صفحة جزء
ذكر الحوادث التي كانت في سنة خمس وعشرين من مولده صلى الله عليه وسلم فمن ذلك: خروجه إلى الشام في المرة الثانية في تجارة لخديجة وتزويجه بها رضي الله عنها .

أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر البزاز قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قال: أخبرنا أبو عمرو بن حيويه قال: أخبرنا أحمد بن معروف الخشاب قال:

أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني موسى بن شيبة ، عن عميرة بنت عبيد الله بن كعب بن مالك ، عن أم سعد بنت سعد بن الربيع ، عن نفيسة بنت منية أخت يعلى بن منية قالت: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة قال له أبو طالب: أنا رجل فقير لا مال لي ، وقد اشتد الزمان علينا ، وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام ، وخديجة [ ص: 314 ]

بنت خويلد
تبعث رجالا من قومك في عيراتها ، فلو جئتها فعرضت نفسك عليها لأسرعت إليك ، فبلغ خديجة ما كان من محاورة عمه له ، فأرسلت إليه في ذلك ، وقالت: أنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلا من قومك .

فقال له أبو طالب : هذا رزق قد ساقه الله إليك ، فخرج مع غلامها ميسرة ، وجعل عمومته يوصون به أهل العير حتى قدما بصرى من أرض الشام ، فنزلا في ظل شجرة فقال نسطور الراهب: ما نزل تحت هذه قط إلا نبي ، ثم قال لميسرة: أفي عينيه حمرة؟ فقال: نعم ، لا تفارقه . قال: هو نبي ، وهو آخر الأنبياء . ثم باع سلعته ، فوقع بينه وبين رجل تلاح فقال له: احلف باللات والعزى .

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما حلفت بهما قط ، . وإني لأمر فأعرض عنهما" فقال الرجل: القول قولك ، ثم قال لميسرة: هذا والله نبي تجده أحبارنا منعوتا في كتبهم ، وكان ميسرة إذا كانت الهاجرة ، واشتد الحر يرى ملكين يظلان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشمس ، فوعى ذلك كله ميسرة ، وباعوا تجارتهم وربحوا ضعف ما كانوا يربحون ، ودخل مكة في ساعة الظهيرة ، وخديجة في علية لها فرأت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو على بعيره ، وملكان يظلان عليه ، فأرته نساءها فعجبن لذلك ، ودخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخبرها بما ربحوا في تجارتهم ووجههم ، فسرت بذلك ، فلما دخل عليها ميسرة أخبرته بما رأت فقال: قد رأيت هذا منذ خرجنا من الشام ، وأخبرها بما قال الراهب نسطور ، وبما قال الآخر الذي خالفه في البيع .

وكانت خديجة امرأة حازمة جادة شريفة ، مع ما أراد الله بها من الكرامة والخير ، وهي يومئذ أوسط قريش نسبا ، وأعظمهم شرفا وأكثرهم مالا ، وكل قومها كان حريصا على نكاحها لو قدر على ذلك ، قد طلبوا [ذلك]

[ ص: 315 ]

وبذلوا الأموال ، فأرسلتني دسيسا إلى محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن رجع من الشام ، فقلت: يا محمد ، ما يمنعك أن تزوج؟ قال: ما بيدي ما أتزوج به . قلت: فإن كفيت ذلك ودعيت إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة ألا تجيب؟ قال: فمن هي؟ قلت: خديجة . قال:

وكيف لي بذلك؟ قال: قلت: علي قال: افعل ، فذهبت فأخبرتها فأرسلت إليه أن ائت الساعة كذا وكذا . فأرسلت إلى عمها عمرو بن أسد ليزوجها . فحضر ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمومته ، فتزوجها وهو ابن خمس وعشرين سنة ، وخديجة يومئذ بنت أربعين سنة . وقد روى قوم : أن خديجة سقت أباها الخمر فلما صحا ندم .

قال الواقدي : هذا غلط والصحيح عندنا المحفوظ عند أهل العلم أن عمها زوجها ، وأن أباها مات قبل الفجار .

وذكر ابن فارس : أن أبا طالب خطب يومئذ فقال:

الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم ، وزرع إسماعيل ، وضئضئ معد ، وعنصر مضر ، وجعلنا حضنة بيته ، وسواس حرمه ، وجعل لنا بيتا محجوبا ، وحرما آمنا ، وجعلنا الحكام على الناس . ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به رجل إلا رجح به ، وإن كان في المال قل فإن المال ظل زائل ، وأمر حائل ، ومحمد من قد عرفتم قرابته ، وقد خطب خديجة بنت خويلد ، وبذل لها من الصداق ما آجله وعاجله من مالي ، وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم ، وخطر جليل .

فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت خديجة قد ذكرت أول ما ذكرت للأزواج [ ص: 316 ] لورقة بن نوفل ، فلم يقض بينهما نكاح ، فتزوجها أبو هالة ، واسمه: هند ، وقيل:

مالك بن النباش ، فولدت له هند وهالة و [هما] ذكران ، ثم خلف عليها بعده عتيق بن عائذ المخزومي ، فولدت له جارية اسمها: هند .

وبعضهم يقدم عتيقا على أبي هالة ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال ابن إسحاق : فولدت له ولده كلهم إلا إبراهيم: زينب ورقية ، وأم كلثوم ، وفاطمة ، والقاسم وبه كان يكنى ، والطاهر ، والطيب . وهلك هؤلاء الذكور في الجاهلية ، وأدرك الإناث الإسلام فأسلمن وهاجرن معه .

وقال غيره : الطيب والطاهر: لقبان لعبد الله ، وولد في الإسلام .

وأما منزل خديجة فإنه يعرف بها اليوم ، اشتراه معاوية فيما ذكر ، فجعله مسجدا يصلي فيه الناس وبناه على الذي هو عليه اليوم ، ولم يغيره .

أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي ، عن أبيه ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس قال:

كان أول ولد ولد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل النبوة : القاسم ، وبه كان يكنى ، ثم ولد له زينب ، ثم رقية ، ثم فاطمة ، ثم أم كلثوم ، ثم ولد له في الإسلام عبد الله فسمي الطيب والطاهر ، وأمهم جميعا خديجة بنت [خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي] ، وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم ، وكان أول من مات من ولده: القاسم ، ثم [ ص: 317 ] مات عبد الله بمكة ، فقال العاص بن وائل السهمي: قد انقطع ولده فهو أبتر ، فأنزل الله عز وجل إن شانئك هو الأبتر .

قال محمد بن سعد : وأخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عمرو بن أبي سلمة ، عن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه قال: مات القاسم وهو ابن سنتين .

وقال محمد بن عمر : وكانت سلمى مولاة صفية بنت عبد المطلب تقبل خديجة في ولادها ، وكانت تعق عن كل غلام شاتين ، وعن الجارية شاة [وكان] بين كل ولدين لها سنة ، وكانت تسترضع لهم ، وتعد ذلك قبل ولادتها

التالي السابق


الخدمات العلمية