صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

2910 - إبراهيم بن محمد بن الفتح المصيصي ويعرف بالجلي .

ولد بالمصيصة ، وسكن بغداد ، وحدث بها وكان حافظا ، ضريرا ، فروى عنه من [ ص: 375 ] أهلها أبو بكر البرقاني ، والأزهري ، وغيرهما ، وكان ثقة صدوقا ، وتوفي في هذه السنة ودفن بمقبرة الشونيزية ،

2911 - إسماعيل بن عباد ، أبو القاسم ، ويلقب كافي الكفاة الصاحب .

وزر لمؤيد الدولة ، وقصده أبو الفتح ابن ذي الكفايتين ، فأزاله عن الوزارة ، ثم نصر عليه وعاد إلى الوزارة .

أنبأنا محمد بن عبد الباقي البزاز ، أنبأنا علي بن المحسن التنوخي ، عن أبيه ، قال: حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن سعيد النصيبي قال: كان أبو الفتح ابن الملقب بذي الكفايتين قد تداخله في بعض العشايا سرور ، فاستدعى ندماءه وعبى لهم مجلسا عظيما بآلات الذهب والفضة ، وفاخر الزجاج والصيني ، والآلات الحسنة والطيب ، والفاكهة الكثيرة ، وأحضر المطرب وشرب بقية يومه ، وعامة ليلته ، ثم عمل شعرا أنشده ندماءه وغنى به في الحال وهو:


دعوت المنا ودعوت الطلا فلما أجابا دعوت القدح     وقلت لأيام شرخ الشباب
إلي فهذا أوان الفرح     إذا بلغ المرء آماله
فليس له بعدها مقترح

قال: وكان هذا بعد تدبيره على الصاحب أبي القاسم بن عباد ، حتى أبعده عن كتبه صاحبة الأمير مؤيد الدولة وسيره عن حضرته بالري إلى أصفهان ، وانفرد هو بتدبير الأمور لمؤيد الدولة كما كان لركن الدولة ، فلما كان غنى الشعر [ استطابه ] وشرب عليه إلى أن سكر ، ثم قال لغلمانه: غطوا المجلس ، ولا تسقطوا شيئا منه لاصطبح في هذه الليلة ، وقال لندمائه: باكروني ولا تتأخروا ، فقد اشتهيت الصبوح ، وقام إلى بيت منامه ، وانصرف الندماء .

فدعاه مؤيد الدولة في السحر ، [ فلم يشك أنه لمهم ] فقبض عليه ، وأنفذ إلى داره من أخذ جميع ما فيها ، وتطاولت به النكبة حتى مات فيها ثم عاد ابن عباد إلى وزارة مؤيد الدولة ، ثم وزر لأخيه فخر الدولة ، فبقي في الوزارة ثماني عشرة سنة وشهورا ، وفتح خمسين قلعة ، سلمها إلى فخر الدولة ، لم يجتمع مثلها إلى أبيه ، وكان [ ص: 376 ] الصاحب عالما بفنون من العلوم كثيرة لم يقاربه في ذلك الوزير ، وله التصانيف الحسان ، والنثر البالغ ، وجمع كتبا عظيمة ، حتى كان يحتاج في نقلها على أربعمائة حمل ، وكان يخالط العلماء والأدباء ، ويقول لهم: نحن بالنهار سلطان ، وبالليل إخوان . وسمع الحديث وأملى .

وروى أبو الحسن علي بن محمد الطبري المعروف بكيا قال: سمعت أبا الفضل زيد بن صالح الحنفي يقول: لما عزم الصاحب [ إسماعيل بن عباد ] على الإملاء ، وكان حينئذ في الوزارة ، وخرج يوما متطلسا متحنكا بزي أهل العلم ، فقال: قد علمتم قدمي في العلم ، فأقروا له بذلك ، فقال: وأنا متلبس بهذا الأمر وجميع ما أنفقته من صغري إلى وقتي هذا من مال أبي وجدي ، ومع هذا فلا أخلو من تبعات: اشهدوا علي وأشهد الله وأشهدكم أني تائب إلى الله تعالى من كل ذنب أذنبته ، واتخذ لنفسه بيتا وسماه بيت التوبة ، ولبث أسبوعا على ذلك .

ثم أخذ خطوط الفقهاء بصحة توبته ، ثم خرج ، فقعد للإملاء ، وحضر الخلق الكثير ، وكان المستملي الواحد ينضاف إليه ستة كل يبلغ صاحبه ، فكتب الناس حتى القاضي عبد الجبار ، وكان الصاحب ينفذ كل سنة إلى بغداد خمسة آلاف دينار تفرق في الفقهاء وأهل الأدب ، وكان لا تأخذه في الله لومة لائم ، ويبغض من يميل إلى الفلسفة ، وأهدى إليه العميري القاضي [ بقزوين ] كتبا ، وكتب معها .


العميري عبد كافي الكافة     وإن اعتد في وجوه القضاة
خدم المجلس الرفيع بكتب     مفعمات من حسنها مترعات

فوقع تحتها:


قد قبلنا من الجميع كتابا     ورددنا لوقتنا الباقيات
لست أستغنم الكثير فطبعي     قول خذ ليس مذهبي قول هات

فاستدعى يوما شرابا فجيء بقدح ، فلما أراد أن يشرب قال له بعض خواصه: لا تشربه؛ فإنه مسموم ، فقال: وما الشاهد على صحة قولك ؟ قال: أن تجربه على من أعطاك إياه ، قال: لا أستحل ذلك ، قال: فجربه على دجاجة ، قال: إن التمثيل بالحيوان لا يجوز! فرد القدح وأمر بصب ما فيه ، وقال للغلام: لا تدخل داري ، وأمر بإفراد جراية عليه .

ومرض بالأهواز عن سجع عرض له ، فكان إذا قام عن الطست يترك إلى جانبه عشرة دنانير حتى لا يتبرم به الفراشون ، فكانوا يتمنون دوام علته ، فلما برأ أنهب الفقراء ما حوت داره ، فكان [ ص: 377 ] هذا يخرج بدواج ، وهذا بمركب وهذا بتور الشمع ، فأخذ من داره ما يقارب خمسين ألف دينار .

فلما مرض الموت كان أمراء الديلم ووجوه الحواشي معا ودون بابه ويقبلون الأرض وينصرفون ، وجاءه فخر الدولة دفعات ، فلما يئس من نفسه قال لفخر الدولة : قد خدمتك الخدمة التي استفرغت فيها الوسع وسرت في دولتك السيرة التي حصلت لك حسن الذكر بها ، فإن أجريت الأمور بعدي على رسومها علم أن ذلك منك ونسب الجميل فيه إليك ، واستمرت الأحدوثة الطيبة بذلك ونسيت أنا في أثناء ما يثنى به عليك ، وإن غيرت ذلك وعدلت عنه كنت المذكور بما تقدم والمشكور عليه وقدح في دولتك ، وذكرك ما يسع إيقاعك . فأظهر له قبول رأيه .

توفي في مساء الجمعة لست بقين من صفر هذه السنة ، وكان الصاحب أفضل وزراء الدولة الديلمية ، وجميع ملكهم كان مائة وعشرين سنة ، وزر لهم فيها جماعة فيهم معان حسنة ، ولكن لم يكن من يذكر عنه العلم كما يذكر عن الصاحب ،

2912 - الحسن بن حامد بن الحسن بن حامد بن الحسن بن حامد بن الحسن بن حامد أبو محمد الأديب .

سمع علي بن محمد بن سعيد الموصلي ، وكان تاجرا ممولا ، نزل عليه المتنبي حين قدم بغداد ، وكان القيم بأموره ، فقال له: لو كنت مادحا تاجرا لمدحتك! روى عنه الصوري وكان صدوقا .

أخبرنا القزاز ، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أنشدني الجوهري والتنوخي قالا: أنشدنا أبو محمد الحسن بن حامد لنفسه:


سريت المعالي غير منتظر بها     كسادا ولا سوقا تقام لها أخرى
وما أنا من أهل المكاس وكلما     توفرت الأثمان كنت لها أشرى

2913 - داود بن سليمان بن داود بن محمد أبو الحسن البزاز .

سمع الحسين بن إسماعيل المحاملي ، روى عنه التنوخي والعشاري والعتيقي [ ص: 378 ] وقال: كان جارنا في قطيعة الربيع ، وكان شيخا نبيلا ثقة ، توفي في محرم هذه السنة .

2914 - عمر [ بن أحمد ] بن عثمان بن محمد بن أيوب بن أزداذ أبو حفص الواعظ المعروف بابن شاهين .

ولد في صفر سنة سبع وتسعين ومائتين ، وسمع شعيب بن محمد الذارع ، وأبا خبيب البرقي ، ومحمد بن محمد الباغندي ، وأبا بكر بن أبي داود ، وخلقا كثيرا وكان ثقة أمينا يسكن الجانب الشرقي .

أخبرنا أبو منصور القزاز ، أخبرنا أبو بكر بن ثابت ، أخبرنا أبو الفتح عبد الكريم ابن محمد المحاملي قال: ذكر لنا ابن شاهين قال: أول ما كتبت الحديث بيدي سنة ثمان وثلاثمائة ، وكان لي إحدى عشرة سنة ، وكذا كتب ثلاثة من شيوخي في هذه السن ، فتبركت بهم: أبو القاسم البغوي ، وأبو محمد بن صاعد ، وأبو بكر بن أبي داود وقال المصنف: وكذلك أنا كتبت الحديث ولي إحدى عشرة سنة ، وسمعت قبل ذلك .

أخبرنا القزاز ، أخبرنا أبو بكر بن ثابت ، أخبرنا القاضي أبو الحسين محمد بن علي بن محمد الهاشمي قال: قال لنا أبو حفص بن شاهين : صنفت ثلاثمائة مصنف وثلاثين مصنفا أحدها "التفسير الكبير" ألف جزء "والمسند" ألف وخمسمائة جزء "والتاريخ" مائة وخمسين جزءا [ والزهد ، مائة جزء ] .

أخبرنا القزاز ، أخبرنا أبو بكر الخطيب ، حدثنا القاضي أبو بكر محمد بن عمر بن إسماعيل الداودي ، قال: سمعت أبا حفص بن شاهين يقول يوما: حسبت ما اشتريت من الحبر إلى هذا الوقت ، فكان سبعمائة درهم . قال الداودي : وكنا نشتري الحبر أربعة أرطال بدرهم . قال: و[ قد ] مكث ابن شاهين بعد ذلك يكتب زمانا ، توفي ابن شاهين الحادي والعشرين من ذي الحجة من هذه السنة ، ودفن بمقبرة باب حرب ،

2915 - علي بن محمد بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينار بن عبد الله أبو الحسن الحافظ الدارقطني .

[ ص: 379 ] ولد سنة ست وثلاثمائة ، وقيل: سنة خمس ، وسمع البغوي وابن أبي داود وابن صاعد ، وخلقا كثيرا وكان فريد عصره ، وإمام وقته . انتهى إليه علم الأثر والمعرفة بأسماء الرجال ، وعلل الحديث ، وسلم ذلك له ، انفرد بالحفظ أيضا . من تأثير حفظه أنه أملى علل المسند من حفظه على البرقاني ،

أخبرنا أبو منصور القزاز ، أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: كان أبو منصور إبراهيم بن الحسن بن حمكان الصيرفي ، وسمع كثيرا ، وأراد أن يصنف مسندا معللا ، وكان الدارقطني يحضر عنده في كل أسبوع يوما يتعلم على الأحاديث في أصوله وينقلها أبو بكر البرقاني ويملي عليه الدارقطني علل الحديث ، حتى خرج من ذلك شيئا كثيرا ، وتوفي أبو منصور قبل استتمامه ، فنقل البرقاني كلام الدارقطني فهو كتاب "العلل" الذي يرويه الناس عن الدارقطني ،

أخبرنا [ أبو منصور ] القزاز ، أخبرنا أبو بكر بن ثابت ، قال: حدثني الأزهري قال: قال رأيت محمد بن أبي الفوارس وقد سأل الدارقطني عن علة حديث أو اسم فيه ، فأجابه ثم قال: يا أبا الفتح ، ليس بين المشرق والمغرب من يعرف هذا غيري .

