صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

2482 - الحسن بن حمويه بن الحسين ، أبو محمد القاضي الأستراباذي :

أدرك عمار بن رجاء ، ولم يكتب عنه ، وروى عنه محمد بن إسحاق بن راهويه ، وخلق كثير ، وكان على قضاء أستراباذ مدة طويلة ، وكان من القوامين بالليل المتهجدين بالأسحار ، يضرب به المثل في قضاء حوائج المسلمين والقيام بأمرهم بنفسه وماله وجاهه ، وعقد مجلس الإملاء بأستراباذ ، وكتب عنه أهلها ، مات فجأة على صدر جارية وقت الإنزال في هذه السنة .

2483 - حمزة بن القاسم بن عبد العزيز ، أبو عمر الهاشمي :

ولد في شعبان سنة سبع وأربعين ومائتين ، وكان يتولى الصلاة بالناس في جامع المنصور ، ثم تولى إمامة جامع الرصافة ، وحدث عن سعدان بن نصر الدوري ، وحنبل بن إسحاق ، روى عنه الدارقطني ، وابن شاهين ، وكان ثقة ثبتا ظاهر الصلاح ، مشهورا بالرواية ، معروفا بالخير وحسن المذهب .

توفي في شعبان هذه السنة ودفن عند قبر معروف . [ ص: 56 ]

2484 - عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله ، أبو عبد الله الختلي :

سمع أبا العباس البرتي ، والباغندي ، وابن أبي الدنيا . روى عنه الدارقطني ، وكان فهما عارفا ثقة حافظا ، انتقل إلى البصرة فسكنها .

أخبرنا [أبو منصور] القزاز ، قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرني علي بن المحسن قال: أخبرني أبي قال: دخل إلينا أبو عبد الله الختلي إلى البصرة صاحب حديث ، وكان مشهورا بالحفظ ، فجاء وليس معه شيء من كتبه ، فحدث شهورا إلى أن لحقته كتبه ، فسمعته يقول: حدثت بخمسين ألف حديث من حفظي إلى أن لحقتني كتبي .

2485 - أبو بكر الصولي :

توفي سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة وكان قد خرج عن بغداد لإضاقة لحقته ، وتوفي بالبصرة في هذه السنة .

2486 - علي بن عيسى بن داود بن الجراح ، أبو الحسن ، وزير المقتدر بالله ، والقاهر بالله :

ولد سنة خمس وأربعين ومائتين ، وسمع أحمد بن بديل الكوفي ، والحسن بن محمد الزعفراني ، وحميد بن الربيع ، وعمر بن شبة . روى عنه الطبراني وغيره ، وكان صدوقا فاضلا ، عفيفا في ولايته ، كثير المعروف وقراءة القرآن والصلاة والصيام ، [ ص: 57 ] يحب أهل العلم ، ويكثر مجالستهم ، وأصله من الفرس ، وكان داود جده من دير قنى من وجوه الكبار ، وكذلك أبوه عيسى .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، قال: أخبرنا أحمد بن علي ، قال: أخبرنا الأزهري قال: قال لي أبو الحسن محمد بن أحمد بن رزقويه قال: قال لي ابن كامل القاضي: سمعت علي بن عيسى الوزير يقول: كسبت سبعمائة ألف دينار أخرجت منها في هذه الوجوه - يعني وجوه البر - ستمائة ألف وثمانين ألفا .

أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا علي بن المحسن التنوخي قال: حدثنا أبي قال: حدثنا القاضي أبو بكر محمد بن عبد الرحمن بن قريعة وأبو محمد عبد الله بن أحمد بن داسة قالا: حدثنا أبو [بكر] سهل بن زياد القطان صاحب علي بن عيسى قال: كنت مع علي بن عيسى لما نفي إلى مكة فلما دخلناها دخلنا في حر شديد وقد كدنا نتلف ، فطاف علي بن عيسى وسعى ، وجاء فألقى نفسه وهو كالميت من الحر والتعب ، وقلق قلقا شديدا ، وقال: أشتهي على الله شربة ماء مثلوج . فقلت [له] يا سيدنا ، تعلم أن هذا ما لا يوجد بهذا المكان فقال:

هو كما قلت ، ولكن نفسي ضاقت عن ستر هذا القول ، فاستروحت إلى المنى قال: [ ص: 58 ]

وخرجت من عنده ، ورجعت إلى المسجد الحرام ، فما استقررت فيه حتى نشأت سحابة فبرقت ورعدت ، وجاءت بمطر يسير ، وبرد كثير فبادرت إلى الغلمان فقلت:

اجمعوا ، فجمعنا منه شيئا عظيما ، وملأنا منه جرارا كثيرة ، وجمع أهل مكة منه شيئا عظيما ، وكان علي بن عيسى صائما فلما كان وقت المغرب خرج إلى المسجد الحرام ليصلي المغرب ، فقلت له: أنت والله مقبل ، والنكبة زائلة ، وهذه علامات الإقبال ، فاشرب الثلج كما طلبت ، وجئته بأقداح مملوءة من أصناف [الأسوقة] والأشربة مكبوسة بالبرد ، فأقبل يسقي ذلك من قرب منه من الصوفية والمجاورين والضعفاء ، ويستزيد ، ونحن نأتيه بما عندنا ، وأقول له: اشرب فيقول: حتى يشرب الناس . فخبأت مقدار خمسة أرطال وقلت له: إنه لم يبق شيء . فقال: الحمد لله ، ليتني كنت تمنيت المغفرة ، فلعلي كنت أجاب ، فلما دخل البيت لم أزل أداريه حتى شرب منه ، وتقوت ليلته بباقيه .

أخبرنا القزاز قال أخبرنا أحمد بن علي الخطيب قال أخبرنا القاضي أبو العلاء قال: أنشدنا القاضي أبو عبد الله بن أبي جعفر قال: أنشدني أبي قال: أنشدني الوزير أبو الحسن علي بن عيسى لنفسه:


فمن كان عني سائلا بشماتة لما نابني أو شامتا غير سائل     فقد أبرزت مني الخطوب ابن حرة
صبورا على أهوال تلك الزلازل

وقد روينا عن مكرم بن بكر القاضي قال: كنت خصيصا بالوزير أبي الحسن علي ابن عيسى فأقبلت عليه يوما وهو مهموم جدا فسألته عن ذلك فقال: كتب إلي عاملنا [ ص: 59 ] بالثغر أن أسارى المسلمين في بلد الروم كانوا على رفق وصيانة إلى أن ولي آنفا ملك الروم حدثان منهم ، فعسفا الأسارى ، وأجاعاهم ، وأعرياهم ، وعاقباهم ، وطالباهم بالتنصر ، وأنهم في عذاب شديد ، ولا حيلة لي في هذا والخليفة لا يساعدني ، فكنت أنفق الأموال وأجهز الجيوش إلى القسطنطينية فقلت: ها هنا أمر سهل يبلغ به الغرض ، فقال: قل يا مبارك! قلت: إن بأنطاكية عظيما للنصارى يقال له: البطرك ، وبالقدس آخر يقال له: الجاثليق ، وأمرهما ينفذ على الروم وعلى ملوكهم ، والبلدان في سلطاننا ، والرجلان في ذمتنا ، فيأمر الوزير بإحضارهما ، ويتقدم إليهما بإزالة ما تجدد على الأسارى ، فإن لم يزل لم يطالب بتلك الجريرة غيرهما ، فكتب يستدعيهما ، فلما كان بعد شهرين جاءني رسوله ، فجئت فوجدته مسرورا فقال: جزاك الله عن نفسك ودينك وعني خيرا ، كان رأيك أبرك رأي وأسده ، هذا رسول العامل قد ورد ، وقال له:

خبر بما جرى ، فقال: أنفذني العامل مع رسول البطرك والجاثليق إلى القسطنطينية ، وكتبا إلى ملكيها أنكما قد خرجتما بما فعلتما عن ملة المسيح عليه السلام ، وليس لكما الإضرار بالأسارى ، فإنه يخالف دينكما وما يأمركما به المسيح عليه السلام فإما زلتما عن هذا الفعل وإلا حرمناكما ، ولعناكما على هذين الكرسيين ، فلما وصلنا إلى القسطنطينية حجبنا أياما ، ثم أوصل الرسولان إليهما واستدعياني ، فقال الترجمان:

