صفحة جزء
[عقد الخليفة القائم بأمر الله على خديجة بنت أخي طغرلبك ]

وفي يوم الخميس لثمان بقين من المحرم: عقد للخليفة القائم بأمر الله على خديجة بنت أخي السلطان طغرلبك ، على صداق مبلغه مائة ألف دينار ، وحضر قاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني ، وأقضى القضاة أبو الحسن الماوردي ، ورئيس الرؤساء أبو القاسم بن المسلمة ، وهو الذي خطب ، ثم قال: إن رأى سيدنا ومولانا أمير المؤمنين أن ينعم بالقبول فعل . فقال: قد قبلنا هذا النكاح بهذا الصداق . فلما دخل شهر شعبان مضى ابن المسلمة إلى السلطان ، وقال له أمير المؤمنين يقول لك: إن الله [تعالى] يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها [4: 58] وقد أذن في نقل الوديعة الكريمة إلى [ ص: 5 ] العزيزة ، فقال: السمع والطاعة . ومضت والدة الخليفة إلى دار المملكة ، وأرسلت خاتون بورودها ، فانحدرت بها ، ودخلا باب الغربة وقت العتمة ، ودخل معها عميد الملك فقبل الأرض ، وقال: الخادم ركن الدين قد امتثل المراسم العالية في حمل الوديعة ، وسأل فيها كرم الملاحظة واجتناب الضيعة . ثم انصرفوا فقبلت الجهة الأرض دفعات عدة ، فأدناها إليه ، وقربها منه ، وأجلسها معه إلى جنبه ، وطرح عليها فرجية منظومة بالذهب ، وتاجا مرصعا بالجوهر ، وأعطاها من الغد مائة ثوب ديباجا وقصبا مذهبا ، وطاسة من ذهب قد نبت فيها الياقوت والفيروزج ، وأفرد لها من إقطاع دجلة اثني عشر ألف دينار .

وفي هذا الوقت غلت الأسعار ، فبلغ الكر الحنطة -وقد كان يساوي نيفا وعشرين دينارا- تسعين دينارا ، وتعذر التبن حتى كان يباع الكساء من التبن بعشرة قراريط ، وانقطعت الطريق من القوافل للنهب المتدارك ، وكان أهل النواحي يجيئون بأموالهم مع الخفر فيبيعونها ببغداد مخافة النهب ، ولحق الفقراء والمتجملين من معاناة الغلاء ما كان سببا للوباء والموت حتى دفنوا بغير غسل ولا تكفين ، وكان الناس يأكلون الميتة ، وبيع اللحم رطلا بقيراط ، وأربع دجاجات بدينار ، ونصف قفيز أرز بدينار ، ومائة كراثة بدينار ، ومائة أصل خس بدينار ، وعدمت الأشربة فبلغ المن من الشراب دينارا ، والمكوك من بزر البقلة سبعة دنانير ، والسفرجلة والرمانة دينارا ، والخيارة والنيلوفرة دينارا ، واغبر الجو ، وفسد الهواء ، وكثر الذباب ، ووقع الغلاء والموت بمصر أيضا ، وكان يموت في اليوم ألف نفس ، وعظم ذلك في رجب وشعبان ، حتى كفن السلطان من ماله ثمانية عشر ألف إنسان ، وحمل كل أربعة وخمسة في تابوت ، وباع عطار في يوم ألف قارورة فيها شراب ، وعم الوباء والغلاء مكة ، والحجاز ، وديار بكر ، والموصل ، وخراسان ، والجبال ، والدنيا كلها .

[ ص: 6 ]

وورد كتاب من مصر أن ثلاثة من اللصوص نقبوا بعض الدور ، فوجدوا عند الصباح موتى: أحدهم على باب النقب ، والثاني على رأس الدرجة ، والثالث على الثياب المكورة .

وفي هذه السنة: تقدم رئيس الرؤساء أبو القاسم علي بن الحسن ابن المسلمة بأن تنصب أعلام سود في الكرخ ، فانزعج لذلك أهلها ، وكان يجتهد في أذاهم وإنما كان يدفع منهم عميد الملك الكندري .

التالي السابق


الخدمات العلمية