صفحة جزء
ذكر الدليل على وجود الخالق سبحانه وتعالى

قد ثبت عند العقول السليمة أن العالم كله حادث ، وكل حادث فلحدوثه سبب ، والدليل على أن العالم حادث أن العالم كل موجود سوى الله عز وجل والموجود إذا كان متحيزا غير مؤتلف سمي جوهرا فردا فإن ائتلف إلى غيره سمي جسما . والعرض ما قام بغيره: كاللون ، والطعم ، وهذه الموجودات لا تخلو من الحوادث ، كالحركة والسكون ، وكل ما يخلو من الحوادث حادث .

ومعنى قولنا "حادث" أنه وجد بعد عدمه ، فلا يخلو وجوده قبل أن يكون محالا أو ممكنا ، ولا يجوز أن يكون محالا ، لأن المحال لا يوجد أبدا .

فثبت أنه ممكن ، والممكن ما يجوز أن يوجد ، ويجوز أن لا يوجد ، فلا بد [ ص: 119 ] لوجوده من مرجح له على العدم ، وهذا أمر ضروري في العقل لا نزاع فيه ، فظهر منه أنه لا بد للموجودات من موجد أوجده .

فإن قيل: يبطل هذا بالخالق فإنه موجود لا بموجد .

قلنا: الخالق واجب الوجود لم يزل ، وهذه الأشياء جائزة الوجود وبدت بعد عدم فافتقر إلى موجد .

ويزيد ما قلنا إيضاحا فنقول: اعلم أن الأدلة على إثبات الصانع بعدد أجزاء أعيان الموجودات كلها ، إذ ما من شيء إلا وفيه دليل على صانعه ، وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد ، وقد ثبت في الأزمان أنه لا كتابة إلا بكاتب ، ولا بناء إلا ببان .

ومن الدليل عليه نظم العالم وتركيبه وترتيبه وإحكام صنعته ، فإن تفكرت في هذه على لطف جرمها ، كيف كونت وركبت أعضاؤها ، ثم قد ركبت فيها علم مصالحها ، واجتناب مضارها ، ومناقد أغذيتها ، وسمعها وبصرها .

ومن أعجب الأدلة عليه تفاوت الهمم والطباع والصور ، فإن تكونت بالطبع لتساوت . وقد أشار عز وجل إلى ذلك ، بقوله: يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل .

فإن قال قائل جاهل: منها ومن فعل الطبيعة .

قلنا: إن كانت حية عالمة قادرة حكيمة فليس خلافنا إلا في الاسم ، وإن لم يكن على هذه الأوصاف لم يتصور عنها فعل محكم .

ومن ألطف الأدلة على وجوده: وله النفوس ، وقرع القلوب إذا نابت نائبة إليه ، والكلام في هذا المعنى قد استوفي في مسائل الأصول ، ولما كان هذا الكتاب لم يوضع لذلك اقتصرنا على هذه النبذة ، وقد قال الله عز وجل: - هو الأول والآخر والظاهر والباطن . . . الآية .

وأخبرنا هبة الله بن محمد بن الحصين ، أخبرنا أبو علي الحسن بن علي بن [ ص: 120 ]

المذهب
، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن مالك القطيعي ، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال: حدثني أبي ، أخبرنا أبو معاوية ، أخبرنا الأعمش ، عن جامع بن شداد ، عن صفوان بن محرز ، عن عمران بن الحصين ، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اقبلوا البشرى يا بني تميم " ، قالوا: قد بشرتنا فأعطنا ، فقال: "اقبلوا البشرى يا أهل اليمن " ، قالوا: قد قبلنا فأخبرنا عن أول هذا الأمر كيف كان ، فقال: "كان الله عز وجل قبل كل شيء ، وكان عرشه على الماء وكتب في اللوح المحفوظ ذكر كل شيء" .

التالي السابق


الخدمات العلمية