أخبرنا أبو منصور القزاز ، ثنا أبو بكر بن ثابت قال: حدثني الأزهري قال: بلغني أن الدارقطني حضر في حداثته مجلس إسماعيل الصفار ، فجعل ينسخ جزءا كان معه وإسماعيل يملي ، فقال له بعض الحاضرين: لا يصح سماعك وأنت تنسخ ، فقال الدارقطني : فهمي للإملاء خلاف فهمك .

ثم قال: تحفظ كم أملى الشيخ من حديث إلى الآن ؟ قال: لا ، فقال الدارقطني : أملى ثمانية عشر حديثا ، فعددت الأحاديث فوجدت كما قال ، ثم قال أبو الحسن : الحديث الأول منها كذا عن فلان عن فلان ، ومتنه كذا ، والحديث الثاني عن فلان عن فلان ، ومتنه كذا ، ولم يزل يذكر إسناده الأحاديث ومتونه على ترتيبها في الإملاء ، حتى أتى على آخرها؛ فتعجب الناس منه . قال المصنف رحمه الله: وقد كان الحاكم أبو عبد الله يقول: ما رأى الدارقطني مثل نفسه .

أخبرنا القزاز ، أخبرنا [ أبو بكر ] بن ثابت ، أخبرنا الصوري قال: سمعت رجاء بن محمد بن عيسى المعدل يقول: سألت الدارقطني فقلت: رأي الشيخ مثل نفسه ؟ فقال لي: قال الله تعالى فلا تزكوا أنفسكم قلت: لم أرد هذا وإنما أردت أن أعلمه لأقول: رأيت [ ص: 380 ] شيخا لم ير مثل نفسه ، فقال: إن كان في فن واحد فقد رأيت من هو أفضل مني ، وأما من اجتمع فيه ما اجتمع في فلا .

قال المصنف رحمه الله: كان الدارقطني قد اجتمع له مع علم الحديث والمعرفة ، بالقراءات ، والنحو ، والفقه والشعر مع الأمانة والعدالة ، وصحة العقيدة .

سمعت أبا الفضل بن ناصر يقول: سمعت ثابت بن بندار يقول: سمعت أبا الحسن العتيقي يقول: قال الدارقطني : كنت أنا والكتاني نسمع الحديث ، فكانوا يقولون: يخرج الكتاني محدث البلد ويخرج الدارقطني مقرئ البلد ، فخرجت أنا محدثا والكتاني مقرئا .

أخبرنا أبو القاسم الحريري عن أبي طالب العشاري قال: توفي الدارقطني آخر نهار يوم الثلاثاء سابع ذي القعدة سنة خمس وثمانين وثلاثمائة ، ودفن في مقبرة معروف يوم الأربعاء ، وكان مولده لخمس خلون من ذي القعدة سنة ست وثلاثمائة ، وله تسع وسبعون سنة ويومان .

أخبرنا القزاز ، أخبرنا أحمد بن علي ، حدثنا أبو نصر علي بن هبة الله بن ماكولا ، قال: رأيت في المنام كأني أسأل عن حال أبي الحسن الدارقطني في الآخرة وما آل إليه أمره ، فقيل: ذاك يدعى في الجنة الإمام .

2916 - عباد بن العباس بن عباد [ أبو الحسن الطالقاني والد الصاحب إسماعيل بن عباد . ]

سمع أبا خليفة الفضل بن الحباب وغيره ، وكان صدوقا ، وصنف كتابا في أحكام القرآن ، وروى عنه ابنه أبو القاسم الوزير ، وأبو بكر بن مردويه ، وطالقان التي ينسب إليها ولاية بين قزوين وأبهر ، وهي عدة قرى يقع عليها هذا الاسم ، وثم بلدة من بلاد خراسان ، خرج منها جماعة كثيرة من المحدثين يقال لها طالقان ، توفي عباد في هذه السنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية