحوا وقد خلعوا المقتدر [بالله] ، وبايعوا ابن المعتز .

ذكر ثابت بن سنان في تاريخه ، قال: كانت فتنة [عبد الله] بن المعتز [بالله] في شهر ربيع الأول ، لأن التدبير وقع من محمد بن داود بن الجراح مع الحسين بن حمدان على إزالة المقتدر [بالله] ، ونصب ابن المعتز [بالله] ، فواطأ على ذلك [ ص: 80 ] جماعة من الكتاب والقواد والقضاة ، فلما كان يوم السبت لعشر بقين من ربيع الأول أوقع الحسين بن حمدان بالوزير [أبي] أحمد العباس ، وهو على دابته عند انصرافه من دار الخلافة فقتله ، وكان إلى جانبه فاتك المعتضدي يسايره ، فصاح بالحسين منكرا عليه ، فعطف عليه الحسين فقتله ، ووقع الاضطراب وركض الحسين بن حمدان قاصدا إلى الحلبة مقدرا أن يفتك بالمقتدر [بالله] لأنه كان قد عرف أنه قد خرج إليها ليضرب بالصوالجة ، فلما سمع المقتدر الضجة بادر بالدخول إلى داره فأغلقت الأبواب ، فانصرف الحسين إلى الدار بالمخرم المعروفة بسليمان بن وهب ، وبعث إلى عبد الله بن المعتز يعرفه تمام الأمر وانتظامه ، فنزل عبد الله بن المعتز من دار إبراهيم بن أحمد المادرائي الراكبة للصراة ودجلة ، وعبر إلى دار المخرم ، وحضر القواد والجند والقضاة ووجوه أهل بغداد سوى أبي الحسن بن الفرات ، وخواص المقتدر ، فبايعوا عبد الله ، وخوطب بالخلافة ولقب بالمرتضي بالله . وقال الصولي: المنتصف بالله واستوزر أبا عبد الله محمد بن داود [الجراح] ، ووجه إلى المقتدر يأمره بالانصراف إلى دار عبد الله بن طاهر لينتقل [هو] إلى دار الخلافة فأجاب بالسمع والطاعة ، وعاد الحسين بن حمدان من غد إلى دار الخلافة ، فقاتله من فيها من الخدم والغلمان ، ودفعوه فانصرف ، فحمل [ما قدر عليه من] ماله ومتاعه وحرمه ، وسار إلى الموصل ، فقالت الجماعة الذين سمعوا رسالة ابن المعتز [بالله] إلى المقتدر بالانصراف إلى دار [ ص: 81 ] ابن طاهر ، يا قوم نسلم أنفسنا هكذا! لولا نتجرد فيما قد أظلنا لعل الله تعالى يكشفه عنا فلبسوا الجواشن ، وأصعدوا إلى المخرم ، فهرب الناس من بين أيديهم ، وخرج ابن المعتز قاصدا سر من رأى ليتم هناك أمره ، فلم يتبعه أحد فدخل إلى دار أبي عبد الله [بن] الجصاص ، واستجار به ، ووقع النهب والغارة ببغداد ، ووجه المقتدر [بالله] فقبض على أصحاب ابن المعتز [بالله] واعتقلهم وقتل أكثرهم .

وفى ربيع الأول قلد المقتدر [بالله] أبا الحسن علي بن محمد بن الفرات الوزارة ، فجدد البيعة للمقتدر ، وجاء خادم لابن الجصاص إلى صافي الحرمي فأخبره بأن ابن المعتز في دارهم ، فأنفذ المقتدر صافيا في جماعة فكبس الدار وحمل ابن المعتز وابن الجصاص فقرر على ابن الجصاص مال ، [فأداه وانصرف .

وظهر موت] ابن المعتز في دار السلطان لليلتين خلتا من ربيع الآخر ، وأخرجه مؤنس إلى منزله ملفوفا فسلمه إلى أهله ، فدفنوه في خراب بإزاء داره ، وتلطف ابن الفرات في أمر الحسين بن حمدان حتى رضي عنه وعرف المقتدر أنه متى عاقب جميع من دخل في أمر ابن المعتز فسدت النيات ، فأمر بتغريق الجرائد في دجلة فكثر الشاكرون له . ولا يعرف خليفة خلع ثم أعيد سوى اثنين: الأمين ، والمقتدر [بالله] .

وفى يوم السبت لأربع بقين من ربيع الأول سقط ببغداد الثلج من غدوة إلى قرب صلاة العصر حتى صار في السطوح والدروب منه . [نحو] أربع أصابع . [ ص: 82 ]

وفى أواخر ربيع الأول سلم جماعة ممن بايع لابن المعتز إلى مؤنس الخادم ، فمنهم من قتل ، ومنهم من فدى نفسه .

وللنصف من شعبان خلع على مؤنس الخادم ، وأمر بالشخوص إلى طرسوس لغزو الروم فخرج .

وفى هذه السنة أمر المقتدر أن لا يستعان بأحد من اليهود والنصارى ، فألزموا بيوتهم وأخذوا بلبس العسلي والرقاع من خلف ومن قدام وأن تكون ركبهم خشبا .

وحج بالناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك ، ورجع كثير من الحاج لقلة الماء وإبطاء المطر ، وخرج الناس للاستسقاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية