صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

2643 - أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد ، أبو الطيب الجعفي الشاعر المعروف: بالمتنبي

: [ ص: 163 ]

كان أبوه يعرف بعبدان ، قال شيخنا ابن ناصر: سمعت أبا زكريا يقول: سمعت أبا القاسم بن برهان ، يقول: عبدان بفتح العين جمع عبدانة ، وهي النخلة الطويلة ، ومن قال: عبدان بكسر العين فقد أخطأ .

ولد المتنبي بالكوفة سنة ثلاث وثلاثمائة ، ونشأ بالشام فأكثر المقام بالبادية ، وطلب الأدب ، وعلم العربية ، وفاق أهل عصره في الشعر ، واتصل بالأمير أبي الحسن بن حمدان المعروف بسيف الدولة ، فانقطع إليه ، وأكثر القول في مديحه ، ثم مضى إلى مصر فمدح [بها] كافورا الخادم [الإخشيدي ثم] ورد [بعد ذلك] بغداد .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، أخبرنا علي بن المحسن التنوخي ، عن أبيه ، قال: حدثني أبو الحسن محمد بن يحيى العلوي ، قال:

كان المتنبي وهو صبي ينزل في جوار بالكوفة ، وكان أبوه يعرف بعبدان السقاء ، يستقي لنا ولأهل المحلة ، ونشأ هو محبا للعلم والأدب ، وصحب الأعراب فجاءنا بعد سنين بدويا قحا وكان تعلم الكتابة والقراءة ، وأكثر من ملازمة الوراقين .

فأخبرني وراق كان يجلس إليه ، قال لي: ما رأيت أحفظ من هذا الفتى ابن عبدان ، قلت له: كيف؟ قال: كان اليوم عندي وقد أحضر رجل كتابا من كتب الأصمعي نحو ثلاثين ورقة ليبيعه ، فأخذ ينظر فيه طويلا ، فقال له الرجل: يا هذا أريد بيعه وقد قطعتني عن ذلك ، وإن كنت تريد حفظه فهذا إن شاء الله يكون بعد شهر ، فقال له:

فإن كنت قد حفظته في هذه المدة ما لي عليك ، قال: أهب لك الكتاب ، قال: فأخذت الدفتر من يده ، فأقبل يتلوه علي إلى آخره ثم استلمه فجعله في كمه ، فقام صاحبه وتعلق به وطالبه بالثمن ، فقال: ما إلى ذلك سبيل قد وهبته لي فمنعناه منه ، وقلنا له:

أنت شرطت على نفسك هذا للغلام فتركه عليه . [ ص: 164 ]

قال المحسن: وسألت المتنبي عن نسبه فما اعترف لي به ، وقال: أنا رجل أختط القبائل ، وأطوي البوادي وحدي ، ومتى انتسبت لم آمن أن يأخذني بعض العرب بطائلة بيننا وبين القبيلة التي أنتسب إليها ، وما دمت غير منتسب إلى أحد فأنا أسلم على جميعهم .

قال المحسن: واجتمعت بعد موت المتنبي بعد سنين مع القاضي أبي الحسن ابن أم شيبان الهاشمي ، وجرى ذكر المتنبي ، فقال: كنت أعرف أباه بالكوفة شيخا يسمى:

عبدان ، يستقي على بعير له ، وكان جعفيا صحيح النسب ، قال: وكان المتنبي لما خرج إلى كلب ، فأقام بينهم ادعى أنه علوي حسني ، ثم ادعى بعد ذلك النبوة ، ثم عاد يدعي أنه علوي إلى أن شهد عليه بالشام بالكذب في الدعوتين ، وحبس دهرا طويلا ، وأشرف على القتل ، ثم استتيب وأشهد عليه بالتوبة وأطلق .

قال المحسن: وحدثني أبو علي بن أبي حامد ، قال: سمعت خلقا كثيرا بحلب يحكون وأبو الطيب المتنبي بها إذ ذاك أنه تنبأ في بادية السماوة ونواحيها إلى أن خرج بها لؤلؤ أمير حمص ، فقاتله وأسره وشرد من كان اجتمع إليه من كلب وكلاب وغيرهما من قبائل العرب ، وحبسه دهرا طويلا فاعتل وكاد يتلف ، فسئل في أمره ، فاستتابه وكتب عليه ببطلان ما ادعاه ورجوعه إلى الإسلام ، قال: وكان قد تلا على البوادي كلاما ذكر أنه قرآنا أنزل عليه ، فمن ذلك: "والنجم السيار ، والفلك الدوار ، والليل والنهار ، إن الكافر لفي أخطار ، امض على سنتك واقف أثر من كان قبلك من المرسلين ، فإن الله قامع بك زيغ من ألحد في دينه وضل عن سبيله" .

قال: وكان المتنبي إذا شوغب في مجلس سيف الدولة فذكر أن له هذا القرآن وأمثاله مما يحكى عنه فينكره ويجحده . قال: وقال ابن خالويه النحوي يوما في مجلس سيف الدولة: لولا أن الآخر جاهل لما رضي أن يدعى بالمتنبي ، لأن "متنبي" معناه: [ ص: 165 ]

كاذب ، ومن رضي أنه يدعى بالكذب فهو كاذب فهو جاهل ، فقال له: أنا لست أرضى أن أدعى به وإنما يدعوني به من يريد الغض مني ، ولست أقدر على الامتناع .

قال المحسن: فأما أنا فسألته في الأهواز سنة أربع وخمسين وثلاثمائة عن معنى المتنبي ، فأجابني بجواب مغالط لي ، وقال: هذا شيء كان في الحداثة أوجبته الصورة - فاستحييت أن أستقصي عليه ، فأمسكت .

التالي السابق


الخدمات العلمية