ذكر الحوادث في سنة اثنتين وثلاثين من مولده صلى الله عليه وسلم 
فيها: 
خلعت الروم  ملكها واسمه موريق ،  وملكوا مكانه فوقا ،  ثم قتلوه ، وأبادوا ورثته سوى ابن له هرب إلى 
كسرى  فآواه ، وتوجه . وملكه على 
الروم ،  ووجه معه ثلاثة نفر من قواده من جنود كثيفة ، أما أحدهم فكان يقال له: 
رميوزان ،  ووجهه إلى بلاد 
الشام  فدوخها حتى انتهى إلى أرض 
فلسطين   [وورد مدينة 
بيت المقدس]   [ ص: 318 ] 
وأخذ أسقفها ومن كان فيها من القسيسين وسائر النصارى بخشبة الصليب ، وكانت قد دفنت في بستان في تابوت من ذهب ، وزرع فوقها مبقلة ، فدلوه عليها ، فحفر فاستخرجها ، وبعث بها إلى 
كسرى  في سنة أربع وعشرين من ملكه وأما القائد الآخر: فكان يقال له شاهين ، فسار حتى احتوى على 
مصر  والإسكندرية  وبلاد النوبة ،  وبعث إلى 
كسرى  بمفاتيح [مدينة] 
إسكندرية  في سنة ثمان وعشرين من ملكه . 
وأما القائد الثالث فكان يقال له: فرهان ، فإنه قصد القسطنطينية حتى أناخ على ضفة الخليج القريب منها [وخيم هنالك] فأمره 
كسرى  فخرب بلاد 
الروم  غصبا مما انتهكوا من موريق [وانتقاما له منهم ، ولم يخضع 
لابن موريق]  من 
الروم  أحد ، غير أنهم قتلوا 
فوقا ،  وملكوا عليهم رجلا يقال له: هرقل فلما رأى 
هرقل  ما فيه الروم من تخريب 
فارس  بلادهم ، وقتلهم إياهم ، وسبيهم لهم ، تضرع إلى الله تعالى وسأله أن ينقذه وأهل مملكته من جنود فارس ، فرأى من منامه رجلا ضخم الجثة عليه بزة ، قائما في ناحية ، فدخل عليهما داخل ، فألقى ذلك الرجل عن مجلسه ، وقال لهرقل: إني قد أسلمته في يدك . فلم يقصص رؤياه تلك في يقظته على أحد ، فرأى الثانية في منامه أن الرجل الذي رآه في نومه جالسا في مجلس رفيع ، وأن الرجل الداخل عليهما أتاه وبيده سلسلة طويلة فألقاها في عنق صاحب المجلس وأمكنه منه ، وقال له: ها أنا ذا قد دفعت إليك 
كسرى  برمته فأغزه فإن شئت فإنك مدال عليه ، ونائل أمنيتك في غزاتك  
[ ص: 319 ] فلما تتابعت عليه هذه الأحلام قصها على عظماء الروم وذوي الرأي منهم فأشاروا عليه أن يغزوه ، فاستعد 
هرقل  واستخلف ابنا له على مدينة 
قسطنطينية ،  فسار حتى أوغل في بلاد أرمينية ونزل 
نصيبين  بعد سنة ، فلما بلغ كسرى نزول هرقل في جنوده بنصيبين وجه لمحاربته رجلا من قواده يقال له: 
راهزار  في اثني عشر ألف فارس ، وأمره أن يقيم 
بنينوى  في مدينة 
الموصل  على شاطئ 
دجلة ،  ويمنع 
الروم  أن تجوزها ، فنفذ 
راهزار  لأمر كسرى وعسكر حيث أمره ، فقطع هرقل دجلة في موضع آخر إلى الناحية التي كان فيها جند 
فارس  ، فأذكى 
راهزار  عليه العيون ، وأخبروه أنه في سبعين ألفا وأيقن بالعجز عنه ، فكتب إلى 
كسرى  يخبره بعجزه ، وكتب 
كسرى:  إنكم إن عجزتم عن 
الروم  لم تعجزوا عن بذل دمائكم في طاعتي ، فناهض 
الروم ،  فقتل ومعه ستة آلاف رجل وانهزم الباقون ، فبلغ ذلك كسرى فتهيأ وتحصن بالمدائن لعجزه ، وسار هرقل حتى قارب المدائن ، فلما استعد كسرى لقتاله انصرف إلى أرض الروم . 
قال 
عكرمة   : كانت في فارس امرأة لا تلد إلا الأبطال ، فدعاها كسرى ، فقال: 
إني أريد أن أبعث إلى الروم جيشا وأستعمل عليهم رجلا من بنيك فأشيري علي أيهم أستعمل . فقالت: هذا 
فرخان  أنفذ من 
سنان ،  وهذا 
شهربراز  أحلم من كذا . قال: 
فإني قد استعملت الحليم ، فاستعمل 
شهربراز ،  فسار إلى 
الروم  بأرض فارس وظهر عليهم ، فقتلهم وخرب مدائنهم ، وقطع زيتونهم . 
فلما ظهرت فارس [على الروم] جلس 
فرخان  يشرب ، فقال لأصحابه: رأيت  
[ ص: 320 ] كأني جالس على سرير كسرى ، فبلغت كسرى فكتب إلى 
شهربراز  إذا أتاك كتابي هذا فابعث إلي برأس فرخان . فكتب إليه: أيها الملك إنك لن تجد مثل 
فرخان ،  إن له نكاية وصوتا في العدو فلا تفعل . فكتب إليه: إن في رجال فارس خلفا منه ، فعجل علي برأسه . فراجعه ، فغضب 
كسرى  ولم يجبه ، وبعث بريدا إلى أهل فارس: إني قد نزعت عنكم 
شهربراز ،  واستعملت عليكم 
فرخان .  ثم دفع إلى البريد صحيفة أخرى صغيرة ، وقال: إذا ولي 
فرخان  الملك وانقاد له أخوه ، فأعطه [هذه الصحيفة] . 
فلما قرأ 
شهربراز  الكتاب ، قال: سمعا وطاعة ، ونزل عن سريره وجلس 
فرخان ،  فدفع الصحيفة إليه فقال: ائتوني 
بشهربراز  فقدمه ليضرب عنقه . 
فقال: لا تعجل علي حتى أكتب وصيتي ، قال: نعم . فدعا بالسفط فأعطاه ثلاث صحائف ، وقال: كل هذا راجعت فيك الملك ، وأنت أردت أن تقتلني بكتاب واحد! فرد الملك إلى أخيه ، وكتب 
شهربراز  إلى 
قيصر  ملك 
الروم:  إن لي إليك حاجة لا تحملها البرد ، ولا تبلغها الصحف ، فالقني ، ولا تلقني إلا في خمسين روميا ، فإني ألقاك في خمسين فارسيا . فأقبل 
قيصر  في خمسمائة ألف رومي وجعل يضع العيون بين يديه في الطريق ، وخاف أن يكون قد مكر به ، حتى أتته عيونه أنه ليس معه إلا خمسون رجلا ، ثم بسط لهما والتقيا في قبة ديباج ضربت لهما مع كل واحد منهما سكين ، فدعا ترجمانا بينهما ، فقال 
شهربراز:  إن الذين خربوا مدائنك أنا وأخي بكيدنا وشجاعتنا ، وإن كسرى حسدنا ، فأراد أن أقتل أخي ، فأبيت ، ثم أمر أخي أن يقتلني ، فقد خلعناه جميعا ، فنحن نقاتله معك . قال: قد أصبتما ، ثم أسر أحدهما إلى صاحبه: 
أن السر بين اثنين ، فإذا جاوز اثنين فشا . قال: أجل ، فقتلا الترجمان جميعا بسكينيهما ، فكان هذا أحد 
أسباب هلاك كسرى  .