صفحة جزء
ثم دخلت سنة إحدى وسبعين وأربعمائة

فمن الحوادث فيها:

أنه جاءت رسالة من السلطان مشتملة على كراهية الوزير فخر الدولة والمطالبة بعزله ، وأن لا ينفذ إلى خراسان رسول من دار الخلافة ، وأن لا يكون فيها غلمان أتراك للخاص ولا للخدم والأتباع ، ثم واصل سعد الدولة الكوهرائين إنفاذ أصحابه إلى باب الفردوس ، والملازمة فيه لأجل الوزير ، والمطالبة بعزله ، وجرى من التهدد وامتناع الخليفة ما يطول شرحه ، حتى قيل إنه ليس بوزير ، وإنما أبو العميد الدولة وزيرنا ، وقد أنفذناه إليكم في مهماتنا ، ولما خلا الديوان منه جلس فيه والده بحكم النيابة عنه ، وكتبت كتب في هذا المعنى من الديوان ، وأنفذت مع ركابي يعرف: "بالدكدك" مرتب لأمثالها ، فخرج بها فأخذ منها أصحاب سعد الدولة ما أخذوا وضربوه ، وتمم إلى أصبهان فشكا ما لقي ، فلم يشك ، وحضر سعد الدولة باب الفردوس وهو سكران وقال: إن سلم الوزير إلي وإلا دخلت أخذته ، وإن كلمني في معناه إنسان قتلته . فلوطف فعاد من الغد وبات في جماعة في باب الفردوس ، وضربت هناك الطوابل ، وشدت فيها خيل الأتراك ، ونقل الناس أموالهم من نهر معلى والحريم إلى باب المراتب والجانب الغربي ، وأحضر الوزير قوما بسلاح فباتوا على باب الديوان ، وحضر في بكرة فسأل الإذن في ملازمة بيته فأذن له ، وخرج إلى سعد الدولة توقيع فيه:

لما عرف محمد بن محمد بن جهير ما عليه جلال الدولة ونظام الملك من المطالبة بصرفه سأل الإذن في ملازمة داره إلى أن نكاتبهما بحقيقة حاله ، وما هو عليه من الولاء والمخالصة . فأذن له . [ ص: 199 ]

فأخذ سعد الدولة التوقيع وانصرف ، وأقام الوزير في داره ، وجعل ولديه أبا القاسم وأبا البركات ينظران في الأعمال ، وأما الوزير أبو العميد الدولة فإنه لما وصل إلى العسكر وجد من النظام التغير الشديد ، فأعياه أن يطيبه ، وندب نقيب النقباء للخروج إلى أصبهان والخطاب على اعتبار ما قصد له الوزير عميد الدولة ليعود إلى مراعاة أمر الديوان ، فإنه قد وقع الاستضرار ببعده ، وليشرح ما جرى من سعد الدولة . فخرج في ليلة الأحد الحادي والعشرين من صفر ، فأنفذ سعد الدولة من النهروان ، وجرت في ذلك أمور حتى تمكن من السير ، ثم ورد صاحب الوزير بكتابين من السلطان والنظام إلى سعد الدولة أنه انتهى إلينا أنك تعرضت بنواحي الديوان العزيز والوزير فخر الدولة ، فأخذت منهما ما يجب أن تعيده ، فلا تتعرض بما لم تؤمر به . وأحضر سعد الدولة إلى باب الفردوس من غد ، وسلمت الكتب إليه ، وعوتب على ما كان منه من فظيع الفعل وقبيح القول ، فقال: الله يعلم أن الذي أمرت به أضعاف ما فعلته ، وأنا ماض إلى هناك ، فإنني قد استدعيت سأوافق على ذلك بمشهد من عميد الدولة . ثم إن الوزير عميد الدولة تلطف بصبره وبوصله إلى أن استسل ما في نفس نظام الملك واستعاده إلى المألوف منه ، فأنفذ فرسين بعدتهما وعشرين قطعة ثيابا للوزير فخر الدولة إظهارا لرجوع المودة إلى حالها المعهود ، وقضى له كل حاجة ، وزوجه بابنته ، وقدم الوزير إلى بغداد وقد تغير قلب الخليفة له لأفعال الفقهاء الأعداء ، وكتب إليه: قد أعدتك إلى والديك ، ولا مراجعة لك بعد هذا إلى خدمتنا . فانكفأ مصاحبا فدخل إلى والده بباب العامة ، وأغلق الديوان ، وسمرت أبوابه التي تلي باب العامة .

وفي يوم السبت سلخ جمادى الآخرة: فتح الديوان ، ورتب الخليفة فيه الوزير أبا شجاع محمد بن الحسين نائبا فيه فجلس بغير مخدة .

وفي يوم الثلاثاء السادس عشر من ذي القعدة: وقع الرضا عن الوزير عميد الدولة ، والتعويل عليه في الخدمة ، وورد غلام تركي من غلمان النظام إلى الخليفة يشير [ ص: 200 ] برده إلى خدمته ، لأنه استشير فيمن يرتب ، وقال: ما وصلته بولدي وقد بقي في نفسي بقية مكروهة .

وفي هذا اليوم: انقطع أبو شجاع محمد بن الحسين عن الديوان العزيز ، ورتب على باب الحجرة فكان ينهى ويخرج إليه الجواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية