صفحة جزء
ذكر القسم الثاني [ما حدث وآدم في الجنة]

وهو ما حدث وآدم في الجنة لما سجدت الملائكة لآدم وأبعد الله إبليس أسكن آدم الجنة ، فما حدث أباح آدم جميع أشجار الجنة سوى شجرة واحدة ، اختلفوا فيها ، فقيل: هي الحنطة ، وقيل: الكرمة إلى غير ذلك مما قد شرحناه في التفسير .

ومما حدث: ما روى السدي عن أشياخه: لما أسكن آدم الجنة كان يمشي فيها وحشا ليس له زوج ، فنام نومة فاستيقظ فإذا عند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه ، [ ص: 204 ] فسألها: ما أنت؟ قالت امرأة ، قال: ولم خلقت؟ قالت: تسكن إلي ، قالت له الملائكة ينظرون ما بلغ علمه: ما اسمها يا آدم ؟ قال: حواء ، قالوا: ولم سمت حواء ؟ قال: لأنها خلقت من شيء حي ، فقال الله: يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة قال قتادة : خلق حواء من ضلع من أضلاعه .

قال مجاهد : خلقت من قصيرى آدم .

ومما حدث: احتيال إبليس في الدخول إلى الجنة لاستذلال آدم .

روى السدي عن أشياخه ، قال: لما أراد إبليس أن يدخل الجنة إلى آدم فمنعه الخزنة ، فأتى الحية ، وهي دابة لها أربع قوائم ، كأنها البعير ، وهي كأحسن الدواب فكلمها أن تدخله في فمها فأدخلته في فمها فقال: يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد ، فأبى أن يأكل ، فقدمت حواء فأكلت ، ثم قالت: يا آدم قد أكلت ولم يضرني ، فلما أكل بدت لهما سوءاتهما .

وروى طاووس ، عن ابن عباس ، قال: إن إبليس عرض نفسه على الدواب لتحمله حتى تدخله الجنة حتى يكلم آدم ، وكل الدواب أبى ذلك عليه ، حتى كلم الحية ، فجعلته بين نابين من أنيابها ثم دخلت به ، وكانت كاسية [على أربع قوائم ، فأعراها الله تعالى وجعلها تمشي على] بطنها .

وقال وهب بن منبه : لما دخلت الحية [الجنة] خرج من جوفها ، فأخذ من الشجرة ، وجاء بها إلى حواء ، فقال: انظري إلى هذه الشجرة ، ما أطيب ريحها وطعمها وأحسن لونها ، فأكلت منها وذهبت بها إلى آدم ، فقالت: انظر إلى هذه ما [ ص: 205 ] أطيب ريحها وطعمها ، فأكل فبدت لهما سوءاتهما ، فدخل آدم في جوف الشجرة ، فناداه ربه: يا آدم أين أنت؟ قال: أنا هذا يا رب ، قال: يا حواء ، أنت غررت عبدي ، فلا تحملين حملا إلا حملته كرها ، فإذا أردت أن تضعي ما في بطنك أشرفت على الموت مرارا . وقال للحية: أنت التي دخل الملعون في جوفك حتى غر عبدي ، ملعونة أنت لعنة تتحول قوائمك في بطنك ، ولا يكن لك رزق إلا التراب ، أنت عدوة بني آدم وهم أعداؤك ، حيث لقيت منهم أحدا أخذت تسميه ، وحيث لقيك شدخ رأسك .

وروى محمد بن إسحاق ، عن بعض أهل العلم: أن آدم لما رأى نعم الجنة قال: لو أن خالدا ، فاغتنمها إبليس فأتاه من قبل الخلد .

قال ابن إسحاق : وحديث أن أول ما ابتدأهما به من كيده أنه ناح عليهما نياحة أحزنتهما حين سمعاها ، فقالا له: ما يبكيك؟ قال: أبكي عليكما ، إنكما تموتان فتفارقان ما أنتما فيه من النعمة والغبط ، فوقع ذلك في أنفسهما ، ثم أتاهما فوسوس إليهما ، وقال: يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد .

وقال ابن زيد : وسوس الشيطان إلى حواء في الشجرة حتى أتى بها إليها ، ثم حسنها في نفسه ، قال: فدعاها آدم لحاجته ، فقالت: لا ، إلا أن تأتي هذا ، قال: ما آتي؟ قالت: تأكل من هذه الشجرة ، فأكلا منها ، فبدت سوءاتهما ، وذهب آدم هاربا إلى الجنة ، فناداه ربه يا آدم أمني تفر؟ قال: لا يا رب ، ولكن حياء منك ، وقال: يا آدم أنى أتيت؟ قال: من قبل هذه أي رب ، قال: فقال الله: إن لها علي أن أدميها في كل شهر [ ص: 206 ] مرة ، كما أدمت هذه الشجرة ، وأن أجعلها سفيهة فقد كنت خلقتها حليمة ، وأن أجعلها تحمل كرها وتضع كرها .

وكان سعيد بن المسيب يحلف بالله ما يستثني: ما أكل آدم من الشجرة وهو يعقل ، ولكن حواء سقته الخمر حتى إذا سكر قادته إليها فأكل .

قال المؤلف: وفي هذا بعد من جهتين ، أحدهما: أن خمر الجنة لا يسكر ، لقوله تعالى: لا فيها غول .

والثاني: أنه لا يخلو أن يكون شربه مباحا له أو محظورا وقد حظره لأن الظاهر إباحته جميع ما في الجنة له سوى تلك الشجرة ومن فعل المباح لم يؤاخذ بما يؤثره ، على أن راوي هذا الحديث محمد بن إسحاق وفيه مقال .

التالي السابق


الخدمات العلمية