صفحة جزء
ثم دخلت سنة أربع وثمانين وأربعمائة

فمن الحوادث فيها:

أنه لما أحرق المنجم البصرة كتب إلى واسط يدعوهم إلى طاعته ويقول: أنا الإمام المهدي صاحب الزمان ، آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأهدي الخلق إلى الحق ، فإن صدقتم بي أمنتكم من العذاب ، وإن عدلتم عن الحق خسفت بكم فآمنوا بالله وبالإمام المهدي .

وفي رابع عشر صفر: خرج توقيع الخليفة بإلزام أهل الذمة بلبس الغيار والزنار ، والدرهم الرصاص المعلق في أعناقهم مكتوب عليه: ذمي ، وأن تلبس النساء مثل هذا الدرهم في حلوقهن عند دخول الحمام ليعرفن ، وأن تلبس الخفاف فردا أسود وفردا أحمر ، وجلجلا في أرجلهن ، وشدد الوزير أبو شجاع في هذا ، فأجابه المقتدي إلى ما أشار به ، وأسلم حينئذ أبو سعد بن الموصلايا كاتب الإنشاء ، وابن أخته أبو نصر هبة الله بحضرة الخليفة .

وفي جمادى الأولى: قدم أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي من أصبهان إلى بغداد للتدريس بالنظامية ، ولقبه نظام الملك: بزين الدين ، شرف الأئمة ، وكان كلامه معسولا وذكاؤه شديدا .

وفي يوم الخميس تاسع رمضان: خرج التوقيع بعزل الوزير أبي شجاع ، وكان السبب أن أصحاب السلطان شكوا منه ، فصادف ذلك غرض النظام في عزله ، فأكد [ ص: 293 ] نوبته ، وكتب السلطان إلى الخليفة يشكو منه ، فصادف ذلك ضجرا من الخليفة من أفعاله التي تصدر عن قلة رغبة في الخدمة ، فعزله وكان يكسر أعراض الديوان والعسكر متابعة للشرع ، حتى إنه لما فتحت سمرقند على يدي ملك شاه جاء البشير فخلع عليه فقال: وأي بشارة هذه ، كأنه قد فتح بلدا من بلاد الكفر ، وهل هم إلا قوم مسلمون استبيح منهم ما لا يستباح من المسلمين . فبلغ هذا السلطان مع ما في قلب الخليفة فعزله وهو في الديوان ، فانصرف إلى داره على حالته مع حواشيه ، وأنشد حينئذ:


تولاها وليس له عدو وفارقها وليس له صديق

فلما كان يوم الجمعة عاشر الشهر: خرج إلى الجامع من داره بباب المراتب ماشيا متلفعا بمنديل من قطن مع جماعة من العلماء والزهاد ، فعظمت العامة ذلك وشنعوا ، وقال الأعداء: إنما قصد الشناعة ، فأنكر عليه أشد الإنكار ، وألزم منزله ، وأخذ الجماعة الذين مشوا معه فأهينوا ، ثم وردت كتب النظام بأن يخرج من بغداد فأخرج إلى در أورد وهو موطنه قديما ، فأقام هناك مدة ، ثم استأذن في الحج فأذن له ، فجاء إلى النيل فأقام بها ، فلم تطب له لكثرة منكرها ، فمضى إلى مشهد علي عليه السلام ، ثم سافر إلى مكة ، فلما أراد الخروج إلى مكة صلحت له نية نظام الملك ، فبعث إليه يقول: أنا أسألك أن أكون عديلك ، وكان النظام قد استعد ذلك ، لكن لم يقدر له ، فقال للرسول:

تخدم عني وتقول منذ أطبق دواتي أمير المؤمنين لم أفتحها ، ولولا ذلك لكتبت الجواب ، وأنا أعادل بالدعاء ، وناب ابن الموصلايا ، ولقب: أمين الدولة ، وخلع عليه ، وتقدم إلى أبي محمد التميمي ، ويمن الخادم بالخروج إلى باب السلطان لاستدعاء أبي منصور بن جهير ، وتقرير وزارته .

التالي السابق


الخدمات العلمية