صفحة جزء
ومن الحوادث

غزوة حنين ، وحنين واد بينه وبين مكة ثلاث ليال ، وهي غزوة هوازن

وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة مشت أشراف هوازن وثقيف بعضها إلى [ ص: 332 ] بعض وحشدوا [وبغوا] . وجمع أمرهم مالك بن عوف النصري ، فأمرهم فجاءوا معهم بأموالهم ونسائهم وأمهاتهم حتى نزلوا بأوطاس ، وجعلت الأمداد تأتيهم ، وأخرجوا معهم دريد بن الصمة وهو أعمى ابن سبعين ومائة سنة يقاد وهو في شجار ، وهو مركب من أعواد يهيأ للنساء ، فقال: بأي واد هم؟ قالوا: بأوطاس ، قال: نعم ، مجال الخيل ، لا حزن ضرس ، ولا سهل دهس - أي لين - ما لي أسمع رغاء الإبل ويعار الشاء ؟! قيل له: ساق مالك بن عوف مع الناس الظعن والأموال ، فقال: ما هذا يا مالك؟ قال: أردت أن أحفظ الناس - يعني أذمرهم من الحفيظة أن يقاتلوا عن أهاليهم وأموالهم فانقض به - أي صفق بيده - وقال: راعي الضأن ما له وللحرب؟! وقال: أنت محل بقومك وفاضح عورتك - أي قد أبحت شرفهم - لو تركت الظعن في بلادهم والنعم في مراتعها ، ولقيت القوم بالرجال على متون الخيل ، والرجال [بين أضعاف الخيل ، ومقدمة ذرية ، أما الخيل] كان الرأي ، والذرية مقدمة الخيل .

فأجمع القوم السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة يوم السبت لست ليال خلون من شوال في اثني عشر ألفا من المسلمين: عشرة آلاف من المسلمين من [أهل] المدينة ، وألفان من المسلمين من أهل مكة . فقال رجل : لا نغلب اليوم من قلة . وخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ناس من المشركين كثير ، منهم: صفوان ابن أمية ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار منه مائة درع بأداتها ، فانتهى إلى حنين مساء ليلة الثلاثاء لعشر ليال خلون من شوال ، فبعث مالك بن عوف ثلاثة [نفر] يأتونه بخبر [ ص: 333 ] أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعوا [إليه] وقد تفرقت أوصالهم من الرعب .

ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي حدرد ، فدخل عسكرهم فطاف به وجاء بخبرهم ، فلما كان من الليل عمد مالك إلى أصحابه فعبأهم [في وادي حنين] فأوعز إليهم أن يحملوا على محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه حملة واحدة ، وعبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في السحر وصفهم صفوفا ووضع الألوية والرايات في أصحابه ، فمع المهاجرين لواء يحمله علي بن أبي طالب ، وراية يحملها سعد بن أبي وقاص ، [وراية يحملها عمر بن الخطاب] ، ولواء الخزرج يحمله حباب بن المنذر ، ولواء الأوس مع أسيد بن حضير ، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلته البيضاء التي تسمى الدلدل ، ولبس درعين والمغفر والبيضة ، فاستقبلهم من هوازن شيء لم يروا مثله قط من الكثرة ، وذلك في غبش الصبح ، وحملوا حملة واحدة ، فانهزم الناس ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا أنصار الله وأنصار رسوله ، أنا عبد الله ورسوله" . ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العسكر وثاب إليه من النهزم ، وثبت معه يومئذ علي ، والفضل والعباس ، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، وربيعة بن الحارث ، وأبو بكر ، وعمر ، وأسامة بن زيد في ناس من أهل بيته وأصحابه .
أخبرنا ابن الحصين ، قال: أخبرنا ابن المذهب ، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر ، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد ، قال: حدثني أبي ، قال: أخبرنا عبد الرزاق ، قال:

حدثنا معمر ، عن الزهري ، قال: أخبرني كثير بن عباس بن عبد المطلب ، عن أبيه العباس ، قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا قال: لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وما معه إلا أنا وأبو سفيان بن الحارث [بن عبد المطلب] ، فلزمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نفارقه وهو على بغلة شهباء ، - [وربما قال معمر : بيضاء] - أهداها له فروة بن نعامة الجذامي ، فلما [ ص: 334 ] التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين ، وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار .

قال العباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكفها ، وهو لا يألو ما أسرع نحو المشركين ، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بغرز رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال [رسول الله صلى الله عليه وسلم] : "يا عباس ، ناد يا أصحاب السمرة" . قال: وكنت رجلا صيتا ، فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة؟ قال: فو الله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البكر على أولادها . فقالوا: يا لبيك يا لبيك يا لبيك ، ووافاهم المسلمون فاقتتلوا هم والكفار ، فنادت الأنصار [يقولون] : يا معشر الأنصار . ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج ، فنادوا: يا بني الحارث بن الخزرج . قال: فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم ، فقال [رسول الله صلى الله عليه وسلم] :

"هذا حين حمي الوطيس" . قال: ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات فرمى بهن وجوه الكفار ، ثم قال: "انهزموا ورب الكعبة ، [انهزموا ورب الكعبة] " . قال: فذهبت أنظر ، فإذا القتال على هيئته فيما أرى ، [قال] : فو الله ما هو إلا أن رماهم رسول [ ص: 335 ] الله صلى الله عليه وسلم بحصياته ، فما زلت أرى حدهم كليلا ، وأمرهم مدبرا حتى هزمهم الله . قال:

وكأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يركض خلفهم على بغلته .


قال أحمد : وحدثنا عفان قال: حدثنا حماد بن سلمة ، قال: أخبرنا يعلى بن عطاء ، عن عبد الله بن سيار ، عن أبي عبد الرحمن الفهري ، قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين ، فسرنا في يوم قائظ شديد الحر ، فنزلنا تحت ظلال شجرة ، فلما زالت الشمس لبست لأمتي وركبت فرسي ، فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في فسطاطه ، فقلت: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، حان الرواح ، فقال: "أجل يا بلال" فثار من تحت سمرة كأن ظله ظل طائر ، فقال: لبيك وسعديك وأنا فداؤك ، فقال: "أسرج لي فرسي" ، فأخرج سرجا دفتاه من ليف ليس فيهما أشر ولا بطر ، قال: فأسرج فركب وركبنا ، فصادفناهم عشيتنا وليلتنا ، فتشامت الخيلان فولى المسلمون مدبرين ، كما قال الله عز وجل .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عباد الله أنا عبد الله ورسوله" . ثم قال: "يا معشر المهاجرين ، أنا عبد الله ورسوله" [قال] : ثم اقتحم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرسه فأخذ كفا من تراب ، فأخبرني الذي كان أدنى إليه مني أنه ضرب به وجوههم ، وقال: "شاهت الوجوه" ، فهزمهم الله عز وجل . قال يعلى بن عطاء: فحدثني أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا: لم يبق منا أحد إلا امتلأت عيناه وفمه ترابا ، وسمعنا صلصلة بين السماء والأرض كإمرار الحديد على الطست الحديد .
[ ص: 336 ]

قال أحمد: وأخبرنا عارم ، [حدثنا معتمر بن سليمان التميمي ، قال: سمعت أبي يقول: حدثنا السميط السدوسي] ، عن أنس بن مالك قال: لما فتحنا مكة غزونا حنينا ، فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت ، فصف الخيل ، ثم صفت المقاتلة ، ثم صفت النساء من وراء ذلك ، ثم صفت الغنم ، ثم صفت النعم ، قال: ونحن بشر كثير قد بلغنا ستة آلاف وعلى مجنبة خيلنا خالد بن الوليد ، قال: فجعلت خيولنا تلوذ خلف ظهورنا ، قال: فلم تلبث أن انكشفت خيولنا وفرت الأعراب ومن تعلم من الناس ، قال: فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا للمهاجرين يا للمهاجرين" ، ثم قال: "يا للأنصار يا للأنصار" . قال أنس: هذا حديث عمه ، قال:

قلنا: لبيك يا رسول الله ، [قال] : فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأيم الله ما آتيناهم حتى هزمهم الله ، قال: فقبضنا ذلك المال ثم انطلقنا إلى الطائف فحاصرناهم أربعين ليلة ، ثم رجعنا إلى مكة . قال علماء السير : لما انهزموا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل من قدر عليه منهم؛ فحنق المسلمون عليهم فجعلوا يقتلونهم حتى قتلوا الذرية ، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الذرية ، وكان سيماء الملائكة يوم حنين عمائم حمر قد أسدلوها [بين أكتافهم]
.

وعقد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي عامر الأشعري لواء ووجهه في طلبهم ، فمنهم من ذهب إلى الطائف ومنهم من ذهب إلى نخلة ، وقتل أبو عامر ممن لحق تسعة ثم قتل ، واستخلف أبو عامر أبا موسى الأشعري ، فقاتلهم .

وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف من سلك طريق نخلة قوما فلقي منهم ربيعة بن رفيع دريد بن الصمة ، فقال له: ما تريد؟ قال: قتلك ، ثم ضربه ربيعة فلم يغن شيئا ، فقال دريد: بئسما سلحتك أمك ، خذ سيفي من مؤخر الرحل ثم اضرب به وارفع عن العظام ، [ ص: 337 ] واخفض عن الدماغ ، فإني كنت كذلك أقتل الرجال ، فإذا أتيت أمك فقل: قتلت دريد بن الصمة ، فقتله .


وكان في تلك الغزوة أم سليم معها خنجر .

أخبرنا ابن الحصين ، قال: أخبرنا ابن المذهب ، قال: أخبرنا أبو بكر بن مالك قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد ، قال: حدثني أبي ، قال: أخبرنا أبو أسامة ، عن سليمان بن المغيرة ، عن ثابت ، عن أنس ، قال: جاء أبو طلحة يوم حنين يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم من أم سليم ، قال: يا رسول الله ، ألم تر إلى أم سليم معها خنجر ، فقال [لها] رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تصنعين به يا أم سليم؟" قالت: أردت إن دنا مني أحد منهم طعنته [به] .

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رحل فانتهى إلى الجعرانة ليلة الخميس لخمس ليال خلون من ذي القعدة ، فأقام بها ثلاث عشرة ليلة ، فلما أراد الانصراف إلى المدينة خرج ليلة الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة ليلا ، وأحرم بعمرة ودخل مكة وطاف وسعى وحلق رأسه ، ثم رجع إلى الجعرانة من ليله كبايت ، ثم انصرف يوم الخميس إلى المدينة .

وجاء وفد هوازن فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، [قال عبد الله بن عمرو: سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم] : امنن علينا ، فقام رجل منهم من بني سعد بن بكر بن هوازن - وبنو سعد هم الذين أرضعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم - يقال له: زهير بن صرد: لو أنا سألنا الحارث بن أبي شمر أو النعمان بن المنذر ورجونا عطفه ، ثم أنشد يقول:


امنن علينا رسول الله في كرم فإنك المرء نرجوه وندخر

في أبيات أخر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما أحب إليكم أبناؤكم ونساؤكم أم أموالكم" ، فقالوا: نساؤنا وأبناؤنا ، فقال: "أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم ، فإذا أنا صليت بالناس ، فقولوا: إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين ، وبالمسلمين إلى رسول الله في أبنائنا ونسائنا ، فإني سأعطيكم وأسأل لكم" ، فقاموا وقالوا ، فقال: "أما ما [ ص: 338 ] كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم" ، فقال المهاجرون: ما كان لنا فهو لرسول الله ، وقال الأنصار كذلك ، وقال الأقرع بن حابس: أما أنا وبنو تميم فلا ، وقال عيينة بن حصن: أما أنا وبنو فزارة فلا ، وقال عباس بن مرداس: أما أنا وبنو سليم فلا ، فقال بنو سليم: ما كان لنا فهو لرسول الله .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أمسك حقه فله بكل إنسان ست فرائض من أول شيء نصيبه ، فردوا إلى الناس أبناءهم ونساءهم .
أخبرنا محمد بن عبد الباقي [البزار ، أخبرنا أبو محمد الجوهري ، أخبرنا ابن حيويه ، أخبرنا أحمد بن معروف ، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة ، حدثنا محمد بن سعد ] عن عبد الله بن جعفر ، وابن أبي ميسرة وغيرهم ، قالوا: قدم وفد هوازن على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة بعد ما قسم الغنائم ، وفي الوفد عم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة أبو برقان ، فقال يومئذ: يا رسول إنما في هذه الحظائر من كان يكلئك من عماتك وخالاتك وحواضنك ، قد حضناك في حجورنا وأرضعناك ثدينا ، ولقد رأيتك مرضعا فما رأيت خيرا منك ، ورأيتك فطيما فما رأيت فطيما خيرا منك ، ورأيتك شابا [فما رأيت شابا] خيرا منك ، وقد تكاملت فيك خلال الخير ، ونحن مع ذلك أهلك وعشيرتك ، فامنن علينا من الله عليك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قد استأنيت بكم حتى ظننت أنكم لا تقدمون" وقد قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم السبي ، وجرت فيه السهمان ، وقدم عليه أربعة عشر رجلا من هوازن مسلمين ، وجاءوا بإسلام من وراءهم من قومهم ، وكان رأس القوم والمتكلم أبو صرد زهير بن صرد ، فقال: يا رسول الله ، إنا أصل وعشيرة وقد أصابنا من البلاء ما لا يخفى عليك يا رسول الله ، إنما في هذه الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك ، ولو ملحنا للحارث بن شمر أو النعمان بن المنذر ثم نزلا منا مثل الذي نزلت به رجونا عطفهما علينا وأنت خير المكفولين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن خير الحديث [ ص: 339 ] أصدقه ، وعندي من ترون من المسلمين ، فأبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم؟" قالوا: ما كنا نعدل بالأنساب شيئا ، فرد علينا أبناءنا ونساءنا ، فقال: "أما ما لي ولبني عبد المطلب فهو لكم ، وأسأل لكم الناس ، فإذا صليت الظهر بالناس فقولوا نستشفع برسول الله إلى المسلمين ، وبالمسلمين إلى رسول الله ، وإني سأقول لكم ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم وسأطلب لكم إلى الناس" .

فلما صلى الظهر قاموا فتكلموا بما قال لهم ، فرد عليهم: "ما كان لي ولبني عبد المطلب" ورد المهاجرون ورد الأنصار ، وسأل قبائل العرب فاتفقوا على قول واحد بتسليمهم برضاهم ، ودفع ما كان بأيديهم [من السبي إلا قوم تمسكوا بما في أيديهم] فأعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إبلا عوضا عن ذلك .
قال علماء السير: وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد هوازن عن مالك بن عوف ، فقالوا:

هو بالطائف ، فقال: "إن أتاني مسلما رددت عليه أهله وماله ، وأعطيته مائة من الإبل" فبلغه فأتى وأسلم ، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم واستعمله على قومه وعلى من أسلم من حول الطائف .

فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد السبي ركب وتبعه الناس يقولون: أقسم علينا الإبل والغنم . حتى ألجئوه إلى شجرة؛ فخطفت رداءه ، فقال: "ردوا علي ردائي ، فو الله لو كان لي عدد شجر تهامة نعما لقسمتها عليكم ثم لا تجدوني بخيلا ولا جبانا" . ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغنائم فجمعت ، فكان السبي ستة آلاف رأس . [قال مؤلف الكتاب] : وقد ذكرنا أنه رد ذلك ، وكانت الإبل أربعة وعشرين ألف بعير ، والغنم أكثر من أربعين ألف شاة وأربعة آلاف أوقية فضة ، فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم ، وأعطى أبا سفيان بن حرب أربعين أوقية ، ومائة من الإبل ، [قال: ابني يزيد ، قال: "أعطوه أربعين أوقية ومائة من الإبل" ، قال: ابني معاوية ، قال: "أعطوه أربعين أوقية ومائة من الإبل" ، وأعطى حكيم بن حزام مائة من الإبل] ثم سأله مائة أخرى فأعطاه ، [وأعطى النضر بن الحارث مائة من الإبل] ، وكذلك أسيد بن حارثة ، [ ص: 340 ] والحارث بن هشام ، وصفوان بن أمية ، وسهيل بن عمرو ، وقيس بن عدي ، وحويطب ، والأقرع بن حابس ، وعيينة ، ومالك بن عوف . وأعطى العلاء بن حارثة خمسين بعيرا ، وكذلك مخرمة بن نوفل ، وعثمان بن وهب ، وسعيد بن يربوع ، وهشام بن عمرو ، وذلك كله من الخمس ، وأعطى العباس بن مرداس أباعر ، فلم يرض وقال:


أتجعل نهبي ونهب العنيد     بين عيينة والأقرع

والعنيد اسم فرسه فزاده حتى رضي .

وكانت هذه القسمة بالجعرانة ، وحينئذ تكلمت الأنصار ، وقالوا: أما [عند] القتال فنحن ، وحينئذ قام ذو الخويصرة ، فقال: اعدل؛ فإنك لم تعدل .

روى جابر ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة وهو يقسم الغنائم والتبر وهو في حجر بلال ، فقام رجل فقال: اعدل يا محمد فإنك لم تعدل ، فقال عمر: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا في أصحاب له ، وإن أصحابا لهذا يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية" . قال مؤلف الكتاب: وهذا الرجل يعرف بذي الخويصرة

التالي السابق


الخدمات العلمية