يقول لكما الملكان: الذي بلغ ملك العرب من فعلنا بالأسارى كذب وتشنيع ، وقد أذنا لك في دخولك لتشاهدهم على ضد ما قيل ، وتسمع شكرهم لنا فدخلت فرأيت الأسارى ، وكأن وجوههم قد خرجت من القبور ، تشهد بما كانوا فيه من الضر ، ورأيت ثيابهم جميعا جددا فعلمت أني حجبت تلك الأيام لتغيير حالهم . فقال لي الأسارى: نحن شاكرون للملكين فعل الله بهما وصنع ، وأومأ إلي بعضهم أن الذي بلغكم كان صحيحا ، إنما خفف عنا لما حصلتم ها هنا ، فكيف بلغكم أمرنا؟ فقلت: ولي الوزارة علي بن عيسى ، [ ص: 60 ] وبلغه حالكم ففعل كذا وكذا ، فضجوا بالدعاء والبكاء وسمعت امرأة منهم تقول مر يا علي بن عيسى لا نسي الله لك هذا الفعل! فلما سمع الوزير ذلك أجهش بالبكاء ، وسجد شكرا لله تعالى ، فقلت: أيها الوزير ، أسمعك كثيرا تتبرم بالوزارة ، فهل كنت تقدر على تحصيل هذا الثواب لولا الوزارة؟ فشكر لي ، وانصرفت .

أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر ، عن أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي ، عن أبيه قال: حدثني جماعة من أهل الحضرة أن رجلا بالكرخ كان مشهورا بالستر وارتكبه دين ، فقام عن دكانه ولزم منزله ، وأقبل على الدعاء والصلاة ليالي كثيرة ، فلما كانت ليلة الجمعة صلى صلاته ودعا ونام ، قال: فأريت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: اقصد علي بن عيسى الوزير ، فقد أمرته لك بأربعمائة دينار ، فخذها وأصلح بها أمرك . قال: وكان علي قيمة ستمائة دينار فلما كان من غد قلت: قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من رآني في المنام فقد رآني [حقا فإن] الشيطان لا يتمثل بي" فلم لا أقصد الوزير؟ فجئت الباب فمنعت من الوصول إليه فجلست إلى أن ضاق صدري وهممت بالانصراف ، فخرج صاحبه وكان يعرفني معرفة ضعيفة ، فأخبرته فقال: يا هذا ، الوزير والله في طلبك منذ السحر وإلى الآن ، وقد سأل عنك ، فما عرفك أحد ، والرسل مبثوثة في طلبك ، فكن مكانك ، قال:

ومضى ودخل ، فما كان بأسرع من أن دعوني فدخلت إلى الوزير ، فقال لي: ما اسمك؟

فقلت: فلان ابن فلان العطار . قال: من أهل الكرخ؟ قلت: نعم . قال: يا هذا ، أحسن الله جزاءك في قصدك إياي ، فو الله ما تهنأت بعيش منذ البارحة ، جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامي فقال: "أعط فلان بن فلان العطار من الكرخ أربعمائة دينار يصلح بها شأنه" وكنت اليوم طول نهاري في طلبك ، وما عرفك أحد ، ثم قال: هاتوا ألف دينار [ ص: 61 ] فحملوها ، فقال: هذه أربعمائة دينار خذها امتثالا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وستمائة هبة مني لك ، فقلت: أيها الوزير ، ما أحب أن أزاد على عطية رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أرجو البركة فيه لا فيما عداه ، فبكى علي بن عيسى وقال: [هذا هو اليقين] خذ ما بدا لك .

فأخذت أربعمائة دينار فانصرفت ، فقصصت قصتي على صديق لي وأريته الدنانير ، وسألته أن يحضر غرمائي ويتوسط بيني وبينهم ، ففعل فقالوا: نحن نؤخره ثلاث سنين بالمال فليفتح دكانه ، فقلت: لا بل يأخذون مني الثلث من أموالهم ، وكانت ستمائة ، فأعطيت كل من له شيء ثلث ماله ، فكان الذي فرقت بينهم مائتي دينار وفتحت دكاني ، وأدرت المائتين الباقية في الدكان فما حال الحول إلا ومعي ألف دينار ، فقضيت ديني كله ، وما زالت حالتي تزيد وتصلح .

توفي علي بن عيسى في هذه السنة ، وقيل: في سنة أربع وثلاثين ، عن تسع وثمانين سنة .

2487 - محمد بن أحمد [بن الربيع] بن سليمان بن أبي مريم ، أبو رجاء الأسواني الشاعر الفقيه :

كتب عنه علي بن عبد العزيز ، وكان فقيها على مذهب الشافعي ، وكان فصيحا رصينا ، وله قصيدة تضمن فيها أخبار العالم ، فذكر قصص الأنبياء نبيا نبيا ، وسئل قبل موته بنحو من سنتين: كم بلغت قصيدتك إلى الآن؟ فقال ثلاثين ومائة ألف بيت ، وقد بقي [علي منها أشياء أحتاج إلى زيادتها فيها ، ونظم فيها الفقه ، ورقم كتاب المزني وكتب] الطب والفلسفة . توفي في ذي الحجة من هذه السنة .

2488 - محمد بن أحمد بن سليمان ، أبو الفضل ، المعروف بابن القواس

: [ ص: 62 ]

حدث عن إسحاق بن سنين الختلي ، وروى عنه الدارقطني ، [أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: قرأت بخط أبي الفتح بن مسروق أن محمد بن أحمد بن سليمان] توفي ببغداد في أول سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة ، وقالوا: كان ثقة .

2489 - محمد بن إسماعيل بن إسحاق بن بحر أبو عبد الله الفارسي :

كان يتفقه على مذهب الشافعي ، وحدث عن أبي زرعة الدمشقي وغيره ، وروى عنه الدارقطني وغيره ، وآخر من حدث عنه أبو عمر بن مهدي ، وكان ثقة ثبتا فاضلا ، وتوفي في [شعبان] هذه السنة .

2490 - محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن عثمان ، أبو بكر بن أبي يعقوب المقرئ :

حدث عن محمد بن عبيد الله المنادي وغيره وكان صدوقا .

2491 - محمد بن جعفر بن أحمد بن يزيد ، أبو بكر الصيرفي المطيري :

من أهل مطيرة سر من رأى ، سكن بغداد وحدث بها عن الحسن بن عرفة ، وعلي ابن حرب ، وعباس الدوري [وغيرهم] وكان حافظا روى عنه الدارقطني وقال: هو ثقة مأمون ، وابن شاهين وقال: كان صدوقا ثقة . وتوفي في صفر هذه السنة .

2492 - هارون بن محمد بن هارون بن علي [بن عيسى] بن موسى بن عمرو بن جابر [بن يزيد بن جابر] بن عامر بن أسيد بن تيم بن صبح بن ذهل بن مالك بن بكر [ ص: 63 ] ابن سعد بن ضبة ، أبو جعفر ، والد القاضي أبي عبد الله الحسين بن هارون .

وكان أسلافه ملوك عمان في قديم الزمان ، وأول من دخل عمان من ملوك بني ضبة فتملك بها ، ثم لم تزل ولده من بعده يرثون هناك السيادة والشرف ، ويزيد بن جابر أدركه الإسلام فأسلم وحسن إسلامه ، وأول من انتقل منهم من عمان: هارون ابن محمد ، فسكن بغداد ، وحدث بها ، روى عنه ابنه .

أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد] قال: أخبرنا أحمد بن [علي بن] ثابت قال: أخبرنا عبد الكريم بن محمد المحاملي قال: أخبرنا علي بن عمر الدارقطني وذكر هارون بن محمد فقال: استولى على الفضائل ، وساد بعمان في حداثة سنه ، ثم خرج منها فلقي العلماء بمكة والكوفة والبصرة ، ودخل مدينة السلام سنة [خمس وثلاثمائة فعلت منزلته عند السلطان وارتفع قدره وانتشرت مكارمه وعطاياه] [وأنفق أمواله] وانتابه الشعراء من كل موضع ، وامتدحوه فأكثروا ، وأجزل صلاتهم ، وأنفق أمواله في بر العلماء والإفضال عليهم ، وفي صلات الأشراف من الطالبيين والعباسيين وغيرهم ، واقتناء الكتب المنسوبة ، وكان مبرزا في العلم باللغة ، والشعر ، والنحو ، ومعاني القرآن ، والكلام ، وكانت داره مجمعا لأهل العلم في كل فن إلى أن توفي في سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة . [ ص: 64 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية