[ ص: 300 ] ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة 
فمن الحوادث فيها: 
[ إظهار 
وفاة عضد الدولة   ] 
أنه في يوم عاشوراء ، وهو عاشر المحرم أظهرت وفاة 
عضد الدولة  ، وحمل تابوته إلى الشهداء الغربي ، ودفن في تربة بنيت له هناك ، وكتب على قبره في 
ملبن ساج   : 
"هذا قبر 
عضد الدولة وتاج الملة أبي شجاع ابن ركن الدولة  ، أحب مجاورة هذا الإمام التقي؛ لطمعه في الخلاص 
يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها والحمد لله وصلى الله على سيدنا 
محمد  وعترته الطاهرة" . 
وتولى أمره ، وحمله 
أبو الحسن علي بن أحمد بن إسحاق العلوي النقيب  ، وجلس 
صمصام الدولة  للعزاء به بالثياب السود على الأرض ، وجاءه 
 nindex.php?page=showalam&ids=14680الطائع لله  معزيا ، ولطم عليه في دوره والأسواق اللطم الشديد المتصل أياما كثيرة ، فلما انقضى ذلك ، ركب 
صمصام الدولة  إلى دار الخلافة يوم السبت لسبع بقين من الشهر ، وخلع عليه فيها الخلع السبع والعمامة السوداء ، وسور وطوق وتوج ، وعقد له لواءان ، ولقب 
شمس الملة  ، وحمل على فرس بمركب من ذهب ، وقيد بين يديه مثله ، وقرئ عهده  
[ ص: 301 ] بتقليده الأمور فيما بلغته الدعوة في جميع الممالك ، ونزل من هناك في الطيار إلى دار المملكة ، وأخذت له البيعة على جميع الأولياء بالطاعة ، وإخلاص النية في المناصحة ، وأطلق له رسومها ، وكوتب الولاة والعمال وأصحاب النواحي والأطراف بأخذ البيعة على من قبلهم من الأجناد . 
وفي ليلة الأربعاء الحادي عشر من صفر انقض كوكب عظيم الضوء ، وكانت عقيبه دوي كالرعد . 
[ وفاة 
مؤيد الدولة   ] 
وورد الخبر بوفاة 
مؤيد الدولة أبي منصور بن بويه بن ركن الدولة  بجرجان  ، فجلس 
صمصام الدولة  للعزاء به في يوم الخميس لثمان بقين من رمضان ، وجاءه 
الطائع [ لله ]  فيه معزيا ، ولما اشتدت علة 
مؤيد الدولة  قال له 
الصاحب أبو القاسم إسماعيل ابن عباد   : لو عهد أمير الأمراء [ في الأمر ] عهد إلى من يراه أهلا كان تسكن الجند إليه عاجلا إلى أن يتفضل الله بعافيته وقيامه إلى تدبير مملكته ، كان ذلك من الاستظهار الذي لا ضرر فيه . فقال: أنا في شغل عما تخاطبني عليه ، وما لهذا الملك قدر مع انتهاء الإنسان إلى [ مثل ] ما أنا فيه ، فافعلوا ما بدا لكم أن تفعلوه ، ثم أشفى . 
فقال له الصاحب   : تب يا مولانا من كل ما فرطت فيه ، وتبرأ من هذه الأموال التي لست على ثقة من طيبها وحصولها من حلها ، واعتقد متى أقامك الله وعافاك أن تصرفها في وجوهها ، وترد كل ظلامة تعرفها . ففعل ذلك ، وتلفظ به ومات ، فكتب 
الصاحب  في الوقت إلى أخيه 
فخر الدولة أبي الحسن علي بن ركن الدولة  بالإسراع والتعجيل ، وأنفذ إليه خاتم 
مؤيد الدولة  ، وأرسل بعض ثقاته ، حتى استحلفه له على الحفظ والوفاء  
[ ص: 302 ] بالعهد ، فأسرع . 
فلما وصل وانتظم له الأمر قال له 
الصاحب   : قد بلغك الله يا مولانا ، وبلغني فيك ما أملته ، ومن حقوق خدمتي لك إجابتي إلى ما أنا مؤثر له من ملازمة داري واعتزال الجندية ، والتوفر على أمر الله تعالى . فقال له: لا تقل هذا ، فإنني لا أريد هذا الملك إلا لك ، ولا يجوز أن يستقيم لي فيه الأمر إلا بك ، وإذا كرهت ملابسة الأمور ، كرهت أنا ذلك ، وانصرفت . فقبل الأرض ، وقال: الأمر لك ، فاستوزره ، وخلع عليه الخلع السنية . 
وزادت الأسعار في هذه السنة زيادة مفرطة ، ولحق الناس مجاعة عظيمة ، وبلغ الكر الحنطة في رمضان: ثلاثة آلاف درهم تاجية ، وبلغ في ذي القعدة أربعة آلاف وثمانمائة درهم ، وضج الناس ، وكسروا منابر الجوامع ، ومنعوا الصلاة في عدة جمع ، ومات خلق من الضعفاء جوعا على الطريق ، ثم تناقصت الأسعار في ذي الحجة . 
وفي هذه السنة: وافى 
القرامطة  إلى 
البصرة  ، لما حدث من طمعهم بعد وفاة 
عضد الدولة  ؛ فصولحوا على مال أعطوه وانصرفوا .