صفحة جزء
ذكر ورعه وزهده وخوفه

[أخبرنا محمد بن الحسين ، وإسماعيل بن أحمد ، قالا: أخبرنا ابن النقور ، أخبرنا المخلص ، أخبرنا أحمد بن عبد الله ، قال: حدثنا السري بن يحيى ، حدثنا شعيب ، حدثنا سيف عن أشياخه] ، قالوا:

نزل ملك الروم القرو ، وكاتب عمر رضي الله عنه وقاربه وسأله عن كلمة يجتمع فيها العلم كله ، فكتب إليه: أحب للناس ما تحب لنفسك ، [واكره لهم ما تكره لها تجمع لك الحكمة كلها] وبعث إليه بقارورة: أن املأ لي هذه القارورة من كل شيء فملأها ماء .

وبعث أم كلثوم بنت علي إلى ملكة الروم بطيب وأحفاش من أحفاش النساء ، ودسته إلى البريد فأبلغه لها ، فجمعت امرأة هرقل نساءها وقالت: هذه هدية امرأة ملك العرب ، وبنت نبيهم ، فكاتبيها وكافئيها ، وأهدت لها فيما أهدت عقدا فاخرا ، فلما جاء به البريد أمره عمر بإمساكه ، ودعا بالصلاة جامعة ، فصلى بهم ركعتين ، وقال: إنه لا خير في أمر أبرم من غير شورى ، فقولوا لي في هدية أهدتها أم كلثوم لامرأة ملك الروم ، فقال قائلون: هو لها ، وقال آخرون: قد كنا نهدي لنستثيب ، فقال: ولكن الرسول رسول المسلمين والبريد بريدهم ، والمسلمون عظموها في صدرها ، فأمر بردها في بيت المال ، ورد عليها بقدر نفقتها .

[أخبرنا محمد بن أبي طاهر ، أخبرنا الجوهري ، أخبرنا ابن حيويه ، أخبرنا ابن [ ص: 140 ] معروف ، حدثنا الحسين بن الفهم ، حدثنا محمد بن سعد أخبرنا الفضل بن دكين ، وعبد الوهاب بن عطاء ، قالا: أخبرنا عبد الله العمري ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، ] قال: صحبت عمر بن الخطاب من المدينة إلى مكة في الحج ثم رجعنا فما ضرب فسطاطا ، ولا كان له بناء يستظل به ، إنما كان يلقي نطعا أو كساء على سحره فيستظل تحته .

[قال محمد بن سعد: وحدثنا محمد بن عمر ، قال: حدثني عثمان بن عبد الله بن زياد ، عن أيوب بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، عن أبيه] ، قال: مكث عمر زمانا لا يأكل من بيت المال شيئا حتى دخلت عليه في ذلك خصاصة ، وأرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستشارهم ، فقال: قد شغلت نفسي في هذا الأمر ، فما يصلح لي منه؟ فقال عثمان بن عفان: كل وأطعم ، قال: وقال ذلك سعيد بن زيد [بن عمرو بن نفيل] ، وقال لعلي: ما تقول أنت في ذلك؟ قال: غداء وعشاء ، قال: فأخذ عمر بذلك .

قال محمد بن عمر: [وحدثني الجحاف بن عبد الرحمن ، عن عيسى] بن معمر قال: نظر عمر بن الخطاب عام الرمادة إلى بطيخة في يد بعض ولده ، فقال: بخ بخ يا ابن أمير المؤمنين ، تأكل الفاكهة وأمة محمد هزلى؟ فخرج الصبي هاربا وبكى فأسكت عمر بعد ما سأل عن ذلك ، فقالوا: اشتراها بكف من نوى . [ ص: 141 ]

[قال محمد بن سعد: وأخبرنا عفان ، قال: حدثنا مهدي بن ميمون ، قال: حدثنا سعيد الجريري] ، عن أبي عثمان [النهدي] ، قال: رأيت عمر بن الخطاب يطوف بالبيت عليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة بعضها بأديم أحمر .

[قال محمد بن سعد: وأخبرنا يزيد بن هارون ، قال: أخبرنا شعبة ، عن عاصم بن عبد الله بن عاصم عن عبد الله بن عامر بن ربيعة] ، قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذ تبنة من الأرض فقال: ليتني كنت هذه التبنة ، ليتني لم أخلق ، ليت أمي لم تلدني ، ليتني لم أكن شيئا ، ليتني كنت نسيا منسيا .

[قال محمد بن سعد: حدثنا محمد بن عمر ، قال: حدثني عاصم بن عمر ، عن محمد بن عمر ، وعن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، عن أبيه] ، عن عمر ، قال: لو مات جمل ضائعا على شط الفرات لخشيت أن يسألني الله عز وجل عنه .

[قال ابن سعد: وأخبرنا المعلى بن أسد ، قال: حدثنا وهيب بن خالد ، عن يحيى بن سعيد] ، عن سالم بن عبد الله: أن عمر بن الخطاب كان يدخل يده في دبرة البعير ويقول: إني لخائف أن أسأل عما بك .

[قال محمد بن سعد: وأخبرنا عمرو بن عاصم الطلابي ، قال: حدثنا سليمان بن المغيرة ، قال: حدثنا حميد بن هلال ، قال: حدثنا زهير بن حيان ، قال: قال] ابن عباس: [ ص: 142 ]

دعاني عمر بن الخطاب [رضي الله عنه] فأتيته ، فإذا بين يديه نطع عليه الذهب منثور ، فقال: هلم فاقسم هذا بين قومك ، فالله أعلم حيث زوى هذا عن نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وعن أبي بكر وأعطانيه لخير أعطانيه أم لشر . قال: فأكببت عليه أقسمه ، فسمعت البكاء فإذا صوت عمر يبكي ويقول في بكائه: والذي نفسي بيده ما حبسه عن نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وعن أبي بكر [رضي الله عنه] إرادة الشر بهما ، وأعطاه عمر إرادة الخير .

التالي السابق


الخدمات العلمية