صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

3623 - أحمد بن إبراهيم بن عثمان ، أبو غالب الآدمي القاري .

سمع أبا علي بن شاذان وغيره ، روى عنه شيخنا عبد الوهاب ، وأثنى عليه ووصفه [ ص: 302 ] بالخير ، وكان حسن التلاوة لكتاب الله العزيز ، يقرأ بين أيدي الوعاظ ، توفي في ذي الحجة من هذه السنة ، ودفن بمقبرة باب أبرز .

3624 - جعفر بن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن ، أبو الفضل التميمي المعروف بالحكاك من أهل مكة .

ولد سنة سبع عشرة ، وقيل: سنة ست وأربعمائة ، ورحل في طلب الحديث إلى الشام ، والعراق ، وفارس ، وخوزستان ، والجبل ، وأصبهان . وسمع من خلق كثير منهم: أبو نصر السجزي ، وأبو ذر الهروي وأكثر عن العراقيين ، وخرج لأبي الحسين ابن النقور أجزاء من مسموعاته ، وتكلم على الأحاديث بكلام حسن ، وكان حافظا متقنا أديبا فهما ثقة صدوقا خيرا ، وكان يترسل عن ابن أبي هاشم أمير مكة إلى الخلفاء والأمراء ، ويتولى ما يوقع له من مال وكسوة ، وكان من ذوي الهيئات النبلاء ، حدثنا عنه أشياخنا وآخر من حدث عنه أبو الفتح ابن البطي ، توفي يوم الجمعة رابع عشر صفر حين قدم من الحج ، وكانت وفاته بالكوفة ، ودفن في مقبرة البيع .

3625 - الحسن بن علي بن إسحاق بن العباس ، أبو علي الطوسي ، الملقب: نظام الملك وزير السلطانين ألب أرسلان وولده ملك شاه نسقا متتاليا تسعا وعشرين سنة .

ولد بطوس ، وكان من أولاد الدهاقين وأرباب الضياع بناحية بيهق ، كان عالي الهمة إلا أنه كان فقيرا مشغولا بالفقه والحديث ، ثم اتصل بخدمة أبي علي بن شاذان المعتمد عليه ببلخ ، فكان يكتب له ، وكان يصادره كل سنة ، فهرب منه فقصد داود بن ميكائيل والد السلطان ألب أرسلان ، وعرفه رغبته في خدمته ، فلما دخل عليه أخذ بيده فسلمه إلى ولده ألب أرسلان ، وقال: هذا حسن الطوسي ، فتسلمه واتخذه والدا لا [ ص: 303 ] تخالفه ، وقيل: بل خدم ابن شاذان إلى أن توفي فأوصى به إلى ألب أرسلان فلما صار الملك إلى ألب أرسلان دبر له الملك فأحسن التدبير ، فبقي في خدمته عشر سنين ثم مات ، وازدحم أولاده على الملك ، وطغى الخصوم ، فدبر الأمور ، ووطد الملك لملك شاه فصار الأمر كله إليه وليس للسلطان إلا التخت والصيد ، فبقي على هذه عشرين سنة ودخل على المقتدي ، فأذن له في الجلوس بين يديه وقال له: يا حسن رضي الله عنك برضا أمير المؤمنين وأهل الدين عنك ، وكان مجلسه عامرا بالفقهاء وأئمة المسلمين وأهل التدين حتى كانوا يشغلونه عن مهمات الدولة ، فقال له بعض كتابه: هذه الطائفة من العلماء قد بسطتهم في مجلسك حتى شغلوك عن مصالح الرعية ليلا ونهارا ، فإن تقدمت أن لا يوصل أحد منهم إلا بإذن ، وإذا وصل جلس بحيث لا يضيق عليك مجلسك . فقال: هذه الطائفة أركان الإسلام ، وهم جمال الدنيا والآخرة ، ولو أجلست كلا منهم على رأسي لاستقللت لهم ذلك .

وكان إذا دخل عليه أبو القاسم القشيري وأبو المعالي الجويني يقوم لهما ويجلسهما في مسند ويجلس في المسند على حالته .

