ذكر ما كان من 
طسم  وجديس  
قال مؤلف الكتاب: كانوا في أيام 
ملوك الطوائف  ، وكان فناء 
جديس  على يد 
حسان بن تبع   . 
قال علماء السير: كان 
طسم  وجديس  من ساكني 
اليمامة  ، وهي إذ ذاك من أخصب البلاد وأعمرها وأكثرها خيرا ، فيها من صنوف الثمار ومعجبات الحدائق والقصور الشامخة ، وكان عليهم ملك من 
طسم  ، ظلوم غشوم ، لا ينهاه شيء عن هواه ، يقال له: 
عملوق   . 
وكان مما لقوا من ظلمه أنه أمر بألا تهدى بكر من 
جديس  إلى زوجها حتى تدخل عليه فيفترعها ، فقال رجل من 
جديس  يقال له 
الأسود بن غفار  لرؤساء قومه: قد ترون ما نحن فيه من العار والذل الذي ينبغي للكلاب أن تعافه وتمتعض منه ، فأطيعوني ، فإني أدعوكم إلى عز الدهر ونفي الذل ، قالوا: وما ذاك ؟ قال: إني صانع للملك وقومه طعاما ، فإذا جاءوا نهضنا إليهم بأسيافنا ، فأنفرد به فأقتله ، وليجهز كل رجل منكم على جليسه . 
فأجابوه إلى ذلك وأجمع رأيهم عليه ، فأعد طعاما ، وأمر قومه فانتضوا سيوفهم ودفنوها في الرمل ، وقال: إذا أتاكم القوم يرفلون في حللهم فخذوا سيوفهم ، ثم  
[ ص: 76 ] شدوا عليهم قبل أن يأخذوا مجالسهم ، ثم اقتلوا الرؤساء ، فإنكم إذا قتلتم الرؤساء لم تكن السفلة شيئا . 
ففعلوا ذلك فأفنوهم ، فهرب رجل من 
طسم  يقال له: 
رياح بن مرة  ، حتى أتى 
حسان بن تبع  فاستغاث به ، فخرج 
حسان  في 
حمير  ، فلما كان من 
اليمامة  على ثلاث ، قال له 
رياح   : أبيت اللعن! إن لي أختا متزوجة في 
جديس  ، يقال لها: 
اليمامة  ، ليس على وجه الأرض أبصر منها ، إنها لتبصر الراكب من مسيرة ثلاث ، وأنا أخاف أن تنذر القوم بك ، فمر أصحابك فليقلع كل رجل منهم شجرة فليجعلها أمامه ، ويسير وهي في يده . 
فأمرهم 
حسان  بذلك ففعلوا ، ثم سار ، فنظرت 
اليمامة  إليهم فأخبرت بحالهم - على ما تقدم – وصبحهم 
حسان  فأبادهم وهدم قصورهم وحصونهم ، وقتل 
اليمامة   - وكانت فيما ذكر - أول من اكتحل بالإثمد . 
وحسان  هذا يقال له: 
تبع بن تبع [ بن ] أسعد أبي كرب بن ملكيكرب بن تبع ، وهو أبو تبع الأصغر بن حسان  ، الذي يزعم 
أهل اليمن  أنه قدم 
مكة  وكسى 
الكعبة  شعب المطابخ ، وإنما سمي بهذا الاسم لنصبه المطابخ في ذلك الموضع وإطعامه الناس ، وأن 
أجيادا  إنما سمي 
أجيادا  ، لأن خيله كانت هناك ، وأنه قدم 
يثرب  ، فنزل منزلا يقال له: منزل الملك ، وقتل من 
اليهود  مقتلة عظيمة بسبب شكاية من شكاهم إليه من  
[ ص: 77 ] الأوس  والخزرج  بسوء الجوار ، وأنه وجه ابنه 
حسان  إلى 
السند  وسمرا ذا الجناح  إلى 
خرسان  ، وأمرهما أن يستبقا إلى 
الصين  ، فمر 
سمر  بسمرقند  ، فأقام عليها حتى افتتحها ، وقتل مقاتلتها [ وسبى ] وحوى ما فيها ، ونفذ إلى 
الصين  ، فوافى 
حسان  بها . فمن 
أهل اليمن  من يزعم أنهما ماتا هنالك ، ومنهم من يزعم أنهما انصرفا إلى 
تبع  بالأموال والغنائم