صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

3539 - أحمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن إبراهيم بن أبي أيوب ، [أبو بكر] الفوركي ، وهو سبط أبي بكر بن فورك :

نزل بغداد واستوطنها وكان متكلما مناظرا واعظا ، وكان ختن أبي القاسم القشيري على ابنته ، وكان يعظ في النظامية فوقعت بسببه الفتنة في المذاهب ، وكان مؤثرا للدنيا ، طالبا للجاه ، لا يتحاشى من لبس الحرير ، وقد سمع من أصحاب الأصم ، وقيل لأبي منصور بن جهير: نحضره لنسمع منه؟ فقال: الحديث أصلف من الحال التي هو عليها .

فاستحسن الناس ذلك منه .

وقال شيخنا أبو الفضل بن ناصر: كان داعية إلى البدعة يأخذ كسر الفحم من الحدادين ويأكل منه .

وتوفي في شعبان هذه السنة عن نيف وستين سنة ، ودفن عند قبر الأشعري بمشرعة الروايا من الجانب الغربي .

3540 - الحسين بن علي ، أبو عبد الله المردوسي :

كان رئيس زمانه ، وكان قد خدم في زمن بني بويه ، وبقي إلى زمان المقتدي ، وارتفع أمره حتى كانت ملوك الأطراف تكتب إليه عبده وخادمه ، وكان كامل المروءة ، لا [ ص: 244 ] يسعى إلا في مكرمة ، وكان كثير البر والصدقة ، والصوم والتهجد ، وحفر لنفسه قبرا وأعد كفنا قبل وفاته بخمسين سنة ، وتوفي عن خمس وتسعين ودفن بمقبرة باب التبن .

3541 - حمزة بن علي بن محمد بن عثمان ، أبو الغنائم ابن السواق البندار :

ولد سنة اثنتين وأربعمائة ، وسمع من أبي الحسين بن بشران وغيره ، وكان ثقة صدوقا من أثبت المحدثين ، حدثنا عنه أشياخنا ، وتوفي في شعبان هذه السنة .

3542 - عبد الله بن محمد ، أبو الحسن البستي :

قاضي الحريم الشريف ، ولد سنة أربع وتسعين وثلاثمائة ، وتوفي في هذه السنة .

3543 - عبد الرحمن بن مأمون بن علي ، أبو سعد المتولي :

ولد سنة ست وعشرين وأربعمائة ، وسمع الحديث ، وقرأ الفقه على جماعة ، ودرس بالنظامية ببغداد بعد أبي إسحاق ، ودرس الأصول مدة ، ثم قال: الفروع أسلم ، وكان فصيحا فاضلا ، وتوفي ليلة الجمعة ثامن عشر شوال من هذه السنة ، وصلى عليه أبو بكر الشامي ، ودفن بمقبرة باب أبرز .

3544 - عبد الملك بن عبد الله بن يوسف ، أبو المعالي الجويني ، الملقب: إمام الحرمين :

من أهل نيسابور ، و "جوين" قرية من قرى نيسابور ، ولد سنة سبع عشرة [ ص: 245 ] وأربعمائة ، وتفقه في صباه على والده وله دون العشرين سنة ، فأقعده مكانه للتدريس [فأقام التدريس] ، وسمع الحديث الكثير في البلاد ، وفي بغداد من أبي محمد الجوهري ، وروى عنه شيخنا زاهر بن طاهر الشحامي ، وخرج إلى الحجاز فأقام بمكة أربع سنين ، وعاد إلى نيسابور فجلس للتدريس ثلاثين سنة ، وقد سلم إليه التدريس والمحراب والمنبر والخطابة ومجلس التذكير يوم الجمعة ، وكان يحضر درسه كل يوم نحو ثلاثمائة ، وتخرج به جماعة من الأكابر ، حتى درسوا في حياته ، وصرف أكثر عنايته في آخر عمره إلى تصنيف الكتاب الذي سماه: "نهاية المطلب في دراية المذهب" وكان الشيخ أبو إسحاق يقول له: أنت إمام الأئمة . وكان الجويني قد بالغ في الكلام ، وصنف الكتب الكثيرة فيه ، ثم رأى أن مذهب السلف أولى ، فروى عنه أبو جعفر الحافظ أنه قال: ركبت البحر الأعظم ، وغصت في الذي نهى عنه أهل الإسلام كل ذلك في طلب الحق ، وكنت أهرب في سالف الدهر من التقليد ، والآن فقد رجعت عن الكل إلى كلمة الحق ، عليكم بدين العجائز ، فإن لم يدركني الحق بلطف بره وإلا فالويل لابن الجويني .

وأنبأنا أبو زرعة ، عن أبيه محمد بن طاهر المقدسي قال: سمعت أبا الحسن القيرواني وكان يختلف إلى درس أبي المعالي الجويني يقرأ عليه الكلام يقول: سمعت أبا المعالي اليوم يقول: يا أصحابنا ، لا تشتغلوا بالكلام ، فلو علمت أن الكلام يبلغ إلى ما بلغ ما اشتغلت به .

قال المصنف رحمه الله: وشاع عن أبي المعالي أنه كان يقول إن الله يعلم جمل الأشياء ولا يعلم التفاصيل ، فوا عجبا! أترى التفاصيل يقع عليها اسم شيء أو لا؟ فإن وقع عليها اسم شيء فقد قال الله وهو بكل شيء عليم وكنا بكل شيء عالمين . [ ص: 246 ]

ونقلت من خط أبى الوفاء بن عقيل قال: قدم أبو المعالي الجويني بغداد أول ما دخل الغز ، وتكلم في أبي إسحاق ، وأبي نصر بن الصباغ ، وسمعت كلامه قال: وذكر الجويني في بعض كتبه ما خالف به إجماع الأمة ، فقال: إن الله تعالى يعلم المعلومات من طريق الجملة لا من طريق التفصيل . قال: وذكر لي الحاكي عنه وهو من الفضلاء: من مذهبه أنه ذكر على ذلك شبهات سماها حججا برهانية . قال ابن عقيل:

فقلت له: يا هذا ، تخالف نص الكتاب ، قال الله تعالى: وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين وقال:

يعلم ما في أنفسكم ويعلم ما في الأرحام و يعلم السر وأخفى وهو بكل شيء عليم ثم انتقل إلى بيان علم ما لم يكن أن لو كان كيف كان يكون فقال ولو ردوا لعادوا وهذا من جهة السمع ، فأما من جهة العقل فإنه خلق جميع الأشياء الكليات والجزئيات ، وهذا غاية الدليل على الإحاطة بتفاصيل أحوالها ، ومعلوم أن دقائق حكمته المدفونة في النحل وهو ذباب من سمع وبصر [وتهد] إلى دقائق الإتقان في عمل البيوت والادخار للأقوات ما يبطل هذا ، ولو صح ما قال كانت الجزئيات في حيز الإهمال ، ومن نفى عن نفسه الجهل وأثبت لها العلم كيف يقال فيه هذا . وقد عجبت من تهجمه بمثل هذا ، وهذه المقالة غاية الضلالة ، هذا كله كلام ابن عقيل .

وحكى هبة الله بن المبارك السقطي قال: قال لي محمد بن الخليل البوشنجي: حدثني محمد بن علي الهريري وكان تلميذ أبي المعالي الجويني قال: دخلت عليه في مرضه الذي مات فيه وأسنانه تتناثر من فيه ويسقط منه الدود لا يستطاع شم فيه ، فقال: هذا عقوبة تعرضي بالكلام فاحذره . [ ص: 247 ]

مرض الجويني أياما ، وكان مرضه غلبة الحرارة وحمل إلى بشتنقان لاعتدال الهواء فزاد ضعفه ، وتوفي ليلة الأربعاء بعد العشاء الخامس والعشرين من ربيع الآخر من هذه السنة عن تسع وخمسين سنة ، ونقل في ليلته إلى البلد ، ودفن في داره ، ثم نقل بعد سنين إلى مقبرة الحسين فدفن إلى جانب والده ، وكان أصحابه المقتبسون من علمه نحو أربعمائة يطوفون في البلد وينوحون عليه .

3545 - محمد بن أحمد ابن ذي البراعتين ، أبو المعالي .

من أهل باب الطاق ، حدث عن أبي القاسم بن بشران ، وحدث عنه شيخنا أبو القاسم السمرقندي ، وكان يتصرف في أعمال السلطان .

وقال شيخنا ابن ناصر: كان رافضيا لا تحل الرواية عنه .

توفي في رمضان هذه السنة .

3546 - محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن الوليد ، أبو علي المعتزلي .

من الدعاة ، كان يدرس علم الاعتزال ، وعلم الفلسفة والمنطق ، فاضطره أهل السنة إلى أن لزم بيته خمسين سنة لا يتجاسر أن يظهر ، ولم يكن عنده من الحديث إلا حديث واحد لم يرو غيره ، سمعه من شيخه أبي الحسين بن البصري ، ولم يرو أبو الحسين غيره ، وهو قوله عليه السلام: "إذا لم تستحي فاصنع ما شئت" فكأنهما خوطبا بهذا الحديث لأنهما لم يستحييا من بدعتهما التي خالفا بها السنة ، وعارضاها بها ومن فعل ذلك فما استحيا .

ولهذا الحديث قصة عجيبة: وهو أنه رواه القعنبي عن شعبة ، ولم يسمع من شعبة [ ص: 248 ] غيره ، وفي سبب ذلك قولان: أحدهما: أن القعنبي قدم البصرة ليسمع من شعبة ويكثر ، فصادف مجلسه وقد انقضى ، فمضى إلى منزله فوجد الباب مفتوحا وشعبة على البالوعة ، فهجم فدخل من غير استئذان وقال: أنا غريب قصدت من بلد بعيد لتحدثني ، فاستعظم شعبة ذلك وقال: دخلت منزلي بغير إذني ، وتكلمني وأنا على مثل هذه الحال ، اكتب: حدثنا منصور ، عن ربعي ، عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا لم تستحي فاصنع ما شئت" ، ثم قال: والله لا حدثتك غيره ولا حدثت قوما أنت معهم .

والثاني: أنبأنا محمد بن ناصر قال: أنبأنا الحسن بن أحمد البناء قال: أخبرنا هلال بن محمد بن جعفر قال: حدثنا أحمد بن الصباح قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله الكشي قال: حدثني بعض القضاة عن بعض ولد القعنبي قال: كان أبي يشرب النبيذ ويصحب الأحداث ، فقعد يوما ينتظرهم على الباب ، فمر شعبة والناس خلفه يهرعون فقال: من هذا؟ قيل: شعبة . قال: وأي شعبة؟ قيل: محدث . فقام إليه وعليه إزار أحمر فقال له: حدثني . قال له: ما أنت من أصحاب الحديث . فشهر سكينه فقال: أتحدثني أو أجرحك . فقال له: حدثنا منصور ، عن ربعي ، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا لم تستحي فاصنع ما شئت" ، فرمى سكينه ورجع إلى منزله ، فأهراق ما عنده ، ومضى إلى المدينة فلزم مالك بن أنس ، ثم رجع إلى البصرة وقد مات شعبة ، فما سمع منه غير هذا الحديث .

وقال شيخنا ابن ناصر: كان ابن الوليد داعية إلى الاعتزال ، لا تحل الرواية عنه .

قال المصنف رحمه الله: قرأت بخط أبي الوفاء بن عقيل قال: جرت مسألة بين أبي علي بن الوليد وأبي يوسف القزويني في إباحة الولدان في الجنة ، أي في إمراجهم في جماعهم وإنشاء شهوتهم لذلك ، قال أبو علي بن الوليد: لا يمتنع أن يجعل من جملة لذاتهم ذلك لزوال المفسدة فيه في الجنة ، لأنه إنما منع منه في الدنيا لما فيه من قطع النسل ، وكونه محلا للأذى وليس في الجنة ذلك ، ولذلك أمرجوا في شرب الخمر لما أمن من السكر وغائلته من العربدة والعداوة ، وزوال العقل ، فلما أمن ذلك من شربها لم يمنع من الالتذاذ بها . فقال أبو يوسف: إن الميل إلى الذكور عاهة ، وهو قبيح [ ص: 249 ] في نفسه ، إذ لم يخلق هذا المحل للوطء ، ولهذا لم يبح في شريعة ، بخلاف الخمر ، وإنما خلق مخرجا للحدث ، وإذا كان عاهة فالجنة منزهة عن العاهات . فقال أبو علي : إن العاهة هي التلويث بالأذى ، وإذا لم يكن أذى لم يكن إلا مجرد الالتذاذ ، فلا عاهة .

قال ابن عقيل: قول أبي يوسف كلام جاهل ، إنما حرم بالشرع ، وكما عادت الأجزاء كلها لاشتراكها في التكليف ينبغي أن تعاد القوى والشهوات ، لأنها تشارك الأجزاء في التكليف ويتعصب بالمنع من قضاء أوطارها ، والممتنع من هذا معالج طبعه بالكف ، فينبغي أن تقابل هذه المكابدة بالإباحة . ثم عاد وقال: لا وجه لتصوير اللواط ، لأنه ما يثبت أن يخلق لأهل الجنة مخرج غائط ، إذ لا غائط .

توفي ابن الوليد في ليلة الأحد ثالث ذي الحجة من هذه السنة [وصلى عليه أبو طاهر الزينبي] ودفن بالشونيزية .

التالي السابق


الخدمات العلمية