صفحة جزء
ثم دخلت سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة

فمن الحوادث فيها :

أن بني هاشم ضجوا في الطرقات لتأخر أرزاقهم عنهم ، وذلك لثمان من المحرم .

ولليلة بقيت من المحرم انقض كوكب قبل مغيب الشمس من ناحية الجنوب إلى ناحية الشمال ، فأضاءت الدنيا منه إضاءة شديدة ، وكان له صوت كصوت الرعد الشديد .

ولم يزل أبو القاسم الخاتاني في أيام وزارته يبحث عمن يدعي عليه من أهل بغداد أنه يكاتب القرمطي ويتدين الإسماعيلية إلى أن تظاهرت عنده الأخبار ، بأن رجلا يعرف بالكعكي ينزل في الجانب الغربي رئيس للرافضة ، وأنه من الدعاة إلى مذهب القرامطة ، فتقدم إلى نازوك بالقبض عليه ، فمضى ليقبض عليه فتسلق من الحيطان وهرب ، ووقع برجل في داره كان خليفته ، ووجد في الدار رجالا يجرون مجرى المتعلمين ، فضرب الرجل ثلاثمائة سوط وشهره على جمل ، ونودي عليه هذا جزاء من يشتم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وحبس الباقين .

وعرف المقتدر أن الرافضة تجتمع في مسجد براثا فتشتم الصحابة ، فوجه نازوك للقبض على من فيه ، وكان ذلك في يوم الجمعة لست بقين من صفر ، فوجدوا فيه ثلاثين [ ص: 248 ]

إنسانا يصلون وقت الجمعة ، ويعلنون البراءة ممن يأتم بالمقتدر ، فقبض عليهم ، وفتشوا فوجدوا معهم خواتيم من طين أبيض يختمها لهم الكعكي عليها : "محمد بن إسماعيل الإمام المهدي ولي الله " فأخذوا وحبسوا وتجرد الخاقاني لهدم مسجد براثا ، وأحضر رقعة فيها فتوى جماعة من الفقهاء أنه مسجد ضرار وكفر وتفريق بين المؤمنين وذكر أنه إن لم يهدم كان مأوى الدعاة والقرامطة ، فأمر المقتدر [بهدمه ] فهدمه نازوك ، وأمر الخاقاني بتصييره مقبرة ندفن فيه عدة من الموتى ، وأحرق باقيه وكتب الجهال من العوام على نخل كان فيه هذا مما أمر معاوية بن أبي سفيان بقبضه على علي بن أبي طالب رضي الله عنه .

وفي يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ربيع الآخر خرج مفلح الأسود لإيقاع الفداء ببلاد الروم ، فتم الفداء لخمس بقين من رجب .

وكان الحاج قد خرجوا من بغداد في ذي القعدة ، فخرج جعفر [بن ] ورقاء وهو والي طريق مكة والكوفة ، فتقدم الحاج خوفا من أبي طاهر الجنابي ، وكان معه ألف فارس من بني شيبان ، فلقي جعفر بن ورقاء بزبالة فناوشه قليلا واضطرب الناس ورجعوا إلى الكوفة ، وتبع أبو طاهر القوافل ورجال السلطان حتى صار إلى القادسية ، فخرج إليه أهلها وسألوه أن يؤمنهم فأمنهم ، ثم رحل إلى الكوفة ، وخرج إليه أهل الكوفة ، وأصحاب السلطان فحاربوه فغلبهم ، وأقام بظاهر الكوفة سبعة أيام يدخل [ ص: 249 ] البلد بالنهار ، ويخرج بالليل ، فيبيت في معسكره ويحمل ما قدر عليه فحمل من الوشي أربعة آلاف ثوب ، ومن الزيت ثلاثمائة راوية ، ومن الحديد [شيء كثير ] ثم رحل إلى بلده ، فدخل جعفر بن ورقاء ومن معه إلى بغداد ، فتقدم المقتدر إلى مؤنس بالخروج لمحاربة أبي طاهر ، واضطرب أهل بغداد اضطرابا شديدا انتقل أكثر من في الجانب الغربي إلى الشرقي .

ولم يحج في هذه السنة أحد من أهل بغداد ، ولا من [أهل ] خراسان .

وكان أبو العباس أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن الخصيب قد استخرج مالا كثيرا من زوجة المحسن ولد ابن الفرات ، فصارت له بذلك مرتبة عند المقتدر ، فأرجف بوزارته فقدح فيه الخاقاني [وكتب هو يقدح في الخاقاني ، فآل الأمر إلى أن صرف الخاقاني ] وكانت مدة وزارته سنة وستة أشهر ويومين وأحضر المقتدر الخصيبي ، فقلد الوزارة وخلع عليه .

وكثر الرطب في هذه السنة ببغداد حتى بيع كل ثمانية أرطال بحبة ، وعمل منه تمر ، وحمل إلى البصرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية