صفحة جزء
ذكر بيعة أبي بكر رضي الله عنه

ذكر الواقدي عن أشياخه: أن أبا بكر رضي الله عنه بويع يوم قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

وقال ابن إسحاق: بويع أبو بكر رضي الله عنه يوم الثلاثاء من الغد الذي قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سقيفة بني ساعدة .

[أخبرنا ابن الحصين ، قال: أخبرنا ابن المذهب ، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر ، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، قال: حدثنا إسحاق بن عيسى الطباع ، قال: حدثنا مالك بن أنس ، قال: حدثني ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله [بن عتبة بن مسعود] ، عن ابن عباس ، قال: قال عمر بن الخطاب]:

كان من خبرنا حين توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن عليا والزبير ومن كان معهما تخلفوا في بيت فاطمة [رضي الله عنها] بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وتخلفت عنا الأنصار بأجمعهم في سقيفة بني ساعدة ، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر رضي الله عنه ، فقلت له: يا أبا بكر ، انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار ، فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا رجلان صالحان ، فذكرا لنا الذي صنع القوم ، وقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا: نريد [ ص: 65 ] إخواننا هؤلاء من الأنصار ، فقالا: لا عليكم ، لا تقربوهم ، واقضوا أمركم [يا معشر المهاجرين] . فقلت: والله لنأتينهم .

فانطلقنا حتى جئناهم في سقيفة بني ساعدة ، فإذا هم مجتمعون ، وإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل ، فقلت: من هذا؟ فقالوا: سعد بن عبادة . فقلت: ما له؟

قالوا: وجع . فلما جلسنا قام خطيبهم ، فأثنى على الله عز وجل بما هو أهله ، وقال: أما بعد ، فنحن أنصار الله عز وجل وكتيبة الإسلام ، وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا ، وقد دفت دافة منكم تريدون أن تخزلونا من أصلنا ، وتحصنونا من الأمر . فلما سكت أردت أن أتكلم ، وكنت قد زورت مقالة أعجبتني أردت أن أقولها بين يدي أبي بكر رضي الله عنه ، وقد كنت أداري منه بعض الحد ، وهو كان أحلم مني وأوقر ، فقال أبو بكر رضي الله عنه: على رسلك . فكرهت أن أغضبه ، [وكان أحلم مني وأوقر] ، والله ما ترك كلمة أعجبتني في تزويري إلا قالها في بديهته وأفضل ، حتى سكت .

قال: أما بعد ، فما ذكرتم من خير فأنتم له أهل ، ولم تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش ، هم أوسط العرب نسبا ودارا ، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أيهما شئتم ، وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح ، فلم أكره مما قال غيرها ، وكان والله أن أقدم فتضرب عنقي ، لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر رضي الله عنه ، إلا أن تغر نفسي عند الموت ، فقال قائل من الأنصار: [ ص: 66 ]

أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ، منا أمير ومنكم أمير [يا معشر قريش قال:] فكثر اللغط ، وارتفعت الأصوات ، حتى خشيت الاختلاف ، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر ، فبسط يده فبايعته ، وبايعه المهاجرون ، ثم بايعه الأنصار .

[أخبرنا محمد بن أبي طاهر ، قال: أخبرنا الجوهري ، قال: أخبرنا ابن حيويه ، قال: أخبرنا ابن معروف ، قال: أخبرنا ابن الفهم ، قال: أخبرنا محمد بن سعد ، قال:

أخبرنا يزيد بن هارون ، قال: أخبرنا العوام] ، عن إبراهيم التيمي ، قال:

لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتى عمر أبا عبيدة بن الجراح ، فقال: ابسط يدك فلأبايعك فإنك أمين هذه الأمة على لسان محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال أبو عبيدة لعمر:

ما رأيت لك فهة قبلها منذ أسلمت ، أتبايعني وفيكم الصديق وثاني اثنين؟ .

قال ابن سعد: [أخبرنا وكيع ، عن أبي بكر الهذلي ، عن الحسن ، قال: قال علي رضي الله عنه] .

لما قبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم . نظرنا في أمرنا فوجدنا النبي عليه السلام قد قدم أبا بكر في الصلاة ، فرضينا لدنيانا من رضي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لديننا ، فقدمنا أبا بكر .

قال ابن سعد: [أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، قال: حدثنا] ابن عون ، [عن محمد] . [ ص: 67 ]

أن أبا بكر قال لعمر: ابسط يدك نبايع لك ، فقال له عمر: أنت أفضل مني ، قال له أبو بكر: أنت أقوى مني ، فقال له عمر: إن قوتي بك مع فضلك .

وقال ابن إسحاق: بايع أبا بكر المهاجرون والأنصار كلهم غير سعد بن عبادة .

[أخبرنا محمد بن الحسين ، وإسماعيل بن أحمد ، أخبرنا ابن النقور ، أخبرنا ابن المخلص ، أخبرنا أحمد بن عبد الله بن سيف ، حدثنا السرير بن يحيى ، حدثنا شعيب بن إبراهيم ، حدثنا سيف بن عمر ، عن ميسر] ، عن جابر ، قال:

قال سعد بن عبادة يومئذ لأبي بكر: إنكم يا معشر المهاجرين حسدتموني على الإمارة ، وإنك وقومي أجبرتموني على البيعة ، فقال: أما لو أجبرناك على الفرقة فصرت إلى الجماعة كنت في سعة ولكنا أجبرناك على الجماعة فلا إقالة لها ، لإن نزعت يدا من طاعة ، أو فرقت جماعة لأضربن الذي فيه عيناك .

[روى سيف ، عن ثابت بن معاذ الزيات ، عن الزهري ، عن يزيد بن معن] السلمي ، قال:

قام سعد بن عبادة يوم السقيفة فبايع ، فقال له أبو بكر: لئن اجتمع إليك مثلها رجلان لأقتلنك .

[وحدثنا سيف ، عن يحيى بن سعيد] ، عن سعيد بن المسيب ، قال:

أول من بايع أبا بكر المهاجرون إلى الظهر ، ثم الأنصار في دورهم إلى العصر ، ثم رجع إلى المسجد فبايعه البقايا ، وجاء أهل الجرف فيما بين ذلك إلى الصباح .

قال ابن إسحاق: بايع أبا بكر المهاجرون والأنصار كلهم غير سعد بن عبادة ، لأن الأنصار كانت قد أرادت أن تجعل البيعة له ، فقال له عمر: لا تدعه حتى يبايع ، فقال له بشير بن سعد أبو النعمان وكان أول من صفق على يدي أبي بكر: إنه قد لج وليس بمبايعكم أو يقتل ، وليس بمقتول حتى يقتل معه ولده وأهل بيته وطائفة من عشيرته ، فإن تركتموه فليس تركه بضاركم ، إنما هو واحد ، فقبل أبو بكر نصيحة بشير ومشورته ، وكف [ ص: 68 ] عن سعد ، فكان سعد لا يصلي بصلاتهم ، ولا يصوم بصيامهم ، وإذا حج لم يفض بإفاضتهم ، فلم يزل كذلك حتى توفي أبو بكر وولي عمر ، فلم يلبث إلا يسيرا حتى خرج [مجاهدا] إلى الشام فمات بحوران في أول خلافة عمر ، ولم يبايع أحدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية