صفحة جزء
95 - سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس [بن زيد] بن عبد الأشهل ، ويكنى أبا عمرو :

وأمه كبشة بنت رافع ، وهي من المبايعات ، وكان لسعد من الولد ، عمرو ، وعبد الله وأمهما [قيل:] كبشة ، وليس ذلك ، وإنما الأصح أنها هند بنت سماك بن [ ص: 243 ] عتيك من المبايعات خلف عليها سعد بعد أخيه أوس ، وهي عمة أسيد بن حضير .

وكان إسلام سعد على يدي مصعب بن عمير ، وكان مصعب قد قدم المدينة قبل العقبة الآخرة يدعو الناس إلى الإسلام ، ويقرئهم القرآن ، فلما أسلم سعد لم يبق أحد في بني عبد الأشهل إلا أسلم يومئذ ، وكانت دار بني عبد الأشهل أول دار من دور الأنصار أسلموا جميعا رجالهم ونساؤهم ، وحول سعد بن معاذ مصعب بن عمير ، وأسعد بن زرارة إلى داره ، فكانا يدعوان الناس إلى الإسلام في داره ، وكان سعد وأسعد ابني خالة ، وكان سعد وأسيد بن حضير يكسران أصنام بني عبد الأشهل ، وكان لواء الأوس يوم بدر مع سعد بن معاذ ، وشهد يوم أحد وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولى الناس . وأصيب يوم الخندق في أكحله .

وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكر الحمى ، فقال: "من كانت به فهو حظه من النار" ، فسألها سعد بن معاذ فلم تفارقه حتى فارق الدنيا .

وأصيب يوم الخندق في أكحله ، فضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبة في المسجد ليعوده من قريب .


أخبرنا محمد بن أبي طاهر ، قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري ، قال: أخبرنا أبو عمرو بن حيويه ، قال: حدثنا أبو الحسن بن معروف ، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم ، قال: أخبرنا محمد بن سعد ، [قال: أخبرنا يزيد بن هارون] .

وأخبرناه عاليا بن الحصين ، قال: أخبرنا ابن المذهب ، قال: أخبرنا القطيعي ، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال: حدثني أبي ، قال: أخبرنا يزيد بن هارون ، قال:

أخبرنا محمد بن عمرو بن علقمة ، عن أبيه ، عن جده ، عن عائشة ، قالت :

رمى سعدا رجل من المشركين يقال له ابن العرقة [بسهم له] يوم الخندق

[ ص: 244 ]

[فقال: خذها وأنا ابن العرقة] ، فأصاب أكحله ، فدعا الله سعد فقال: اللهم لا تمتني حتى تشفيني من قريظة - وكانوا مواليه وحلفاءه في الجاهلية - قالت: فرقأ كلمه ، فبعث الله [عز وجل] الريح على المشركين
وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا ، فلحق أبو سفيان بمن معه بتهامة ، ولحق عيينة بمن معه بنجد ، ورجعت بنو قريظة فتحصنوا في صياصيهم ، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فأمر بقبة فضربت على سعد بن معاذ في المسجد ، [قالت] : فجاءه جبريل وعلى ثناياه النقع ، فقال: أوقد وضعت السلاح [فو الله ما وضعت الملائكة السلاح] بعد ، اخرج إلى بني قريظة فقاتلهم . [قالت] : فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته ، وأذن في الناس بالرحيل . [قالت: فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني غنم وهم جيران المسجد ، فقال لهم:

"من مر بكم؟" قالوا: مر بنا دحية الكلبي - وكان دحية تشبه لحيته وسنة وجهه بجبريل عليه السلام ، فقالت] : فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة ، فلما اشتد حصرهم [واشتد البلاء عليهم] ، قيل لهم: انزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستشاروا أبا لبابة [بن عبد المنذر] ، فأشار إليهم أنه الذبح ، فقالوا: ننزل على حكم سعد بن معاذ ، [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انزلوا على حكم سعد بن معاذ" ، فنزلوا على [ ص: 245 ] حكم سعد بن معاذ] ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ فحمل على حمار عليه إكاف من ليف ، وحف به قومه فجعلوا يقولون: يا أبا عمرو ، حلفاؤك ومواليك [وأهل النكاية] ومن قد علمت ، ولا يرجع إليهم شيئا ، حتى إذا دنا من دورهم التفت إلى قومه ، فقال: قد أنى لي أن لا أبالي في الله لومة لائم ، فلما طلع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال :

"قوموا إلى سيدكم" . فأنزلوه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احكم فيهم" ، فقال: فإني أحكم فيهم بقتل مقاتليهم ، وسبي ذراريهم ، وتقسيم أموالهم ، فقال [رسول الله صلى الله عليه وسلم] : "لقد حكمت فيهم بحكم الله وحكم رسوله" . قالت: ثم دعا الله سعد ، فقال: اللهم إن كنت أبقيت على نبيك من حرب قريش شيئا فأبقني لها ، وإن كنت قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضني إليك . قالت: فانفجر كلمه ، وقد كان برأ حتى ما يرى منه شيء إلا مثل الخرم ، ورجع إلى قبته التي ضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت: فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ، قالت: فو الذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر وأنا في حجرتي ، وكانوا كما قال الله عز وجل: رحماء بينهم . قال:

فقلت: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع؟ فقالت: كانت عينه لا تدمع على أحد ، ولكنه كان إذا وجد فإنما هو أخذ بلحيته .
قال محمد بن سعد : حدثنا عفان ، قال: أخبرنا حماد بن سلمة ، عن أبي الزبير ، عن جابر:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كوى سعد بن معاذ من رميته .

قال [محمد] بن سعد : وأخبرنا وهب بن جرير ، قال: أخبرنا أبي ، قال:

سمعت الحسن يقول: [ ص: 246 ]

لما مات سعد بن معاذ - وكان رجلا جسيما جزلا - جعل المنافقون وهم يمشون خلف سريره يقولون : لم نر كاليوم رجلا أخف ، وقالوا: أتدرون لم ذاك؟ [ذاك] لحكمه في بني قريظة ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: "والذي نفسي بيده لقد كانت الملائكة تحمل سريره" . أخبرنا عبد الأول ، قال: أخبرنا ابن المظفر ، قال: أخبرنا ابن أعين ، قال: حدثنا محمد بن يوسف ، قال: أخبرنا البخاري ، قال: أخبرنا محمد بن المثنى ، قال: أخبرنا فضل بن مساور ، قال: حدثنا أبو عوانة ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ" . أخرجاه في الصحيحين .

وفيهما من حديث البراء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بثوب حرير فجعل يتعجب من حسنه ولينه ، فقال: "لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أفضل - أو خير - من هذا" . وقد روى سلمة بن أسلم الأشهلي ، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت وما فيه إلا سعد مسجى ، فرأيته يتخطاه ، فوقف فأومأ إلي: "قف" ، فوقفت ورددت من ورائي ، وجلس ساعة ثم خرج ، فقلت: يا رسول الله ، ما رأيت أحدا وقد رأيتك تتخطاه ، فقال:

"ما قدرت على مجلس حتى قبض لي ملك من الملائكة أحد جناحيه" فجلست ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "هنيئا لك يا أبا عمرو" ثلاث مرات .
قال سعد بن إبراهيم: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يغسل ، فقبض ركبتيه ، وقال:

دخل ملك فلم يكن له مكان فأوسعت له . وغسله أسيد بن حضير وسلمة بن سلام بن وقش ، ونزلا في قبره ومعهما الحارث بن أوس وأبو نائلة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على القبر . وكانت أمه تبكي وتقول: [ ص: 247 ]


ويل ام سعد سعدا براعة ونجدا

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل البواكي يكذبن إلا أم سعد" . وجاءت أم سعد تنظر إليه [في اللحد] فردها الناس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "دعوها" . فنظرت إليه قبل أن يبنى عليه اللبن ، فقالت: "أحتسبك عند الله" وعزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبره ، وتنحى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سوي على قبره ورش عليه الماء ، ثم جاء فوقف عليه فدعا له وانصرف . وكان سعد رجلا أبيض طوالا جميلا ، وتوفي ابن سبع وثلاثين سنة ، ودفن بالبقيع ، وأخذ من تراب قبره فإذا هو مسك .

وروى [ابن] عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: "هذا العبد الصالح الذي تحرك له العرش ، وفتحت له أبواب السماء ، وشهده سبعون ألفا من الملائكة لم ينزلوا الأرض قبل ذلك ، ولقد ضم ضمة ثم أفرج عنه" يعني سعد بن معاذ [رضي الله عنه] .

أخبرنا محمد بن أبي طاهر ، قال: أخبرنا الجوهري ، قال: حدثنا ابن حيويه ، قال: حدثنا ابن معروف ، قال: أخبرنا ابن الفهم ، قال: أخبرنا ابن سعد ، قال: أخبرنا محمد بن الفضيل بن غزوان ، عن عطاء بن السائب ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر سعد فاحتبس ، فلما خرج قيل له: يا رسول الله ، ما حبسك؟

[قال:
"ضم سعد في القبر ضمة] فدعوت الله أن يكشف عنه"


التالي السابق


الخدمات العلمية