صفحة جزء
ذكر موت أبي بكر الصديق رضي الله عنه

[قال مؤلف الكتاب]: في سبب موته قولان:

أحدهما: أن اليهود سمته في حريرة ، أكل منها هو والحارث بن كلدة ، فأخذ منها الحارث لقمة ثم قال: كف فقد أكلت طعاما مسموما سم سنة فماتا جميعا للسنة يوم مات أبو بكر .

وروى ابن سعد عن [عبد العزيز بن عبد الله الأويسي ، عن الليث بن سعد ، عن عقيل ، ] عن ابن شهاب: أن أبا بكر والحارث بن كلدة كانا يأكلان حريرة أهديت لأبي بكر ، فقال الحارث: ارفع يدك يا خليفة رسول الله ، والله إن فيها لسم سنة وأنا وأنت نموت في يوم واحد . فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحد عند انتهاء السنة .

والقول الثاني: ذكره الواقدي عن أشياخه: أن أبا بكر رضي الله عنه اغتسل في يوم بارد فحم خمسة عشر يوما ، فكان لا يخرج إلى الصلاة ، وأمر عمر أن يصلي بالناس ، وكان عثمان ألزمهم له في مرضه .

روى [هشام بن عروة ، عن أبيه ، ] عن عائشة ، قالت: دخلت على أبي فأثبت الموت فيه فبكيت ثم قلت:


من [لا] يزال دمعه مقنعا فإنه [لا بد] مرة مدفون .

فقال [أبو بكر رضي الله عنه]: ليس كما قلت ، بل: وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد [ ص: 130 ]

قال: أي يوم هذا؟ قلت: يوم الاثنين ، قال: فإني أرجو من الله فيما بيني وبين الليل ، فلم يتوف حتى أمسى من تلك الليلة .

قالت: ثم دفن قبل أن يصبح . قالت: ثم قال: في كم كفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟

قالت: في ثلاثة أثواب بيض يمانية .
قالت فنظر إلى ثوب كان عليه يمرض فيه ، فيه درع زعفران أو مشق ، فقال: اغسلوا هذا وزيدوا عليه ثوبين وكفنوني ، قلت: إن هذا خلق ، قال: إن [الحي] أحق بالجديد ، وإنما هو للمهلة - يعني الصديد . قالت: فغسلناه وكفناه فيه .

توفي أبو بكر في مساء ليلة الثلاثاء بين المغرب والعشاء ، ودفن ليلة الثلاثاء لثمان ليال بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة ، فكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشر ليال .

وقال أبو معشر: أربعة أشهر إلا أربع ليال ، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة ، وغسلته امرأته أسماء بنت عميس ، أوصاها بذلك ، فقالت: لا أطيق ، فقال: يعينك عبد الرحمن . ولما توفي حمل على السرير الذي حمل عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وصلى عليه عمر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين القبر والمنبر ، وكبر عليه أربعا ، ودخل قبره عمر ، وعثمان ، وطلحة ، وعبد الرحمن بن أبي بكر ، وكان قد أوصى أن يدفن إلى [جنب] رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، [فحفر له] فجعل رأسه عند كتفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وألصقوا اللحد باللحد .

[قال] محمد بن سعد: [أخبرنا محمد بن عمر ، قال: حدثني ربيعة بن عثمان] ، عن عامر بن عبد الله بن الزبير ، قال: [ ص: 131 ]

رأس أبي بكر عند كتفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ورأس عمر عند حقوي أبي بكر .

ولما توفي أبو بكر رضي الله عنه نعي إلى أبيه أبي قحافة فقال: رزء جليل ، وورث أبو قحافة السدس من ماله ، وقال: قد رددت ذلك على ولد أبي بكر رضي الله عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية