صفحة جزء
باب ذكر خلافة المسترشد بالله

واسمه الفضل ، ويكنى أبا منصور ، ومولده ليلة الأربعاء رابع ربيع الأول سنة أربع وثمانين وأربعمائة ، وقيل: خمس وثمانين ، وقيل: ست وثمانين ، وسمع الحديث من مؤدبه أبي البركات أحمد بن عبد الوهاب السيبي ، ومن أبي القاسم علي بن بيان وحدث ، قرأ عليه أبو الفرج محمد بن عمر بن الأهوازي وهو سائر في موكبه إلى الحلبة [ ص: 162 ] فسمع ذلك جماعة وقرئ عنهم [وروى] عنه وزيره علي بن طراد وأبو علي بن الملقب ، وكان شجاعا بعيد الهمة ، وكانت بيعته بكرة الخميس الرابع والعشرين من ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وخمسمائة ، فبايعه إخوته وعمومته والفقهاء والقضاة وأرباب الدولة ، وكان قاضي القضاة أبو الحسن علي بن محمد الدامغاني هو المتولي لأخذ البيعة ، لأنه كان ينوب في الوزارة .

قال المصنف: ونقلته من خط أبي الوفاء بن عقيل ، قال: لما ولي المسترشد بالله تلقاني ثلاثة من المستخدمين يقول كل واحد منهم ، قد طلبك أمير المؤمنين ، فلما صرت بالحضرة قال لي قاضي القضاة وهو قائم بين يديه: طلبك مولانا أمير المؤمنين ثلاث مرات ، فقلت: ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ، ثم مددت يدي فبسط لي يده الشريفة فصافحت بعد السلام وبايعت ، فقلت: أبايع سيدنا ومولانا أمير المؤمنين المسترشد بالله على كتاب الله وسنة رسوله وسنة الخلفاء الراشدين ما أطاق واستطاع ، وعلى الطاعة مني ، وقبلت يدي وتركتها على عيني زيادة على ما فعلت في بيعة المستظهر تعظيما له وحده من بين سائر الخلفاء فيما نشأ عليه من الخير والخصال المحمودة ، وتميزه بطريقة جده القادر ، فبعثوا إلي مبرة عشرة دنانير ، وكان رسمي في البيعة خمسين دينارا .

وبرز تابوت المستظهر يوم بيعة المسترشد بين الصلاتين فصلى عليه المسترشد ، وكبر أربع تكبيرات ، وجلس قاضي القضاة للعزاء بباب الفردوس ثلاثة أيام ، ونزل الأمير أبو الحسن بن المستظهر عند تشاغلهم بالمستظهر من التاج في الليل وأخذ معه رجلا هاشميا من الحماة الذين يبيتون تحت التاج ، فمضى إلى الحلة إلى دبيس بن صدقة فبقي عنده مدة فأكرمه ، وأفرد له دار الذهب على أن يدخل عليه كل يوم مرة ويقبل الأرض ويستعرض حوائجه ، وبعث المسترشد نقيب النقباء أبا القاسم علي بن طراد ليأخذ البيعة على دبيس ، ويستعيد أخاه ، فأعطى [دبيس] البيعة ، وقال: هذا عندي ضيف ولا يمكنني إكراهه على الخروج ، فدخل النقيب على الأمير أبي الحسن وأدى رسالة [ ص: 163 ] الخليفة إليه ومعها خط الخليفة بالأمان على ما يجب وخاتمه ليعود فلم يجب فرجع ووزر أبو شجاع محمد بن أبي منصور بن [أبي] شجاع ، وكان عمره عشرين سنة صانعه لأبيه لأنه كان وزيرا للسلطان محمود ، واستنيب له أبو القاسم علي بن طراد ، فكتب إلى الوزير أبو محمد الحريري صاحب المقامات:


هنيئا لك الفخر فافخر هنيا كما قد رزقت مكانا عليا     رقيت كآبائك الأكرمين
لدست الوزارة كفؤا رضيا     تقلدت أعباءها يافعا
كما أوتي الحكم يحيى صبيا

وفي جمادى الآخرة: قبض على صاحب المخزن أبي طاهر بن الخرزي ، وعلي بن كمونة ، وابن غيلان القاضي ، وجماعة ، وأرجف بأن هؤلاء كتبوا إلى الأمير أبي الحسن [يأمرونه] بأن لا يطيع .

وتوفي ولد المسترشد الأكبر فدفن في الدار مع المستظهر ، ثم توفي ولد له آخر [بالجدري] فبكى عليه المسترشد حتى أغمي عليه .

وطولب ابن حمويه بمال فباع في يوم ثلاثة آلاف قطعة ثياب غير الأثاث والقماش ، وأخرج ابن بكري من الحبس وقرر عليه ثلاثة آلاف دينار وخمسمائة ، وتقدم ببيع أملاكه ليوفي ، وأضيفت دار سيف الدولة إلى الجامع ، وكتب دبيس بن مزيد فتوى في رجل اشترى دارا فغصبها منه رجل وجعلها مسجدا ، هل يصح له ذلك أم يجب إعادتها إلى مكانها ؟ فكتب قاضي القضاة وجماعة من الفقهاء: يجب ردها إلى مالكها وينقض وقفها ، فرفع ذلك إلى المسترشد وطالب بداره التي أضيفت إلى الجامع ، فأظهر [ ص: 164 ] بها كتابا مثبتا في ديوان الحكم أنه اشتراها أبوه من وكيل المستظهر بخمسة عشر ألف دينار وأنفق عليها ثمانية عشر ألف دينار .

وفي رجب: خلع المسترشد على دبيس جبة وفرجية وعمامة وطوقا وفرسا ومركبا وسيفا ومنطقة ولواء ، وحمل الخلع نقيب النقباء وابن السيبي ونجاح ، وكان يوما مشهودا .

وفي رابع ذي القعدة: خلع المسترشد على نظر ، ولقبه أمير الحرمين ، وأعطى حقيبتين ولوائين وسبعة أحمال كوسات ، وسار للحج .

وفي ذي الحجة صرف أبو جعفر بن الدامغاني عن حجبة الباب ، وجلس أبو غالب بن المعوج ثم خرج أبو الفرج بن طلحة ، فجلس بباب النوبي وجلس ابن المعوج نائبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية