صفحة جزء
ثم كانت:

سرية مرثد بن أبي مرثد الغنوي إلى الرجيع في صفر

روى ابن إسحاق عن أشياخه : أن قوما من المشركين قدموا على رسول [ ص: 201 ] الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: إن فينا إسلاما؛ فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهونا ويقرئونا القرآن ، ويعلمونا شرائع الإسلام ، فبعث صلى الله عليه وسلم معهم عشرة ، منهم: عاصم بن ثابت ، ومرثد بن أبي مرثد ، وعبد الله بن طارق ، وخبيب بن عدي ، وزيد بن الدثنة ، وخالد بن أبي البكير ، ومعتب بن عبيد .

وفيمن أمره عليهم ، قولان: أحدهما: مرثد ، والآخر عاصم .

فخرجوا حتى إذا كانوا على الرجيع وهو ماء لهذيل ، غدروا بالقوم واستصرخوا عليهم هذيلا ، فخرجوا بني لحيان فلم يرع القوم إلا الرجال بأيديهم السيوف ، فأخذ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم السيوف بأيديهم ، فقالوا للمشركين: إنا والله ما نريد إلا أن نصيب بكم ثمنا من أهل مكة ، ولكم العهد والميثاق ألا نقتلكم .

فأما عاصم ، ومرثد ، وخالد ، ومعتب فقالوا: والله لا نقبل من مشرك عهدا ، فقاتلوهم حتى قتلوا .

وأما زيد ، وخبيب ، وابن طارق ، فاستأسروا [وأعطوا بأيديهم] وأرادوا رأس عاصم ليبيعوه من سلافة بنت سعد - وكانت نذرت أن تشرب في قحفه الخمر - لأنه قتل ابنيها يوم أحد؛ فحمته الدبر ، فلم يقدروا عليه ، فقال: أمهلوه حتى يمسي فتذهب عنه ، فبعث الله الوادي فاحتملته وخرجوا بالنفر الثلاثة ، حتى إذا كانوا بمر الظهران انتزع عبد الله بن طارق يده منهم ، وأخذ سيفه ، واستأخر عنه القوم فرموه بالحجارة حتى قتلوه ، فقبره بمر الظهران ، وقدموا بخبيب وزيد إلى مكة فابتاع حجير بن أبي إهاب خبيبا لابن أخته عقبة بن الحارث ليقتله بابنه ، وابتاع صفوان بن أمية زيدا ليقتله بأبيه ، فحبسوهما حتى خرجت الأشهر الحرم ، ثم أخرجوهما إلى التنعيم فقتلوهما .

وقال قائل لزيد عند قتله: أتحب أنك الآن في أهلك وأن محمدا [عندنا] مكانك ، فقال: والله ما أحب أن محمدا يشاك في مكانه بشوكة وإني جالس في أهلي ، فقال أبو سفيان: والله ما رأيت من قوم قط أشد حبا لصاحبهم من أصحاب محمد [له]
.

أخبرنا أبو الوقت ، قال: أخبرنا ابن طلحة ، قال: أخبرنا ابن أعين ، قال: أخبرنا [ ص: 202 ] محمد بن يوسف ، قال: أخبرنا البخاري قال: أخبرنا موسى بن إسماعيل ، قال: أخبرنا إبراهيم ، قال: أخبرنا ابن شهاب ، قال: أخبرني عمرو بن أسيد بن حارثة الثقفي ، عن أبي هريرة قال:

بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة عينا وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري ، حتى إذا كانوا بالهدة بين عسفان ومكة ، ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان ، فنفروا لهم بقريب من مائة رجل رام ، فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم التمر في منزل نزلوه ، فقالوا: تمر يثرب فاتبعوا آثارهم ، فلما أحس بهم عاصم وأصحابه ، لجئوا إلى موضع ، فأحاط بهم القوم ، فقالوا لهم: انزلوا فأعطوا بأيديكم ، ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدا ، فقال عاصم: أيها القوم ، أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر ، اللهم أخبر عنا نبيك صلى الله عليه وسلم ، فرموهم بالنبل ، فقتلوا عاصما في سبعة من أصحابه ، ونزل إليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق ، منهم خبيب ، وزيد بن الدثنة ، ورجل آخر ، فلما استمكنوا منهم ، أطلقوا أوتار قسيهم ، فربطوهم بها ، فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر ، والله لا أصحبكم ، إن لي بهؤلاء أسوة ، يريد القتلى ، فجروه وعالجوه؛ فأبى أن يصحبهم فقتلوه .

وانطلقوا بخبيب وزيد ، حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر ، فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل خبيبا ، وكان خبيب هو الذي قتل الحارث بن عامر يوم بدر ، فلبث خبيب عندهم أسيرا حتى أجمعوا على قتله ، فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحد بها للقتل؛ فأعارته ، فدرج بني لها وهي غافلة حتى أتاه ، فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده ، ففزعت فزعة عرفها خبيب ، فقال: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك ، قالت:

والله ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب ، والله لقد وجدته يوما يأكل قطفا من عنب في يده وإنه لموثق بالحديد ، وما بمكة من ثمرة ، فكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله خبيبا ، فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الجبل ، قال لهم خبيب: دعوني أصلي ركعتين ، فتركوه فصلى ركعتين ، وقال: والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع . لزدت ، اللهم أحصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تبق منهم أحدا ، وقال:


فلست أبالي حين أقتل مسلما على أي جنب كان في الله مصرعي     وذلك في ذات الإله وإن يشأ
يبارك في أوصال شلو ممزع

[ ص: 203 ]

ثم قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتله ، وكان خبيب هو الذي سن لكل مسلم قتل صبرا الصلاة
.

قال مؤلف الكتاب: ثم أسلم أبو سروعة ، وروى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخرج له البخاري في صحيحه ثلاثة أحاديث

التالي السابق


الخدمات العلمية