صفحة جزء
[ذكر] صفة خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه إلى الغار

أخبرنا عبد الأول قال: أخبرنا ابن المظفر الداودي قال: أخبرنا ابن أعين قال: [ ص: 50 ] حدثنا الفربري قال: أخبرنا البخاري قال: حدثنا يحيى بن أبي بكر قال: أخبرنا الليث ، عن عقيل قال: قال ابن شهاب [فأخبرني عروة بن الزبير أن] عائشة رضي الله عنها قالت: بينا نحن جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله [مقبلا] متقنعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها . فقال أبو بكر: فداء له أبي وأمي ، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر .

قالت: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن ، فأذن له ، فدخل فقال لأبي بكر: "أخرج من عندك" . فقال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله . قال: "فإني قد أذن لي في الخروج" قال أبو بكر: الصحبة بأبي أنت يا رسول الله . قال: "نعم" قال: فخذ إحدى راحلتي هاتين . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بالثمن" . قالت عائشة : فجهزناهما أحث الجهاز ، ووضعنا لهما سفرة من جراب ، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها ، ثم ربطت به فم الجراب - ولذلك سميت ذات النطاقين - قالت: ثم لحق رسول الله [صلى الله عليه وسلم ] وأبو بكر بغار في جبل ثور ، فمكثا فيه [ ص: 51 ] ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر - وهو غلام شاب ثقف لقن - فيدلج من عندهما بسحر ، فيصبح مع قريش كبائت ، فلا يسمع أمرا يكاد به رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام ، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء ، فيبيتان في رسل - وهو لبن منحتهما - حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس ، يفعل هذا كل يوم وليلة من الليالي الثلاث .

واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلا من بني الديل ، وهو على دين كفار قريش فأمناه ،فدفعا إليه راحلتيهما ، وواعده غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما
.

قال مؤلف الكتاب: وقد روينا عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى أبا بكر لما أراد الخروج ، فخرجا من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته ، ثم عمدا إلى غار في جبل ثور .

وروى الواقدي عن أشياخه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمنزل أبي بكر إلى الليل ، ثم خرجا إلى الغار ، وكان خروجهما وقد بقي من صفر ثلاث ليال .

قالت أسماء بنت أبي بكر: لما خرجا أتانا نفر من قريش منهم أبو جهل ، فوقفوا على باب أبي بكر ، فخرجت إليهم فقالوا: أين أبوك؟ فقلت: لا أدري والله أين أبي؟

فرفع أبو جهل يده - وكان فاحشا - فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي ثم انصرفوا .

أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثنا يعقوب قال: أخبرنا أبي ، عن ابن إسحاق قال: حدثني [ ص: 52 ] يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير : أن أباه حدثه عن جدته أسماء بنت أبي بكر قالت:

لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج أبو بكر معه ، احتمل أبو بكر ماله كله معه - خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف درهم - وانطلق بها معه .

قالت: فدخل علينا جدي أبو قحافة ، وقد ذهب بصره ، فقال: إني والله لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه . قالت: قلت: كلا إنه قد ترك لنا خيرا كثيرا . قالت: فأخذت أحجارا فوضعتها في كوة في البيت كان أبي يضع فيها ماله ، ثم وضعت عليها ثوبا ، ثم أخذت بيده فقلت: [يا أبت] ضع يدك على هذا المال . قالت: فوضع يده عليه ، فقال: لا بأس ، إن كان ترك لكم هذا فقد أحسن ، وفي هذا لكم بلاغ . قالت: لا والله ما ترك لنا شيئا ، ولكني أردت أن أسكن الشيخ بذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية