صفحة جزء
ومن الحوادث التي كانت حين استخلف أبو بكر رضي الله عنه من ذلك أنه خرج عقيب ولايته ليتجر في السوق على عادته

[أخبرنا محمد بن أبي طاهر ، أخبرنا الجوهري ، أخبرنا ابن حيويه ، أخبرنا ابن معروف ، حدثنا الحسين بن الفهم ، حدثنا محمد بن سعد ، قال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم ، قال: حدثنا هشام الدستوائي ، قال: حدثنا] عطاء بن السائب ، قال:

لما استخلف أبو بكر رضي الله عنه ، أصبح غاديا إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتجر بها ، فلقيه عمر [بن الخطاب] وأبو عبيدة [بن الجراح] فقالا له: أين تريد يا خليفة رسول الله؟ قال: السوق ، قالا: تصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين؟ فقال: من أين أطعم عيالي؟ قالا له: انطلق حتى نفرض لك شيئا ، فانطلق معهما ، ففرضوا له كل يوم شطر شاة .

[قال ابن سعد: وحدثنا عفان ، قال: حدثنا سليمان بن المغيرة] ، عن حميد بن هلال ، قال:

لما ولي أبو بكر رضي الله عنه قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: افرضوا لخليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يغنيه ، قالوا: نعم ، برداه إذا أخلقهما وضعهما وأخذ مثلهما ، وظهره إذا سافر ، ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل أن يستخلف ، قال أبو بكر: رضيت . [ ص: 72 ]

قال ابن سعد: [وحدثنا روح بن عبادة ، قال: حدثنا ابن عون] عن عمر بن إسحاق:

أن رجلا رأى على عنق أبي بكر الصديق عباءة ، فقال: ما هذا؟ هاتها أكفيكها ، فقال: إليك عني لا تغيرني أنت وابن الخطاب عن عيالي .

قال محمد بن سعد: [وأخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش] ، عن عمرو بن ميمون ، عن أبيه ، قال:

لما استخلف أبو بكر جعلوا له ألفين ، فقال: زيدوني فإن لي عيالا وقد شغلتموني عن التجارة ، قال: فزادوه خمسمائة .

قال: وكان يحلب للحي أغنامهم ، فلما بويع قالت جارية من الحي: الآن لا تحلب لنا مناتح دارنا ، فسمعها أبو بكر ، فقال: بلى [لعمري] لأحلبنها لكم ، وإني لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه عن خلق كنت عليه ، فكان يحلب لهم .

وروى الواقدي عن أشياخه ، قال: كان منزل أبي بكر بالسنح عند زوجته حبيبة بنت خارجة ، وكان قد حجر عليه حجرة من شعر ، فما زاد على ذلك حتى تحول إلى منزله بالمدينة ، فأقام بالسنح بعد ما بويع له ستة أشهر يغدو على رجليه إلى منزله بالمدينة ، وربما ركب على فرس له وعليه إزار ورداء ممشق فيوافي المدينة فيصلي الصلوات بالناس ، فإذا صلى العشاء رجع إلى أهله بالسنح ، وكان إذا لم يحضر صلى [ ص: 73 ] بهم عمر ، وكان يقيم يوم الجمعة صدر النهار بالنسغ ، يصبغ رأسه ولحيته ، ثم يروح إلى الجمعة .

وكان رجلا تاجرا ، وكان كل يوم يغدو إلى السوق فيبيع ويبتاع ، وكانت له قطعة غنم تروح عليه ، وربما خرج هو بنفسه فيها ، [وكان يحلب للحي أغنامهم] ، وأنه نزل المدينة ، وقال: ما يصلح أمر الناس والتجارة ، واستنفق من مال المسلمين ما يصلحه [ويصلح عياله] يوما بيوم ، وكان الذي فرضوا له في السنة ستة آلاف درهم ، فلما حضرته الوفاة ، قال: أرضي التي بمكان كذا للمسلمين بما أصبت من أموالهم ، فدفع ذلك إلى عمر ، ولقوح ، وعبد صيقل ، وقطيفة ما تساوي خمسة دراهم ، فقال عمر: لقد أتعب من بعده .

وفي رواية أخرى أنه قال: انظروا كم أنفقت منذ وليت من بيت المال فاقضوه ، فنظر عمر فوجدوا مبلغه ثمانية آلاف في ولايته

التالي السابق


الخدمات العلمية