فإذا دخل عليه أبو علي الفارمذي قام وأجلسه في مكانه وجلس بين يديه ، فامتعض من هذا الجويني فقال لحاجبه في ذلك فأخبره ، فقال: هو والقشيري وأمثالهما قالوا لي: أنت أنت ، وأطروني بما ليس في ، فيزيدني كلامهم تيها ، والفارمذي يذكر لي عيوبي ، وظلمي فأنكر وأرجع عن كثير مما أنا فيه . وكان المتصوفة تنفق عليه حتى إنه أعطى بعض متمنيهم في مرات ثمانين ألف دينار .

أنبأنا علي بن عبيد الله عن أبي محمد التميمي قال: سألت نظام الملك عن سبب

[ ص: 304 ]

تعظيمه الصوفية فقال: أتاني صوفي وأنا في خدمة بعض الأمراء ، فوعظني وقال: اخدم من تنفعك خدمته ، ولا تشتغل بما تأكله الكلاب غدا فلم أعرف معنى قوله ، فشرب ذلك الأمير من الغد ، وكانت له كلاب كالسباع تفرس الغرباء بالليل ، فغلبه السكر وخرج وحده فلم تعرفه الكلاب فمزقته ، فعلمت أن الرجل كوشف بذلك فأنا أطلب أمثاله .

وكان للنظام من المكرمات ما لا يحصى كلما سمع الأذان أمسك عما هو فيه ، وكان يراعي أوقات الصلوات ، ويصوم الاثنين والخميس ، ويكثر الصدقة ، وكان له الحلم والوقار وأحسن خلاله مراعاة العلماء ، وتربية العلم ، وبناء المدارس والمساجد والرباطات والوقوف عليها ، وأثره العجيب ببغداد هذه المدرسة وسقوفها الموقوف عليها ، وفي كتاب شرطها أنها وقف على أصحاب الشافعي أصلا وفرعا ، وكذلك الأملاك الموقوفة عليها شرط فيها أن يكون على أصحاب الشافعي أصلا وفرعا ، وكذلك شرط في المدرس الذي يكون بها والواعظ الذي يعظ بها ومتولي الكتب ، وشرط أن يكون فيها مقرئ القرآن ، ونحوي يدرس العربية ، وفرض لكل قسطا من الوقف ، وكان يطلق ببغداد كل سنة من الصلات مائتي كر ، وثمانية عشر ألف دينار .

ولما طالت ولايته تقررت قواعده قبل قدره ، ولما عبر في جيحون وقع للملاحين بأجرتهم على عامل أنطاكية بعشرة آلاف دينار ، وملك من الغلمان الأتراك ألوفا ، وحدث بمرو ، ونيسابور ، والري ، وأصبهان ، وبغداد ، وأملى في جامع المهدي ، وفي مدرسته ، وكان يقول: إني لأعلم أني لست أهلا للرواية ، ولكني أريد أن أربط نفسي على قطار النقلة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وحدث عنه جماعة من شيوخنا منهم أبو الفضل الأرموي ، وآخر من روى عنه أبو القاسم العكبري ، وكان النظام يقول: كنت أتمنى أن يكون لي قرية ومسجد أتخلى فيه بطاعة ربي ، ثم تمنيت بعد ذلك قطعة من الأرض بشربها أقوت برفعها ، وأتخلى في مسجد في جبل ، ثم الآن أتمنى أن يكون لي رغيف كل يوم وأتعبد في مسجد . [ ص: 305 ]

وقال: رأيت إبليس في النوم - فقلت له: ويلك ، خلقك الله ثم أمرك بسجدة فلم تفعل ، وأنا الحسن أمرني بالسجود فأنا أسجد له كل يوم سجدات فقال:


من لم يكن للوصال أهلا فكل إحسانه ذنوب

وكان له أولاد جماعة وزر منهم خمسة للسلاطين ، وزر أحمد بن النظام لمحمد ابن ملك شاه وللمسترشد ، خرج النظام مع ملك شاه يقصد العراق من أصفهان يوم الخميس غرة رمضان وكان آخر سفرة سافرها فلما أفطر ركب في محفة وسير به فبلغ إلى قرية قريبة مننهاوند فقال: هذا الموضع قتل فيه جماعة من الصحابة زمن عمر ، فطوبى لمن كان معهم ، فقتل تلك الليلة اعترضه صبي ديلمي على صفة الصوفية معه قصة ، فدعا له وسأل تناولها فمد يده ليأخذها فضربه بسكين في فؤاده ، فحمل إلى مضربه فمات ، وقتل القاتل في الحال بعد أن هرب فعثر بطنب خيمة فوقع ، فركب السلطان إلى معسكره فسكنهم ، وذلك في ليلة السبت عاشر رمضان ، وكان عمره ستا وسبعين سنة ، وعشرة أشهر ، وتسعة عشر يوما .

وشاع بين الناس أن السلطان سئم طول عمره وصور له أعداؤه كثرة ما يخرج من الأموال ، وقد كان عثمان بن النظام رئيس مرو فأنفذ السلطان مملوكا له كبيرا قد جعله شحنة فاختصما ، فقبض عليه عثمان وأخرق به ، فلما أطلقه قصد السلطان مستغيثا ، فاستدعى السلطان أرباب الدولة وقال: امضوا إلى خواجه حسن وقولوا له إن كنت شريكي في الملك فلذلك حكم ، وإن كنت تابعي فيجب أن تلزم حدك ، وهؤلاء أولادك قد استولوا على الدنيا ، ولا يقنعهم حتى يخرجوا من الحرمة . فلما أبلغوه قال لهم: قولوا له أما علم أني شريكه في الملك ، وأنه ما بلغ إلا بتدبيري ، أوما يذكر حين قتل أبوه كيف جمعت الناس عليه ، وعبرت بالعساكر النهر ، وفتحت الأمصار ، وصار الملك بحسن تدبيري بين راج للرأفة ووجل من المخافة ، وبعد هذا فقولوا له وعرفوه أن [ ص: 306 ] ثبات القلنسوة مصدوق بفتح هذه الدواة ، ومتى أطبقت هذه زالت تلك فحكي ذلك للسلطان ، فما زال يدبر عليه فيقال إنه ألف عليه بمواطأة تاج الملك أبي الغنائم من قتله ، فلم تطل مدة السلطان بعده ، وإنما كان بينهما خمسة وثلاثون يوما ، فكان في ذلك عبرة ، فكان الناس يتحدثون أن السلطان إنما رضي بقتله لأن السلطان كان قد عزم على تشعيث أمر المقتدي ، ودبر ذلك تاج الملك وخاتون زوجة السلطان لأنها أرادت من السلطان أن ينص على ولدها محمود فثناه عن رأيه النظام ، فخشوا من النظام تثبيطا عن مرادهم .

ووصل نعي نظام الملك إلى بغداد يوم الأحد ثامن عشر رمضان ، فجلس أبو العميد الدولة للعزاء به في الديوان ثلاثة أيام ، وحضر الناس على طبقاتهم ، وخرج التوقيع يوم الثالث . وفي آخره ، وفي بقاء معز الدولة مما يجبر المسلمين ، ويعضد أمير المؤمنين .

قال المصنف: ونقلت من خط أبي الوفاء بن عقيل قال: رأينا في أوائل أعمارنا [ناسا] طاب العيش معهم ، من العلماء والزهاد وأعيان الناس ، وأما النظام فإن سيرته بهرت العقول جودا وكرما وحشمة وإحياء لمعالم الدين ، فبنى المدارس ، ووقف عليها الوقوف ونعش العلم وأهله ، وعمر الحرمين ، وعمر دور الكتب ، وابتاع الكتب فكانت سوق العلم في أيامه قائمة ، والعلماء مستطيلين على الصدور من أبناء الدنيا ، وما ظنك برجل كان الدهر في خفارته ، لأنه كان قد أفاض من الإنعام ما أرضى الناس ، وإنما كانوا يذمون الدهر لضيق أرزاق واختلال أحوال ، فلما عمهم إحسانه أمسكوا عن ذم زمانهم .

قال ابن عقيل: بلغت كلمتي هذه وهي قوله كان الدهر في خفارته جماعة من الوزراء والعمداء فسطروها واستحسنها العقلاء الذين سمعوها .

قال ابن عقيل: وقلت مرة في وصفه ترك الناس بعده موتى أما أهل العلم والفقراء [ ص: 307 ] ففقدوا العيش بعده بانقطاع الأرزاق ، وأما الصدور والأغنياء فقد كانوا مستورين بالغناء عنهم ، فلما عرضت الحاجات إليهم عجزوا عن تحمل بعض ما عود من الإحسان ، فانكشفت معايبهم من ضيق الصدور ، فهؤلاء موتى بالمنع وهؤلاء موتى بالذم ، وهو حي بعد موته بمدح الناس لأيامه ، ثم ختم له بالشهادة فكفاه الله أمر آخرته كما كفى أهل العلم أمر دنياهم ، ولقد كان نعمة من الله على أهل الإسلام فما شكروها فسلبوها .

قال المصنف رحمه الله: وقد رثاه مقاتل بن عطية [المسمى بشبل الدولة] فذكر هذا المعنى:


كان الوزير نظام الملك لؤلؤة     يتيمة صاغها الرحمان من شرف
عزت فلم تعرف الأيام قيمتها     فردها غيرة منه إلى الصدف

3626 - عبد الباقي بن محمد بن الحسين بن داود بن ناقيا ، أبو القاسم الشاعر .

من أهل الحريم الطاهري ، ولد سنة عشر وأربعمائة ، وسمع أبا القاسم الخرقي وغيره ، وكان أديبا حدث عنه أشياخنا ، ورموه بأنه كان يرى رأي الأوائل ، ويطعن على الشريعة ، وقال شيخنا عبد الوهاب الأنماطي: ما كان يصلي ، وكان يقول في السماء نهر من خمر ، ونهر من لبن ، ونهر من عسل ما سقط منه شيء قط سقط هذا الذي يخرب البيوت ويهدم السقوف .

توفي في محرم هذه السنة ، ودفن بباب الشام ، وأنبأنا عمر بن ظفر المغازلي قال: [ ص: 308 ]

سمعت أبا الحسن علي بن محمد الدهان يقول: دخلت على أبي القاسم بن ناقيا بعد موته لأغسله فوجدت يده مضمومة فاجتهدت على فتحها فإذا فيها مكتوب .


نزلت بجار لا يخيب ضيفه     أرجى نجاتي من عذاب جهنم
وإني على خوفي من الله واثق     بإنعامه والله أكرم منعم

3627 - عبد الرحمن بن محمد ، أبو محمد العماني .

كان يتولى قضاء ربع الكرخ ببغداد ثم ولي قضاء البصرة .

وتوفي في رمضان هذه السنة .

3628 - مالك بن أحمد بن علي بن إبراهيم ، أبو عبد الله البانياسي .

وبانياس بلد من بلاد الغور قريب من فلسطين ، ولد سنة ثمان وتسعين ، وهذا الرجل له اسمان وكنيتان يقال له: أبو عبد الله مالك ، وأبو الحسن علي ، وكان يقول سماني أبي مالكا ، وكناني بأبي عبد الله ، وأسمتني أمي عليا ، وكنتني بأبي الحسن ، فأنا أعرف بهما لكنه اشتهر بما سماه أبوه ، سمع أبا الحسن بن الصلت وهو آخر من حدث عنه في الدنيا ، وسمع من أبي الفضل بن أبي الفوارس ، وأبا الحسين بن بشران ، وحدثنا عنه مشايخنا آخرهم أبو الفتح ابن البطي ، وكان ثقة .

واحترق بسوق الريحانيين يوم الثلاثاء بين الظهر والعصر تاسع عشر جمادى الآخرة من هذه السنة [وهلك فيه جماعة من الناس] فاحترق فيه مالك البانياسي ، وكان في غرفته ودفن يوم الأربعاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية